×

بقلم الناقدة سهيلة حماد دراسة نقدية بعنوان:”حتى الجينات، لا تجدي نفعا في إعادة إنتاج إنسان في نسخته الأصليّة…”في القصّة القصيرة جدا (كهلٌ) للقاصّة التونسية لين لشعل.

بقلم الناقدة سهيلة حماد دراسة نقدية بعنوان:”حتى الجينات، لا تجدي نفعا في إعادة إنتاج إنسان في نسخته الأصليّة…”في القصّة القصيرة جدا (كهلٌ) للقاصّة التونسية لين لشعل.

في القصّة القصيرة جدا كهلٌ للقاصّة التونسية  لين لشعل.

دراسة نقدية  بعنوان:”حتى الجينات، لا تجدي نفعا في إعادة إنتاج إنسان في نسخته الأصليّة…”

في القصّة القصيرة جدا ( كهلٌ ) للقاصّة التونسية  لين لشعل.

============

==============

(ققج)

  كهلٌ

مَحتِ الشَّظيَّةُ ذاكرتَه…

خَوى جوفُه؛ قُدَّ قميصُ إنسانيّتِه.

أسعَفَه الشّارعُ بالحكمةِ.

سألْتُه عن عمرِه…

 -أنا منِ التهمتِ الأَرَضَةُ صحيفةَ طفولتِه.

    لين الأشعل/تونس

=========

==============

العتبات:

العنوان : (كهلٌ)، أيقونة دلاليّة تفيد النّضج والخبرة والاتزان. من خلال المتوفّر، يبدو أنّنا أمام تجربة إنسانيّة، لذات لها من النّضج، بما استحقت أن تكون هاته الصّفة عنوانا للقصّة القصيرة جدا موضوع مبحثنا هذا .

الاستهلال:

(قفج)

(مَحتْ الشَّظيَّةُ ذاكرتَه…)

صورة مجازيّة، استعاريّة تحقّق البلاغة البيانيّة وتدفع بنا نحو عالم الرّمز، والدّلالة، فمن منظور (Lehman/Martin في كتابه( Introduction   à lalexicologie p56  كما أورده الأستاذ (الحبيب النّصراوي) في متنه (التّعريف القاموسي ّ بنيته الشّكليّة وعلاقته الدّلاليّة) في طبعته الثّانية  الصّفحة 79 “إنّ  التّرادف لا يؤخذ باعتباره واقعا مسلّما به، بل ينبغي أن يُعالج وفق منهج التّحليل التّوزيعي. ويتمثّل في تدقيق الظّروف الممكنة لكلّ وحدة معجميّة من ناحية التّركيب والدّلالة ، وهذا يعني أن نأخذ الخطاب بعين الاعتبار ” إضافة إلى ما تحدثه في نفس المتلقّي، من متعة البحث وتوليد المعاني من خلال الأبيض والأسود، والتّلال والهضاب في المحبّر، والظّلال انعكاسا على المتشظّي،  إذ يمكننا أن نؤلّف عالما من الاحتمالات الممكنة، من الجمل، ذات الدّلالة التي  يمكن  تأويلها، وهذا ما يفتح المجال أمام الرّائي، على عالم من الإبداع انطلاقا من التّراكمات الثّقافيّة، التي نشأت لديه، خلال مسيرته الحياتيّة، حسب قراءاته الحينيّة، وخبراته وتجاربه ومعارفه، وقدرته على الاستعاب والتّحليل، أخذا بالاعتبار لحالته النّفسيّة، وما أحدثه النّص لديه من انفعالات واختلاجات وشعور،  فالاستهلال بدا رأس قاطرة،

يمتلك من القوّة ما استولى به على المتلقّي فأرّقه، وأقلقه، وأزّمه، وشاغبه، محدثا لديه عدّة تساؤلات،  ودعاه من خلال التّشظي إلى المشاركة بعد أن أحدت لديه اختلاجا ومشاعر مختلفة وانفعالات…تفاوتت درجاتها من قارىء إلى  آخر. وبربطه مع العنوان، نتبيّن خسارة، وتلف عمارة ومعمار ومكتبة، تعدّ ذاكرة ومخزونا إنسانيّا ثمينا، وتراثا لا يمكن تعويضها، باعتبار أنّ النّسخ والاستنساخ، لا تنجح بأيّ حال من الأحوال، والنّسخة لا يمكن أن تلعب دور الأصل؛  فكلّ كائن هو عالم بذاته، وحتى الجينات، لا تجدي نفعا في إعادة إنتاج إنسان في  نسخته الأصليّة، لأنّنا نخضع لمؤثّرات خارجيّة، ونفسيّة، وعاطفيّة، تشكّلنا وتنحت ملامحنا، في الزّمان والمكان، والفضاء والتّفضيّة، متجاوزة الثّنائيّات الضّدّيّة… فبمجرّد الموت يشطب من سجلّات الحالة المدنيّة، ويصبح يحسب على الأموات …

القفلة:

 “أنا منْ التهمتْ الإرْضَةُ صحيفةَ طفولتِه.”

 جاءت لتؤكّد أنّ الذّاكرة تمّت إبادتها بالكامل، فلا أثر بقي، ولا  آثار، ولا هويّة،  ولا عنوان،  ولا عائل، ولا ولد، ولا أنيس، يذكره بعد موته، بات نسيا منسيّا، لا يَذكَّر ولا يتَذكّره أحد،  ولا تأريخ، غير الشّارع مدرسة كبرى، فيما يبدو، حتى دفتر ولادته طالته النّيران  والسّواد ، والتهم ما تبقّى منه الرّماد…طُويت  صُحف حياته… منذ طفولته قضى حياته ميّتا إلى أن سحقته شظيّة فتشظّت بقاياه، تأرجح بين الموت والحياة كأنّه إلى الموت أقرب، فلمّا طالته الشّظيّة أراحته من  كهولة لم ينل منها سوى الشّيب منذ طفولته..

