×

الثوابت الوطنية والدينية في نصوص الشاعر الجزائري د:/بومدين الجلالي… دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لديوان/أناشيد الجراح والأفراح بقلم الناقدة السورية الذرائعية /سمر الديك

الثوابت الوطنية والدينية في نصوص الشاعر الجزائري د:/بومدين الجلالي… دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لديوان/أناشيد الجراح والأفراح بقلم الناقدة السورية الذرائعية /سمر الديك

الثوابت الوطنية والدينية في نصوص الشاعر الجزائري د:/بومدين الجلالي

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لديوان/أناشيد الجراح والأفراح

بقلم الناقدة السورية الذرائعية /سمر الديك

أولاً-المقدمة

———-

مما لاشك فيه أنّ الأدب انعكاس  لوجدان الأديب على مرآة من ورق يحدد ملامحه بقلم من فكريستمد مداده من روحه ومعتقده جاعلاً من تجاربه الشخصية والعامة مخزوناً لاينضب ،وبما أنّ الشعر هو لون من ألوان الأدب فهو متنفس النفس وحديث الروح للروح والقلب للقلب والعقل للعقل حديث محمول على بساط من الخيال يطير بنا عبر الأثير وينقلنا عبر الأزمان والأماكن والأكوان فنهيم مع قائله وننتشي بلوحه وهذا تأكيد على أنّ الأدب الرصين عرّاب للمجتمع وهورباعي التكوين من سلوك نفسي وتقمص وجداني،وعقل معمّد بإحساس عالٍ يتناص مع الحياة وتجارب المبدعين ،وفن تشكيلي مموسق وهذا ماأكدت عليه النظرية الذرائعية لمؤسسها والمنظّر لها الأستاذ عبد الرزاق عودة الغالبي في كتابه “الذرائعية وسيادة الأجناس الأدبية

ثانياً-توطئة للتعريف بالشاعر :

الأستاذ الدكتور بومدين جلالي باحث وأديب جزائري ( شاعر وناثر )، مـن مواليـد 19/ 05/ 1952 بمدينة البيّض، تلقى تعليمه الأول في المدرستين الحديثة والتراثية بمسقط رأسه، ثم بمدينة وهران، ثم بمدرسة البحرية الوطنية الجزائرية بالعاصمة، ثم التحق  بالجامعة.

• الشهادات الجامعية  

1. ليسانس في الأدب العربي من جامعة وهران.

2. تبريز في الأدب العربي بالرتبة الأولى على المستوى الوطني من جامعة الخروبة بالجزائر العاصمة.

بإشراف الأستاذ الدكتور : حاج صالح عبد الرحمن

3. ماجستير في الأدب القديم بتقدير ” مشرف جدا” من جامعة وهران.

بإشراف الأستاذ الدكتور : عبد القادر فيدوح

4.دكتوراه في الأدب المقارن بتقدير ” مشرف جدا” من الجامعة المركزية بالجزائر العاصمة.

بإشراف الأستاذ الدكتور : علي ملاحي

5. شهادة التأهيل الجامعي من جامعة سيدي بلعباس

له نشاط إعلامي وفكري بارز كونه أسس للعديد من المجلات وكان رئيس تحريرها ،وله العديد من المحاضرات البيداغوجية والملتقيات العلمية

المؤلفات المنشورة ورقيا

1. عرش أولاد سيدي الناصر بن عبد الرحمن – دراسة أنتروبولوجية- مكتبة بوداود- ط1- الجزائر- 2009.

2. النقد الأدبي المقارن في الوطن العربي- دراسة نقدية- دار الحمراء- ط1- سيدي بلعباس- 2012.

3. جلسات الشمس – رواية فنية- دار الحمراء- ط1- سيدي بلعباس- 2012.

4. عين المهبولة / معلقة مدينة البيض   – ملحمة شعرية- دار الحمراء- ط1- سيدي بلعباس- 2012.

5. العولمة وموقفنا منها- دراسة فكرية- دار الحمراء- ط1- سيدي بلعباس- 2013.

6. قراءة في العلاقة المغيبة بين الطالب الجامعي وأستاذه- دراسة تربوية – دار الحمراء- ط1- سيدي بلعباس- 2013.

7. نجيب محفوظ : ضمير الرواية العربية – مؤلف نقدي جماعي – وزارةالثقافة بمملكة البحرين- 2014 -.

