×

قراءة نقديّة في ديوان (للرّوح أزاهيرُ وثمارٌ) للشّاعر حكمت الخولي /سوريا/ بقلم الأستاذة مريم محمود سرور/ لبنان

قراءة نقديّة في ديوان (للرّوح أزاهيرُ وثمارٌ) للشّاعر حكمت الخولي /سوريا/ بقلم الأستاذة مريم محمود سرور/ لبنان

1

قراءة نقديّة في ديوان (للرّوح أزاهيرُ وثمارٌ) للشّاعر حكمت الخولي

الأستاذة مريم محمود سرور

مقدمة

“للرّوح أزاهيرُ وثمارٌ” هو عنوان ديوان الشّاعر حكمت الخولي مؤلّف من مئة واثنين وخمسين صفحة،
حَوَت تسعةً وسبعين قصيدة، كُتبت بأشكال مختلفة بين الخليلي والشّعر النثري، وقد أتت على جلّ القضايا
الذّاتيّة، بأسلوب فنيٍّ راقٍ، دالٍ على مقدرة شعريّة، وعلى حسٍّ رفيع وثقافة واسعة ووعي كبير. وقد عبَّر
الشّاعر عن مشاغل النّفس البشريّة من خلال ذاته المحبّة بكلّ ما في حالات الحبّ من وصلٍ وهجرٍ
وعتاب وتجلّ وصفاء، في معجم لا يخلو من الصوفيّة. كما عبّر عن حالات الثّورة والشكّ واليأس والأمل
وراوحٍ وتأرجحٍ بين الحلم والواقع، وما تطرَّق إليه من مشاغل الأنا المتكلّم.

 طالبة ماستر 2 في الجامعة اللّبنانيّة أدب عربي.

2

العنوان

من العنوان نبدأ؛ فالعنوان هو أحد المفاتيح الرئيسة لاكتشاف النّصّ وتفسير محمولاته الفنيّة والدلاليّة
(المناصرة، 2015، ص10). فالرّوح أسمى ما يشكّله الإنسان وقد نسب إليها أزاهيرٌ وثمار، فالعنوان هنا
قادر على إثارة تساؤلات القارئ عن هذه الأزاهير والثّمار، وبالنّظر إلى القصائد في الديوان، يتّضح لنا
شدّة تعلّقه الراسخ بأرضه وجذوره ومرتع طفولته فقصائد الخولي، مثل الهواء والشجر متأصّلة في
الجذور، ليؤكّد الشّاعر على سِمَة الروح والصّفاء التي تكمن في الخير والعطاء من خلال الأزاهير
والثّمار. وهذا فعلًا ما نتبيّنه في إهدائه العمل كاملًا إلى عائلته وأحفاده ثمرة فؤاده وإلى كلّ من يحمل قلبًا
نابضًا بالحبّ وحسًّا إنسانيًّا ناميًا.

الذّات والعاطفة

في غوصٍ إلى قصائد الديوان، وأنت في هذا السّياق تخالك تلك القصائد المتفاوتة حجمًا، تنتقل بينها
ويجمعك فيها تفاعل بين الأنا والعاطفة. ما يؤكّد كمّ الحب النازف، فالموضوعات الأدبيّة المختلفة هي
وطنيّات ووجدانيّات وبعض لمعاتٍ في الله.
يخاطب حوّاء بمعانٍ رقيقةٍ في قصيدة “الجمال البكر” فيقول:
أنا يا حوّاءُ لحنٌ شاردٌ عبر الزّمان
كلّ ما أبغيه جفنًا فيه سحرٌ وافتتان (الخولي، 2009، ص13)

3

ويقول في قصيدة “لا تسأليني”
لا تسأليني من أنا يكفيك أنّي عابدُ
يكفيكِ يا حوّاء صبٌ للأنوثةِ ساجدُ (ص123)
وينتقل ليحمل دعوة الحبّ والابتعاد عن الأسى، في قصيدة “وعي اليأس”.
فقلت: دعي اليأس جنبًا وعودي
لنملأ دنيا الوجودِ “هيام” (ص58)
إنّ الأساس في الدّيوان هو أنّنا نعيش فيه تجربة “الذّات” بالدرجة الأولى، ولكن هذا لا يمنع من محايثة
الواقع والاحتكاك بظروف شخصيّة بحثه مع طبيعة الحياة وظروف الواقع، إنّها الذاتيّة الممزوجة بالرّؤية،
التي انصهرت في الواقع مع الحلم، وامتزجت فيهما اللّغة بالفكر (أحمد، لا.ت، ص146). فيقول في
قصيدة “الحلم”:

