×

أهمية العتبة الروائية وعناصر الوصف في تشكيل عالم النص الروائي (الملعون المقدّس) للروائي اللبناني محمد إقبال حرب. بقلم الأديبة سمر الديك/سوريا

أهمية العتبة الروائية وعناصر الوصف في تشكيل عالم النص الروائي (الملعون المقدّس) للروائي اللبناني محمد إقبال حرب. بقلم الأديبة سمر الديك/سوريا

أهمية العتبة الروائية وعناصر الوصف في تشكيل عالم النص الروائي (الملعون المقدّس) للروائي اللبناني محمد إقبال حرب. بقلم الأديبة سمر الديك/سوريا

————————————-

استوقفتني الرواية منذبدء قراءتها بعنوانها المؤثّر القابل للتأويل: من هو الملعون؟ومن هو المقدّس في نظر الكاتب؟

لقد ساعدت العتبة الروائية القارئ على فكّ ماتضمّنته الرواية ولو بشكل نسبي؛ حيثُ ساهمت في الانفتاح على الرواية،  وشكّلت علاقةً جدليةً بينها ومضمون الرواية، كما حفّزتْ المتلقي على الإحاطة بكل مكوناتها فكان العنوان ذا قيمة (سيميولوجية) وموجّها دلاليا لقراءتها بتمعنٍ وشغف…

استخدم الروائي الدكتور محمد إقبال حرب منذ العنوان مصطلحاتٍ تنتمي إلى القاموس الديني حيثُ (اللعنة) تُقابل (القداسة) فالأولى صفة للبشر ولإبليس؛ بينما القداسة ترتفعُ بالبشر إلى مصاف الأنبياء، والملائكة، وقد جمع العنوان بين الصفتين المتناقضتين (المُدنّس، والمُقدّس) وهذه المُتناقضات تنطوي عليها الرواية.

قام الكاتب بنقد الواقع، وتعرية قبحه المتعدد، القائم على المتناقضات على كل الأصعدة؛ صراعٌ بين الخير والشر، الخيانة والأمانة، الفاسد والصالح؛ وهذا ماجاء به القرآن الكريم حول النفس الأمّارة بالسوء، والنفس المطمئنة، وبشكل آخر الصراع بين الإنسان، والشيطان، وبالعودة إلى عتبة الرواية نجدُ أنّ

الملعون هذا الرجل المتخبط بالرذيلة والمقدّس في دلالية الرواية يبقى في تصميم البطل (عرقول) وإرادته العليا للتغيير بالعودة إلى حالته الإنسانية الطبيعية بعد أنْ ارتكبَ الموبقات من المحارم…

نرى الكاتب بعدها ينتقل بالقارئ من الواقع إلى الخيال وبالتالي يجعل القارئ يعيش الجو الديني، ويتعامل بالقاموس الديني القائم على الذنب المسبب للعنة، وعلى التوبة المؤدية للقداسة حيث الرواية تتأرجح بين عالم سفلي تُكثر فيه المعاصي واللعنات إلى عالم علوي يُكافأ فيه المذنب عند التوبة الخالصة حتى حدود القداسة .

في الرواية صورٌ بطيئة تخرج من الأرض، من عمق الماضي، كانّها تحدث الآن، ذكرياتٌ من كل حدب وصوب على بساط الحقيقة، حيث يصبح الواقعُ أغربَ من الخيال كلّ الموبقات تتسارعُ في اقتناص كينونة (عرقول)، تجرُّ كلَّ عضوٍ من أعضائه الممهور برذيلة اقترفها؛ فشخصية البطل(عرقول) في الرواية سقط في كل الموبقات من سرقة، وتحايل، وزنا، وخيانة، وكذب حتى وصل لاغتصاب الفتاة التي اتضح في نهاية الرواية أنّها ابنته (دوران) صفحة 152؛ فعلاقة عرقول بدوران وممارسته لزنا المحارم تصوير من نوع فلاش باك لزنا المحارم بين الحاكم والمحكوم بين الشعب والسلطة وبين الوطن .جاء في الرواية (هذا السجّانُ تفوق على كل الحكام العرب إذ لم يترك دليلاً واحداً…)

لايكتفي الكاتب بتعرية الجانب السياسي، بل يلجأ إلى تعرية الواقع الاجتماعي، والتردي الذي تعيشُه المجتمعات العربية وخاصة وضعية النساء من خلال شخصية(دوران) التي عانت الاغتصاب وشخصية أمّها التي هربتْ من زوجها (عرقول) ومن عالمه، وآثرتْ التمرد والثورة عليه عندما أخبرتْ ابنتها (دوران) بالحقيقة قائلةً لها:”لم أترككِ إلاّ بعد أنْ طفحَ الكيل، وأضحت حياتي عبارةً عن عبودية في دار لصٍّ سادي… سرقني، ضربني، اتهمني بشرفي وكان يحيكُ مؤامرةً لإدخالي السجنَ كي ينجوَ بنفسه من عمليات نصبٍ، واحتيال لذلك غادرتُ”.