8. وسام تيهرت – ملحمة شعرية / دار الحمراء / سيدي بلعباس – 2015

9. مقتطفات من زمن جريح – ديوان شعر – – دار الحمراء – سيدي بلعباس – 2015

10. قراءات ثقافية – دراسة نقدية – دار الحمراء – سيدي بلعباس – 2015

11. حكاية سعيدة – ملحمة شعرية – مطبعة باتنة بإشراف محافظة المهرجان المحلي للفنون والثقافات الشعبية لولاية سعيدة – 2015.

12. أناشيد الجراح والأفراح – ديوان شعر – دار الإخلاص والصواب للطباعة والنشر والتوزيع – وهران – 2022 .

13. ينبوع الإحساس قي مدح خير الناس – ديوان شعري جماعي – دار الأمير – الجزائر – 

202٢

ثالثاً-البؤرةالأساسيةالثابتة

 Static coreوفيها نلمس أيديولوجية الكاتب الأدبية والفكرية ونظرته نحو مجتمعه وهي الرسالة التي يتميز بها الكاتب وخصوصاً الشعراء الكبار وهذه البؤرة هي هوية الشاعر الملتصقة به كبصمته ومن خلال قراءتي المستفيضة لديوان الشاعر الفذ بومدين الجلالي وجدت أنّ البؤرة الثابتة عنده هي رسالة استاتيكية مجتمعية تحارب الظلم والتخلف بكل أنواعه ،ونبذ الاستبداد والاستعمار الفرنسي الذي عاث في الجزائر فسادا ًطيلة مائة وثلاثين عاماً وكذلك ايمانه المطلق بثوابت السنن الإلهية في هذه الحياة كونها لاتثبت على حال ففي التاريخ أمم تفنى وأخرى تحيا ،وهناك صحة ومرض…لذلك نرى معظم قصائد ديوانه الشعري كانت خليطاً بين الأفراح والأتراح والتي بلغ عددها مائة وإحدى وخمسين قصيدة على البحور الخليلية تنقّل من خلالها في بستان شعره بين أفراح”الغد أجمل،في رحاب ليلة القدر،بهجة عيد الفطر…وبين أتراح “رقصة المنايا،القدس في خطر ونحن في خطر،منمنمات جراح،درس كورونا”

ومن خلال تلك القصائد سأكشف مخبوءات مضامينها من خلال الدلالات السيميائية والبراغماتية الرمزية

رابعاً- المستوى المتحرك الديناميكية:

وقد وجدت الشاعر بومدين من خلال فكره الثاقب شاعراً تسامى بعاطفته ومحبته لبلده الجزائر أرضاً وشعباً والتفاخر بهوية أبناءها وتمسكهم بلغتهم العربية رغم عبءالاستعمار الفرنسي وفرض اللغة الفرنسية على أبناء الجزائر

يقول في قصيدته “أنا العربي”

لِسانِــي يَلـوكُ احْتلالاً ظلومَـا***وفكْـرِي يَظلّ سجيناً عديمَا

2 – وقلْبي على النّارِ يُحْرَقُ حَرْقاً***يَنامُ ويصْحو سُؤالاً خصيمَا

3 – وعِـزّي يُهدَّمُ شِبْراً فشِبْراً ***فيبْدو غدي في الوُجـــودِ هزيمَا

4 – بِلادي غزاها نذيرُ التلاشِي***وقوْمي يَخوضون عَيْشا رَجيمَا

5 – يَدوسُ عليْــهمْ غِلاظ شِـدَادٌ***أذاهُمْ يُبيــدُ الصَّبــورَ الحَكيــمَا

هكذا هو الشاعر بومدين يرفض الاحتلال جملة وتفصيلاً بل نراه يتغنى بلغته العربية الأم ويدعو إلى التمسك بها يقول في قصيدته”لغتي أُمّي”


لغتي أمِّي، والأمـومة أصْلُ؛ ** أوَيَنْسَى في الدهْر ذلك نجْلُ؟

أرْضعتْنــي أنوارَها بشذاها ** ثمّ قالتْ : ذا في الحضارة فِعْلُ

علّمتنـــي مِنْ كــلّ فنٍّ وعلْمٍ ** فارْتقـــى بِالْإلْهــامِ قلبٌ وعقْلُ

 ونراه يستنكر لغة الاستدمار الفرنسي الهمجي صادحاً:

لغة الضّغائنِ مِن فرنْسا قدْ أتَتْ لِلْمؤمنينَ غَريمَهْ

أخْبارُها في كُلِّ أرْضٍ أنَها بالْمُنْكَرا تِ أثيمَهْ

مَسَخَتْ تُراثَ وُجودِنا، هِي في عُيونِ الْمُخْلِصينَ رَجيمَهْ

فُرِضَتْ عَليْنا دُونَ حَقٍّ فانْجَلتْ حينَ الصِّدامِ ذميمَهْ

هكذا وجدت الشاعر بومدين مخلصاً لعروبته ولأهله ووطنه داعياً إلى الحفاظ على هويتهم العربية وأمجادهم كما وجدته من جانب آخر شاعراً متديناً معتدلاً وسطياً يقول في قصيدته”طريق الهدى “

بِرِسَالَةِ الْقُرْآنِ إِنِّي وَاثِقُ ** بِأنَاقَةِ الْإعْرَابِ فَنِّي نَاطِقُ

أمنتُ بِاللهِ الْعَظِيمِ قَنَاعَةً **

 وَيُخِيفُنِي حَقّاً لَهِيبٌ حَارِقُ

فَلِذَا أنَا أدْعُو لِحُبِّ مُحَمَّدٍ ** وَالْحُبُّ فِي الْإيمَانِ أصْلٌ فَارِقُ

 هكذا الشاعر بومدين الجلالي يتكئ على جدار أدبي وثقافي وديني قوي البنية مقامٌ على أساسٍ متين من المفردات القويةوالألفاظ السهلة البعيدة عن التكلف من خلال التراكيب الجزلة بحيث يلبس اللفظ المعنى المناسب له

١المدخل البصري :

إنّ شكل النص البصري مهمٌ جداً في النقد العلمي الذرائعي فعندما يهمله الناقد يخلع أردية الأناقة البصرية للنص الأدبي فيصبح شكلاً عادياً لاينتمي لجنس وبالتالي يفقد هويته الأدبية وانسيابيته فتضيع عند القارئ جمالية البناء الفني في النص وخصوصاً في الشعر والشاعر بومدين اهتم بشكل القصيدة العام بأصغر تفاصيلها وسأقف عند بعض العتبات البصرية (العنوان)

اختار الشاعر عنواناً لديوانه “أناشيد الجراح والأفراح ليس عن عبث وإنما لإيمانه المطلق بأنّ منظومتنا الاجتماعية في وقتنا الراهن مغموسة في مشاكل كبيرة ومآسٍ عظيمة وويلات جسيمة وبالمقابل مرّت علينا وستمر مناسبات سعيدة كأعيادٍ وأفراح ونجاحات فقد وفق الشاعر في الجمع بين أفراحنا وأحزاننا بهذا البرادوكس الجميل وتلك المفارقة بين الأحزان والأفراح من خلال اللغة والجمال البلاغي في قصائد الديوان التي تنوعت بين تلك المفارقة وهذا تأكيد على ايمانه المطلق بثوابت السنن الإلهية في هذه الحياة ولذلك نرى الشاعر في معظم قصائد الديوان يتأرجح قلبه بين كفتي ميزان العواطف والتي تمثل إحداهما الأتراح والأخرى الأفراح ولو كانت حياة الإنسان مركّزة في كفة واحدة لفقدت كثيراً من بهجتها وإثارتها لذلك نراه حيناً بالجمال والحب السامي والاعتزاز بالعروبة وجمال  الغيث والغد الأجمل وحيناً آخر يكتب عن الخوف والشقاء ومنمنمات جراح وجائحة كورونا التي عانت منها البشرية وهكذا نرى الشاعر وسطياً في رؤيته لأحداث الحياة فقد ألبس الحياة أردية وسطية بين الحزن والفرح من خلال لغته الشعرية المتفردة

٢-المدخل اللساني والدلالي والجمالي :

سيمانتك النص واختيار الكلمة, أي علم اللغة, وبالتالي اللغة الشعرية التي تغوص في أعماق النفس الإنسانية للكشف عما يختلج في نفسية الشاعر من أحاسيس مختلفة من خلال الإيحاءات والخيال والرمزيةوالصور الشعرية وعلم البيان والبديع والموسيقى الشعرية  وسأقف عند قصيدته”همزية البيّض”والتي تجاوزت الستين بيتاً يقول:

ــــــــــــــــــــــــ

01 – فِي فُؤَادِي يَجْرِي هَوىً وَوَفَاءُ ** مِثْلَمَا يَجْرِي فِي الْبَسَاتِينِ مَاءُ

02 – بِالتَّسَامِي الْعَاتِي أهِيمُ طَوِيلاً  **  وَأنَا مِنْ شَوْقِي الْعَظِيمِ سَمَاءُ

03 – رَوْعَةُ الْبَيَّضِ الْعَزِيزِ سَقَتْنِي ** قِيَماً تَاهَ فِي  شَذَاهَا الصَّفَــــاءُ

04 – رَافَقَتْنِي الْأرْضُ الْبَهِيَّةُ دَهْراً ** وَأتَانِي فِي الْأمْسِيَـــاتِ النِّدَاءُ

05 – قَالَ: “صُغْ عَزْفاً بِالْجَمَالِ يُغَنِّي**قُلْ شُعُوراً فِيهِ الْعُلَا وَالْبَهَاءُ” 

06 – قُلْتُ:”يَا بَيّضِي أَنَا إرْثُ عَصْرٍ**يَزْدَهِي فِيهِ الْفَضْلُ وَالْفُضَلَاءُ

07 – تَتَجَلّى فِيهِ الْبُطُولَةُ بَدْراً،  **  فِي تَعَالِيـــهِ يَرْتَقِي الْعُظَمَــــاءُ “

08 – قَالَ : ” ذَاكَ الَّذِي أرِيـدُ لِذِكْرِي، ** إنَّمَا الدُّنْيَـا مِحْنَةٌ وَفِدَاءُ “.

09 – بِكَ أجْمِلْ يَا مَسْقَطَ الرَّأسِ دَوْماً**أنْتَ فِي عُرْفِ الْمُنْصِفِينَ سَخَاءُ

يظهر الشاعر المبدع بومدين في هذه القصيدة حبه وحنينه الدائم لمسقط رأسه مدينة “البيّض”والتي تسكنه أكثر مما يسكن فيها لقد أعطته هذه القصيدة هويته الأصلية كابن بار لمدينته أمّا تعلق الشاعر الجلالي بوطنه وارتباطه بعروبته وثوابته الوطنية والدينية فهو شيء عجيب وغريب ومثير للجدل

لقد سكن شاعرنا الجلالي بشكل دائم تحت خيمة الوجدانية ونظرية الفن للمجتمع لكونه شاعر انساني اجتماعي معروف بالطيبة والكرم والعنفوان وهو فرد من أفراد هذا المجتمع المظلوم الذي عانى من ويلات المستعمر الفرنسي لبلاده الجزائر

  مَرَّةً يَكْتَوِي الْعَدُوُّ جِهَاراً ** فِي انْتِفَاضَاتٍ قَادَهَا الشُّرَفَاءُ

28 – مَرَّةً يَنْجَلِي الْفَوَارِسُ عِزّاً ** مِنْ غُبَارٍ، وَالْعَادِيَاتُ دِمَاءُ

29 – مَرَّةً أسْمَعُ الرَّصَاصَ يُدَوِّي ** فِي جِهَادٍ نُجُومُهُ الشُّهَدَاءُ

30 – مَرَّةً تَهْوِي الطّائِرَاتُ أمَامِي**نَحْوَ أرْضٍ وَالنَّارُ فِيهَا فَنَاءُ

31 – وَشَقَقْنَا صَمْتَ الْمَدِينَةِ لَمَّا** قَامَ فِي سِرِّهَا النُّهَى الْخُلَصَاءُ

32 – وَضَرَبْنَا فِي الْقَلْبِ قُوَّةَ قَهْرٍ** فَتَشَظّى مِنْ عَزْمِنَا الدُّخَلَاءُ

33 – لَمْ نَخَفْ، لَمْ نَيْأسْ وَنَحْنُ نُعَانِي** – أبَداً – رُغْمَ أنَّنَا ضُعَفَاءُ

٤٣ – وَتَجَلَّى اسْتِقْلَالُنَا شَمْسَ حَقٍّ ** بِمَبَاهِيهَا ذِكْرُنَا مُسْتَضَاءُ