فإذا الهوى محرابٌ
كلّ معذّبٍ
وإذا النّوال بعدْسها
شهدٌ وراح (ص17)
والأنا في بعض القصائد ليست سوى آهة، صرخة، أنّة في خضمّ أناةِ الإنسانيّة، فالشّعر صوتٌ صارخٌ
متصاعدٌ من الأعماق، يطفو ليعبّر عن رفضه وتمرّده، فتحدّد هويّة الشّاعر ونظرته الشمولية، فتتكوّن
المشاعر والمفاهيم حول الحياة والوطن والكون. ففي أعماق كلّ ذاتٍ إنسانيّة شاعرًا يُعبّر عن مشاعره

4

وتجربته الذاتيّة الفرديّة، التي هي جزءٌ من تجربة الإنسانيّة بمفهومها الشّامل كما عبّر في مقدّمة الديوان
(الخولي، لا.ت، ص5).
فيعبّر في قصيدة “الدمار” عن رفضه للدمار الذي حلّ بوطنه، جرّاء الحرب فيقول:
هناك على ضفاف الشؤم حطّت
جموعٌ من خفافيش الظلام
قفز النّور مذعورًا وولّى
يغمغم نادبًا حلم السّلام (ص 18)
كما ونجح الشّاعر في التعبير عن ذاته وغيره في ما حوله ومن حوله فيقول في قصيدة “النهاية”
بين أكوام الرزايا تحت أنقاض الرّجاء
بين أشواكٍ وحجرٍ في سراديب الشّقاء
يرغي الإنسان مذبوحًا بسيف الأقوياء
يتشهّى لقمة العيش وكوخًا في العراء (ص 29)
هذا ونتلمّس بين طيّات قصائده نزعةً صوفيّةً توّاقة عاشقة حالمة، هذه العاطفة كمية الأثر، تعطي الإنسان
معنى إنسانيّته، فيخوض غمار تجربته الروحيّة في الآفاق وفي نفسه، فيأتي كلامه صوفيًّا في حبّ الله،
فيقول في قصيدة شوقي إليك:
شوقي إليك يذيقني حلو الهوى
خالقي ويزيح عن قلبي الهموم (ص 98)

5

ويقول في قصيدة “غريب”:
غريبٌ بين خلاّني وأهلي
أعيش بعزلتي بالروح وحدي
إلهي املأ الدنيا صلاحًا
فقد ضلّ الأنام بذي الوجودي (ص 111-112)
وفي قصيدة ندى “المحبوب” يقول:
أشرق الإيمان في القلب الكئيب
فأنار الدّرب حُبًّا هاديًا (ص 132).
في كلٍّ منا جراحات لا تندمل، فالوطن جرحٌ والشوقُ جرحٌ والهجر جرحٌ وجراح الرّوح أقصى الجروح،
تتأرجح عواطف حكَمت الخولي بين الشّوق واليأس فهو ما زال يحنُّ إلى حوّائه ويتُوقُ إلى لقياها، وهو
يعلم أنّ ذلك أقرب إلى المستحيل أو اللقاء!!
فيحتل اليأس أعماقه كما بعض أعماله، هذا هو الأنا القابع في داخله، توأم روحه، يتّكئ عليه كلّما تألّم.
يقول في قصيدة: “أزف الرّحيل”:
ما لي أرى شجر الجنينة كالحًا
والزّهر يدمعُ بائسًا يتألّمُ (ص 15)
وفي قصيدة “الأرض مستشفى” يقول
أسيرُ على الدّروب المقفرات
وحيدًا تائهًا عبر الفلاة (ص 12)

6

ويُعبّر عن تشاؤمه في قصيدة “صدّقيني يا نسائم”:
صدّقيني يا نسائم
إنني صبٌ حزينٌ متشائمُ
أنا في الدّنيا غريب
تائه في أفق الكون الرّحيب (ص 96)
ويُعبّر حكمت الخولي عن حزنه لموت رفيقه في ثلاث قصائد (رثاء صديق – شبح الرفيق – ذكرى
الأربعين). فيعبّر عن هذا الحزن في قصيدة رثاء صديق:
أنينٌ حارقٌ يجتاح روحي (ص 66)
وفي قصيدة “ذكرى الأربعين” يصف هذا العزاء أنّه وفاءٌ للحبّ والصداقة، فيقول:

مجمعُ الأهل كلّ الصحب جاؤوا
وفاء الحبّ نوفيه ديونه (ص 64)
الطفولة والطبيعة

يستمد حكمت الخولي من عبق الماضي لهفةً مختبئةً بين السّطور، يمشّطها بخيوط الشمس والغار، فيقول
في قصيدة “الطفولة”:

لملمت من شجو الطيور ملاحي
وقطفت من زهر الرّبى ألواني (ص 23)