لقد وُفق الكاتبُ في ضرورة التوازي بين الجانب الشرعي للزواج، والجانب المدني حيث كلّ طرفٍ أنقذَ الآخر بدلاً من القضاء عليه وهذا مانحتاجه اليوم طريقاً للخلاص، تقولُ (دوران) لرفيقها (داني): “متى سنبدأُ باتخاذ الإجراءات القانونية لنسوي وضعَنا قانونياً ونتزوج” حيث يدينان بدينين مختلفين.

تجدُ (دوران)في شخصية (داني) تبشيراً بغدٍّ أفضل من حياتها التعيسة؛ تقول:”ماهذه العائلة أبٌ مستهترٌ غامض، وأمّ هاربة، وأقارب تعساء…”

نرى الكاتب يلجأ إلى التناص من خلال قصة مريم العذراء، قالت الأخصائية للقاضي: “الدي أن أيه DNA للأم والطفل متطابقان، أمّا الرجل فلا يمكن أن يكونَ الوالد…”، وتوصلَ القاضي إلى أنّ (دوران) حملت دون زواج وأنّ (داني) رجل شهمٌ يريدُ أنْ يتستّرَ عليها.

هكذا يعيشُ القارئ الأحداث مع الشّخوص فيكتشفها ويكتشف ماضيها في عملية استرجاع ومحاسبة عبر تقنية السؤال.

هل تمكّنَ القارئ من التعاطف مع الجلاد(عرقول) أو إدانة الضحيّة (دوران)؛ لاسيما حين يُصبح(عرقول) كائناً غريباً ويستوحش في حين تتأنْسَنُ الكائنات الأخرى والمخلوقات التي تسألُ بعضها البعض عن كينونة هذا المخلوق الذي يُشبه البشر تصدرُ منه روائح، وأصوات، كأنّه ثلاثي الأبعاد حيث ردَّ الضبُّ المتوتر على الذبابة قائلاً لها: “إنّه كائنٌ فضائيٌّ أرسله الله عقاباً لمخلوقات البادية بسبب جفاء طبعهم؛ عقّبتْ عقرب بسخريةٍ وقالت: أخافُ التسمم من لدغته”.

الخلاصُ من اللعنة يكون بالإرادة البشرية والتدخل الإلهي حيث الجلاد هو الضحيّة قبل اقترافه ويحتاجُ إلى بذرة صالحة كي يستقيم كما جاء في شخصية الشيخ (نوس )البذرة الصالحة التي تكفل بإنقاذ (عرقول)، وكذلك شخصية (أنويا) الخارقة لإنقاذ شخصية (دوران)التي تعاني من اضطرابات نفسية من خلال بيئتها غير الصالحة .

هكذا يبدأ الصراعُ بين الواقع، والخيال حيث الخيال وُضع لإنقاذ الشخصيتين الرئيسيتين من عالم الشّر ، إلى عالم الخير والفضيلة.

“أين هو الموتُ، أين عزرائيل، بل أين الله؟ أنقذوني بالموت،بالقتل،بالفناء… لماذا لم تنقذني ياالله؟ هل جدول عزرائيل عامرٌ بزبائن جهنم؛ فلامكان لي؟”.

لقدْ أبدع الكاتبُ في وصف مظاهر الشخصيات الخارجية،  حيث وصف (عرقول) بقوله:”مع أنّ بطن (عرقول) يتقدمه دون خجلٍ فهو كرش الوجاهة كما يحلو له أن يسميه”، إضافةً إلى وصفه المجاري لكائنات في الخيال، كما لجأ إلى طريقة الوصف بالحوار الذي دار بينه وشخصية السّجان في حكمه على (عرقول) بأنّه نتنٌ، ومجرمٌ الصفحة 42، كما لجأ إلى الوصف باللغة باستخدام السرد التقليدي حيناً ، واستخدام البلاغيات في الوصف حيناً آخر. هكذا وظّف الكاتب العديد من العناصر السردية، من شخصيات وحوار ولغة زمانية ومكانية التي تضافرت في تشكيل عالم النص الروائي إضافة إلى قوة اللغة وأناقتها

About The Author

Previous post

(الملعون المقدس) سرد برؤية مغايرة عن المألوف للأديب المفكر الدكتور محمد إقبال حرب بقلم الناقدة سهيلة بن حسين حرم حماد من تونس

Next post

الحلقة السادسة من ناقد وكاتب دراسة نقدية للناقدة زهرة خصخوصي عن المجموعة القصصية” الريح تكنس اوراق الخريف” للروائي منذر غزالي بعنوان “الفضاء وانفتاح الخطاب في “الرّيح تكنس أوراق الخريف”

Contact