44 – فَتَنَامَى الْعَصْرُ الْجَمِيلُ بِسَعْدٍ**قَالَ لِلنَّاسِ : أنْتُمُ السُّعَدَاءُ

55 – إخْوَتِي تُوبُوا لِلرَّحِيمِ بِصِدْقٍ**وَلْنَعُدْ لِلْإخَاءِ.. ذَانِ الشِّفَاءُ

لقد برع الشاعر بصياغة مفرداته واختيار المفردات الوجدانية الرقيقة والمدروسة في تعبيره عن إرهاصاته الإنسانية بشكل مؤثر جداً وقد اكتسب ذلك من موهبته الأدبيةالمسوّرة بسور الخبرة في كتابة الشعر العمودي

حقاً أبهرتني تلك القصيدة بل هذه المعلقة والتي يمكن إضافتها إلى المعلقات السبع لفحول الشعراء

لقد أجاد شاعرنا بكتابة الحوار والسيناريو والحبك الشعري في قصيدته بل ومعلقته الهمزيةحيث كتبها بأسلوب إخباري تقريري بلغة خطابية وكأنني أمام نص شعري كتب بطريقة القص الأدبي من زمان ومكان وحبكة وصراع لينهي قصيدته بحكم ومواعظ يسوقها لنا من وجدانه مع التزامه بموسيقى البحور الخليلية

وهاهويطربنابقصيدتهغوديفا … Godiva

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 غوديفا أسطورة بطلتها زوجة ملك بريطاني عاش في محيط سنة 1000 للميلاد. طافت تلك البطلة الجميلة عارية في شوارع المدينة نزولا عند رغبة زوجها لعله يتخلي عن الضرائب الثقيلة التي فرضها على أهل مملكته لتمويل حروبه المتواصلة … وقد تناولت هذه الأسطورة بعض الفنون في الثقافات العالمية لكن لم تتناولها الثقافة العربية، وهو ما ماسعى إليه في هذا النص الشعري، مع تعديل طفيف يعبر عن قصده الجمالي الفكري من كتابتها يقول:

 بِعِنادٍ أجْرَى ضَرائبَ جُـــورٍ *** وتَجَنَّى حتَى تَهَدَّمَ صَبْرُ

ذهَبَتْ لِلْقصْر الْأثيم وقالتْ:** مَلِكِي -إنْ سَمحْتَ- لِلنّاسِ عُذْرُ

مِثْلما تَدْرِي؛ حَلَّ فِينا اضْطِرابٌ** وأصابَ الْبِلادَ قَحْطٌ وقَهْرُ

قال: أنْ تَمْتَطِي جَوادَ حُرُوبِي***وتَجُولِي فِي النّاسِ والْوَقْتُ ظُهْرُ

دُونَ ثَوْبٍ .. حَتَّى تَراكِ جُمُوعٌ .. *** رُبّما لِلْجَمالِ يُصْرَفُ دُرُّ !

أخْبَرَتْ قَوْمَها فقالوا : سنَبْقى *** في بُيوتِ الْإسْكانِ، ذَلِكَ سِتْرُ.

وَامْتَطَتْ صَهْوَةَ الْحِصانِ بِدِفْءٍ*** وحَياءٍ، وثَوْرَةُ الرُّوحِ جَمْرُ

أسْدَلَتْ شَعْرَها فغَطّى الْمَباهِي *** ودَعَتْ حَتَّى لا يُفَتَّتَ صَخْرُ

ما رَآهــــا مِنَ الْمَدينةِ إلَّا *** واحِدٌ، عَنْهُ غابَ ضَوْءٌ وطُهْرُ 

ثُمَّ عادَتْ لِلْقَصْرِ دونَ ضَجيجٍ ***والرِياحُ التَّغْييرَ في الْقَوْمِ تَذْرُو

صَمْتُها قال إنَّما الصّمْتُ سِجْنٌ***فَلْيُكَسِّرْ ذَا السِّجْنَ مَنْ هُوَ حُرُّ.

