×

انتفاضة تشرين //بقلم:الكاتب مازن الحمداني//العراق

انتفاضة تشرين //بقلم:الكاتب مازن الحمداني//العراق

انتفاضة تشرين //قصة قصيرة

انتفاضة تشرين أفق يا عراق من سباتك العميق، فهؤلاء الشباب يرفعون علمك عالياً، ويتلقون بالصدور العارية الرصاص، وصرخاتهم هزت عروش الظالمين، وأقضَّت مضاجعهم، نريد وطن…، كلمة اختصرت كل المآسي، والآهات، وتوحدت بالدم كل الطوائف، والأديان.يأكلون الغداء محمد وعلي مع أمهما، وتسكب الشاي لهما في الأقداح الصغيرة، ويجلسون يتسامرون، وهم يشربون الشاي، ويمزح علي مع أمه، ويضحكون، ولكن قلب الأم يعتصر لا تعلم سبب هذا الألم، وهي تنظر لولديها وكأن أمراً سيحدث، ولكنها لا تعلم ما هو، وبعد إن شربوا الشاي، قاما ليخرجا فتعلقت بهما ماما لا تخرجا، قلبي غير مطمئن لخروجكما، إلى أين تريدان الذهاب؟نظر أحدهما للأخر باستغراب، وضحك علي قائلاً: ماما العراق عطشان ويريدني إن أسقي ظمأهُ.- ماما علي والله، أنا لا أمزح معك، لستُ مطمئنة لخروجكما هذا اليوم.- صل على محمد يا ماما واستعيذي بالله من الشيطان، أنا على موعد مع أصدقائي.- آه ه ه، وأمسكت صدرها عندما أرادا الخروج.- عادا قائلين لها: هل أنت مريضة؟ هل تشكين من شيء؟لما رأت اضطرابهما وقلقهما عليها ابتسمت بوجههما قائلة: أنتما تعلمان أنكما نور عيني وعندما تخرجان لا أبصر بهما حتى تعودا.- أذهبا في أمان الله تعالى.- عندنا مباراة مع فريق فاسد جداً، ونريد دعوة أم مستجابة بالفوز اليوم عليهم.- الله ينصركم عليهم، وترجعون سالمين غانمين بإذن الله.- قبل علي رأسها وخرج ثم محمد قبل يدها ولحق بأخيه.ذهبا لساحة التحرير وهناك التقيا بأصدقائهما وكان بينهم سجاد وعمر وبكر وحسين وعثمان وسركيس وكاو، يكونون برلماناً شعبياً جمع كل الطوائف والقوميات، شباب وشابات يجمعهم حب الوطن.في الساعة الرابعة من يوم الثلاثاء المصادف الأول من تشرين الأول عام ألفان وتسعة عشر، انطلقت الشرارة الأولى لانتفاضة تشرين، وأجمل ما فيها إنها لا يقودها سياسي فاسد، ولا حزب فاسد، حتى يشترى ضميره من خلال عقد صفقة معه، وهذا التوحد ونبذ الطائفية، أشعر الحكومة والسياسيين بالقلق، بمختلف مشاربهم لأنها سلبت منهم كل أوراقهم المحترقة، وأسطواناتهم المشروخة، لهذا كان قرارهم بقمع التظاهرات، والتعامل معها بقسوة غير متناهية، وترى نباح كلابهم المأجورة في قنواتهم التي ينفق عليها من السحت الحرام، تأخذ منحى كيل التهم للثوار، وشيطنتهم.وعندما وجدت السلطة حجم التظاهرة، والشعارات التي تستهدف أسس الفساد والعمالة للأجنبي، وأدانت رهن إرادة البلاد لإرادة دول الجوار، كان الرد الحكومي بالرصاص على المتظاهرين السلميين العزل إلا من علم العراق، والصدور العارية، والإيمان بعدالة القضية، فأصابت رصاصة غادرة صدر علي فوقع مضرجاً بدمه، فجاء محمد أخوه يركض ليحضنه باكياً، فيمسح علي دموعه وهو يبتسم، أخي لا تبكي أرضنا عطشى تحتاج من يسقيها، والنار التي ستحرق عروش الظالمين تحتاج وقود، وهذا يا أخي وقودها، حمله الشباب مع محمد وركضوا به نحو الإسعاف، وعند الإسعاف قال: قفوا أخي محمد عندي وصية.- أخي بالإسعاف قل ما تشاء.- حبيبي أنا رأيت ليلة أمس أبي في المنام وقال: بني مشتاق لك.أجهش محمد بالبكاء وبكى معه الشباب، واستعرت نار الغضب في نفوس الشباب الثائر، أصعدوه للإسعاف وصعد معه أخوه.- أخي وصيتي العراق لا تخذله، وأمي الحنونة قبل يديها نيابة عني.وفارقت روحه الطاهرة جسده، وتلألأ وجهه نوراً يشعُ، وابتسامة ساخرة من القتلة، إن الدم سينتصر على السلاح، والسلام سينتصر على العنف.أتصل محمد من المستشفى بخاله وأبناء أعمامه، ليحضروا ومعهم تابوتاً وعلماً كبيراً للعراق، لأخيه الصغير في العمر سبعة عشر عاماً، وكبير في حبه للوطن الغالي، ووعيه وتضحيته.جاؤوا ورؤوسهم تلامس السماء فخراً بالشهيد، وفراقه يدمي قلوبهم المكلومة، وعيونهم تمطر حناناً، الخال قال: بني محمد لا تذهب للمظاهرة، يكفي إن أخاك أصبح شهيداً، وأمك ليس لديها غيرك.- خالي ووصية علي بالعراق أين أذهب بها.- أنا أذهب للمظاهرة وإن كنت عجوزاً، لئلا يبقى مكانك فارغاً.- لا خالي لن أخون الوصية.- أولاد أعمامه قالوا: نحن نذهب جميعاً للمظاهرة، وأنت ظل لأمك الوحيدة.- شكرهم جميعاً، ولكن أنا بعد مجلس الفاتحة سأكون أول المتظاهرين.استسلموا أمام إرادته وعزيمته، وقالوا: سنذهب معاً للمظاهرة.عادوا للبيت ومعهم علي بالتابوت بعد أن غسلوه في المسجد وصلوا صلاة الميت عليه، ووقفوا أمام باب الدار، وطرقوا الباب، ففتحت أمه الباب، ورأت تابوتاً وقد أتشح بعلم العراق، ورأت أخاها يبكي، وابنها محمد يشيح بوجهه عنها خجلاً ويبكي، جمعت شتات روحها المبعثرة، وقلبها الممزق، واستعادت رباطة جأشها قائلة: من هذا العريس الذي معكم؟- ماما هذا أخي علي.أطلقت زغاريدها، ودموعها كأنهما دجلة والفرات على خديها، أردت لك عروساً من الدنيا! والله أراد لك عروساً من حور العين، مبارك يا ابني عرسك يا صنديد.- ماما محمد أريد شمعتين فقط نشعل واحدة ونترك الأخرى، وورداً أحمر أنا ألقيه على رؤوس الحاضرين لزفاف ولدي علي!فكان تشييع الشهيد علي حاشداً، كأنه عرس اختلطت فيه الزغاريد بالدموع.

About The Author

Contact