7

ويُعبّر عن حبّه للأزهار والأطيار فيقول في قصيدة “دموع الحبّ”:
ألاعب النّور في الأغصان مختبئًا
بين الأزاهر والأطيار روّادي (ص 59)
ويُكمل هذا الحبّ بين أحضان الطبيعة فيقول في قصيدة “شكوى الطبيعة”:
قرب الغدير جلسْتُ متّكئًا على
قيثارتي متأمّلًا سيل الفكر
أرنو إلى الأعشاب تضحك حرّةً
قد أسكرَتها نشوة اللّيل النّضر (ص 90)
الرّمز عشتار

اعتمد الشّاعر الخولي، في بعض قصائده على التّرميز، فتحوّلت بعض المفردات إلى دوال رمزيّة
وإحالات حاله، تسمح للمتلقّي في المشاركة بالنصّ وفهمه من دون أن يقع الشّاعر في الإغراق في
التّرميز. فقد وظّف رمز الخصوبة، رمز الأمّ السورية الكبرى، ربّة الحرب والحبّ في قصيدة تحمل
اسمها، فيقول:
في سماء الحبّ همسٌ قد سرى
وتفشّى بين ربّات الجمال
ودرت عشتار ما قد روّحت
فاتنات الحسن عن عشق الرجال (ص 102)

8

وفي قصيدة “كوخ عشتار” يقول:
من غصون الغار من أوراقها
من زهور البطم ما بين التّلال
نسجت عشتار كوخًا دافئًا
للقا العشّاق في عتم الليالي (ص 120)
إنّ توظيف الأسطورة عشتار، مع شجر البطم والغار، ما هو إلا بثّ قداسة لتلك الطبيعة، وربطها بالتّراث
الإنساني القديم، وما تضمّنته من أنماط وطقوس ومعتقدات، وكلّ الموروثات الثقافيّة والفكريّة والدينيّة،
وهذا صورة لهذا الأدب الجديد (حسين، 1998، ص 29).
فهكذا وظّف الشاعر الخولي ملامح الأسطورة، فعدّ توظيفها بُعدًا جماليًّا في القصيدة، فتقاطع الماضي مع
الحاضر وامتدّ البُعد الإنساني في تصوير الألم والجمال والغربة والتجدّد.
الخاتمة

ختامًا إن قصائد حكمت الخولي ما هي إلا صدى لحالات شعوريّة ونفسيّة تغدو معها القصيدة معادلًا
لحساسيّة الشّاعر والمكان والبيئة التي يعيشها على أرض الوطن، فتبدو لنا الرؤية منجلية تمامًا لشاعر
يمتلك أدواته الفنيّة بشكلٍ جيّد وأداء متميّز، وأنّ الطبيعة أشعلت الروح الشّاعرة، ودفعت بالينبوع الكائن
في أعماقه.

9

المصادر والمراجع

 أحمد، حسن غريب (لا.ت). التقنيّات الفنيّة والجماليّة المتطوّرة في القصّة القصيرة. طبعة

إلكترونية www.kotob.arabia.com
 حسين، عبد الرزّاق (1998). في النّصّ الجاهلي قراءة تحليليّة، القاهرة: مؤسسة المختار للنشر.

 الخولي، حكمت (2009). للرّوح أزاهير وثمار. سوريا: مكتبة الأسد.

 المناصرة، حسين (2015). القصّة القصيرة جدًّا: رؤى وجماليّات. إربد: عالم الكتب الحديث

للنشر والتوزيع.


السّيرة الذّاتيّة للباحثة مريم محمود سرور

  • أستاذة لغة عربية، ومنسّقة المادة في مدرسة الشهيد عبد الكريم الخليل الرسمية
  • حائزة على إجازة تعليميّة في اللغة العربية والإجتماعيات من كلية التربية الجامعة اللبنانية
  • إجازة في الأدب العربي
  • طالبة دراسات عليا ماجستير أدب عربي من كلية الآداب والعلوم الانسانية الجامعة اللبنانية
  • نٌشر لها بعض القراءات النقدية في مجلات محكّمة:
  • قراءة نقدية في قصة “طريق الورد” للقاصة اللبنانية د. درية فرحات في مجلة المنافذ الثقافية عدد 46

10

  • قراءة في كتاب” فاعلية الرمز الديني المقدس” للأكاديمي اللبناني د. كامل صالح في مجلة الحداثة عدد 231
  • قراءة في كتاب: “المرايا المحدبة – من البنيوية إلى التفكيك”، لعبد العزيز حمودة في مجلة دراسات جامعية في الآداب والعلوم الإنسانية عدد 16
Please follow and like us:
Pin Share

About The Author

RSS
Follow by Email
Contact