وهكذا ساق الشاعر المعاني وكأننا  أمام سرد قصصي محبوك بسوط التمكن الشعري فجعل من القصيدة سفينة للسفر بالخيال والموعظة متفرداً بنظم القصائد العمودية الخليلية

*الصور البلاغية في قصائد الديوان :

تزخر قصائد الشاعر بجمالية التعبير والصور الشعرية فقد استطاع بموهبته وخبرته الشعرية رسم أجمل الصور باستخدام علم البلاغة والبيان والبديع كما وطّف الطباق والجناس والتشخيص والتشبيه والتناص في معظم قصائد الديوان بخبرة ومهارة وحرفنة واتزان وهذه الاستراتيجية البارزة في شعره مردّها إلى اهتمامه الدقيق بصناعة الجملة الشعرية الواحدة لذلك يحسّ القارئ بحلاوة القصيدة وتأثيرها المباشر في الحس والوجدان وإليكم بعض تلك الصور الأدبية الشعرية التي تزخر بها قصائده

استعارة بنوعيها التصريحية والمكنية:يطاردون المنايا /خطّ الهوى مايشاء /تهدّم صبر/سقتني قيماً…

الطباق : سرّاً وجهراً/العظماء والضعفاء/الشقاء والهناء/…

ترادف لفظي نخف،نيأس،نعاني،الشقاء،الجفاء،الوباء….

مقابلة:أتى صيف ،وأتاني شتاء

جناس بين الشفاءوالشقاء

*التناص والتوازي في نصوصه:

أرى الشاعر الجلالي يتناص مع الكبار من فحول الشعراءوبما أنه بمتلك موهبة وتجربة شعرية لذلك تعززت لديه تلك السمة فنراه يتناص مع الشاعر الأعشى :

وَدِّعْ هُرَيْرَةَ يَا أعْشَى وَمَا رَحَلُوا *** فَإنَّ قَوْمَكَ فِي الْأصْفادِ يَا رَجُلُ

بِعْنَا عُرُوبَتَنا في السُّوقِ مُرْغَمَةً*** مِنْ بُؤْسِنا غابَ فِينا الْعِزُّ والْأمَلُ

صارَ الْخِطابُ بِغَيْرِ الضَّادِ مَلْحَمَةً**أهْلُ الْفَصاحَةِ فِي الْأطْواقِ قَدْ عُزِلُوا

بِعْنَا عَقِيدَتَنا … تِلْكَ الّتِي رَسَمَتْ *** أمْجادَنَا بَعْدَكُمْ والدَّهْرُ يَحْتَفِلُ

وفي قصيدته “بعْدَ التّباعُدِ

” يتناص مع الشاعر ابن زيدون في نونيته الشهيرة

عادَ التّفرُّقُ حَلّاً مِنْ تَجافِينا *** غابَ الْوِدادُ فغِبْنا والرَّدَى فِينا

أيّامُنا قدْ رَثتْنا والْكَلامُ دَمٌ *** والْحُزْنُ في كُلِّ مَصْرٍ باتَ باكِينا

كُنَّا ولا مَنْ يَرَى فِينا تَباعُدَنا *** والْيَوْمَ لا مَنْ يَرى قَطْعاً تَدانِينا

وفي قصيدته “جارة الوادي “يتناص مع الشاعر الكبير أحمد شوقي

هكذا نجد الشاعر الجلالي اتحد مع فحول الشعراء بالسمة الشعرية مع قوة الحبك في التنصيص بعيداً عن التكلف والإطناب والتشدق بالمصطلحات والمفردات الرنانة

الموسيقا الشعرية :

يتميز الشعر عن السرد بموسيقاه الداخلية والخارجية والتي تضفي على النص الشعري جمالاً ورونقاً آخّاذاً

إنّ المشهد الكلي لقصائد الديوان قصائد عمودية على البحور الخليلية حيث حقق فيهاموسيقا خارجية بالقافية والالتزام بحرف الروي في كل قصائده التي صاغها تارة على البحر الخفيف كما في قصيدة “همزية البيّض”

فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن // فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن مع وجود الزحافات

وتارة صاغ ِعلى البحر البسيط قصيدة “أبيات بغدادية” وكذلك  داليته”بائع  السُّبُح “التي نظمها على بحر الكامل وتارة نراه يتغنى ببحر الرمل في قصيدته”موت العشق والعاشق”كما أبحرُ شاعرنا الجلالي في علم الفونولوجيا والمفردات ليبني موسيقياً جملته الشعرية بخلق التوافق الفونولوجي بين الحرف والصوت والمفردة الشعرية استمع لهذا التوافق بين المعنى والموسيقا بتكراره للفظة القول”قال،وقلْ،وقلتُ”

قال صُغْ  عزفاً بالجمال يُغني

قلتُ يا بيّضي أنا إرثُ عصرٍ

قلْ شعوراً

هكذا جعل بداية ونهايةحصرتْ بينهما معنى متكاملاً وكأنّي بالشاعر يُسخر الموسيقا بإشارة من أصبع قلمه بتكرار أصوات تنسجم موسيقياً والمعنى

*البيئة الشعرية للشاعر :

البئية هي البوتقة التي تتوالد فيهاإبداعات وإرهاصات الشاعر وتعطي صورة واضحة ومباشرة فنرىشاعرنا

 الجلالي رثى المجاهدين أمثال الأمير عبدالقادر الجزائري

هَـذَا أَمِيرُ الْفَضْلِ عَبْدُ الْقَادِرِ *** هَـذَا وِسَامُ الدَّهْرِ نَجْلُ جَزَائِرِي

قَالَتْ لَهُ الْأَزْمَانُ : أنْتَ أمِيرُنَا *** يَا فَارِسَ الْمَيْدَانِ رَمْزَ الثَّائِرِ

اَلْكَوْنُ يَعْرِفُ مَنْ تَكُونُ أَسَيِّدِي *** وَاللهُ قَدْ سَمَّاكَ عَبْدَ الْقَادِرِ

لَكَ رَحْمَةُ الرَّحْمَـنِ فِي فِرْدَوْسِهِ *** وَلَهُمْ نَتَانَةُ خِسَّةِ الْمُتَآمِرِ

وفي رثائه المجاهد العظيم ابن باديس يقول:

يَا ابْنَ بَاديسَ : قمْ فأنْتَ الرّجاءُ ** إنَنا قوْمٌ قادَهُمْ سُفهــــــاءُ
يا ابْنَ باديسَ : ما تموتُ الْأماني ** إنّها مِنْك مَبْدأٌ ووفــــاءُ

قاوِمُوا، إنّما الْمُقـاوِمُ رمْزٌ ** كَابْنِ باديسَ في سناهُ الشفــاءُ.

كما نراه يرثي كبار الشعراء ونراه حيناً آخريُودّع شهداء الجزائر بحرفه الوجداني السامي النبيل وإنسانيته الكبيرة …كما أنه يخرج من إطار الطابع الحزين للحياة ليلونها بالأفراح لكي يعيد للحياة توازنها في شعره ،فلم يستبعد لحظات الوهن والفشل والإنكسار من على مسرح الحياة بل نراه يرتمي في أحضان الأفراح وينسينا واقع الحياة المؤلمة فقد رأى الحياة بواقعية وحافظ على اتزان ميزان الحياة .

تلك هي البيئة الشعرية للشاعربومدين الجلالي صاحب الرسالة الإنسانية بيئته الوطن وهموم شعبه .

خامساً الخلفية الأخلاقية للشاعر:

 شاعر ملتزمٌ بثوابته الوطنية والدينية كما أنه ملتزمٌ أخلاقياًينضوي تحت خيمة الالتزام الأخلاقي

سادساً:خاتمة واعتذار

أتمنى أن أكون مخلصة وموضوعية بدراستي هذه فقد بذلتُ قصارى جهدي مُحاولةً الإلمام والإحاطة بجميع جوانب الديوان بما يستحقه من دراسة وقراءة نقدية ،فأي عمل من الصعوبة أن يكون كاملاً فالكمال لله وحده جلّ شأنه

تحياااااتي واعتذاري للشاعر الجزائري المبدع بومدين الجلالي

سمر الديك سورية/فرنسا

About The Author

Previous post

الحلقة الرابعة عشرة من ( ناقد وكاتب ) عن الديوان الشعري (أناشيد الجراح والأفراح ) للشاعر الجزائري الدكتور بومدين جلالي

Next post

الحلقة الخامسة عشرة من (ناقد وكاتب) عبر منصة (ثقافة إنشانية) الجناح الثقافي المحكم ل(منتدى ثورة قلم لبناء إنسان أفضل) وذلك عن رواية (العرافة ذات المنقار الأسود) للكاتب الروائي القدير( الدكتور محمد اقبال حرب) يشترك في القراءات النقدية أعضاء (غرفة النقد الأدبي لمنصة ثقافة انسانية) كلٌّ من :

Contact