  منذ طفولته  التهمت الإرْضَةُ صحيفته،  فهل حافظ على  صحيفة بعثه؟.. وهل سيعرض للحساب وصحيفته الأصليّة التهمتها الإرضَة؟.

جوهر الموضوع:

بقيّة النّص، كان عبارة عن لوحة سرياليّة لإنسان منزوع الرّوح خاوي الجوف، لاحضن،  لا مأوى، و لا وطن ولاهويّة ولا تاريخ كأنّه  لا ينتمي لحضارة… قُدّ قميص إنسانيّته  من دُبر قهرا  وغدرا..

“خَوى جوفُه؛ قُدَّ قميصُ إنسانيّتِه.

أسعَفَه الشّارعُ بالحكمةِ.

سألْتُه عن عمرِه…”

ذكّرتني الواقعة بما ذكرته حياة الرّايس الكاتبة التّونسية،  في الفصل (جبرا المقدسي البغدادي)، في روايتها (بغداد وقد انتصف اللّيل فيها..).حيث  تحدّثت فيها عن الأشياء النّادرة، التي نقلها معه (جبرا إبراهيم جبرا) الأديب المغترب، من( بيت لحم) إلى (شارع الأميرات) ب(حي المنصور الرّاقي ببغداد) حيث كان يقطن… تلك الأشياء كانت (ذاكرته) تمثّل فسيفساء من ذاكرة موطنه … (لوحات رسمها على شرائح من خشب الزّيتون أو الورق) تذكّره بمعلّمه الذي علّمه كيف يمزج الألوان ويخلطها،  وقد كانت مذهلة على حدّ رأي الكاتبة، ذلك أنّها لم تكن مجرّد لوحات، بل كانت حسب تقديري،  تمثّل الوطن، والموطن، ومسقط الرّأس، والهويّة، والكينونة، والوجود، والكيان، لمهجّر، مشكّلة في بيته (ما يشبه المحراب، لمعبد من المعابد القديمة)، كما ورد في الصّفحة 195، لما يحيط بها من هالة تدعو للرّهبة والخشوع، من فرط الإبداع الفنّي، وكانت من ضمنها لوحة  ذات بعد إنساني، و رمز ودلالة خاصّة مشخّصة ، أطلق عليها اسم (سدير والحصان) وهي لوحة معبّرة  لها من العمق، والخيال، والإبداع،  والحبّ، والارتباط، بالذّاكرة، وبامتداد  الإنسان، بالأمل والتّفاؤل،  ما يجعلها  كتلة حيّة مشحونة بمشاعر، وعواطف جيّاشة، وألوان معبّرة، خارقة تجسّد ابنه البكر  (سدير) كما تخيّل ملامحه عندما يصبح شابا في العشرين من عمره.. مُستبقا الزّمن، مستبصرا من ثقب المستقبل صورته…

غيرأنّ يد الغدر طالتها  سنة 2010، على أثر غارة غادرة، دكّت البيت دكّا، فدمّرته تدميرا، وبذلك  أُُسدل السّتار على ، تجربة وثقافة تنتمي لحضارة، تكتنز مخزونا إبداعيّا، وعلى  ذاكرة وتاريخ  وبقايا (بيت لحم) كما أعاد تشكيلها وتركيبها في بيته في غربته… تاركة  خواء وفراغا وآهات..  محدثة غربة مضاعفة، عميقة، بعد أن سخر منه القدر  واعتقد خطأ أنّه نفذ من الخطر  وأنقذها من الغارات الإسرائلية هناك فإذا به يخيب أمله…

النّص كما أنتجته الكاتبة لين لشعل لم يحدّد المكان،  ولا الزّمان، ولا اسم الذّات، ولا حتى مصدر الشّظيّة، ولا سببها، إن  كانت نتيجة انفجار، أو غارة  جويّة، زمن حرب،  أم لحرب أهليّة، أم نتيجة لغم، أو انفجار أنبوب غاز… أيّ كان وحيث ما كان هذا الإنسان، هو صورة لانعكاس ذات مكلومة، مقهورة، مهزومة، سُلبت حقّها في أن تعيش حياتها، كما ينبغي لها ، وكما تشتهي، تمارس الفعل، وحقها في الاختيار، والتّفكير، بما يليق بتحقيق وجودها،  تفكّر في ذاتها وفي  وجودها لأجل إثبات  كينونتها وماهيتها وتأصيلا لكيانها و(للكوجيتو).

(أنا أفكر فأنا موجود…).

انبنى الق ق ج  على   وحدة الحدث، والحركة، والصّورة،  المتدفّقة، المنتجة لمشاهد، وازت بين السّريالية والواقعيّة المضمّخة بالخيال، جمح بها التّخييل نحو الرّمز والإيحاء  والإيجاز، عبر الحذف والتّكثيف، وحسن انتقاء العبارة، والإيحاء، بالانزياح  .. فاتسعت الرّؤيا حيث ضاقت العبارة فانفتح باب التّأويل على مصراعيه، بالاستدلال عبر الدّال والمدلول في الملفوظ. وفي المضمر بدا التّشظي يدعو القارئ إلى الفعل بالدّخول إلى حلبة الميدان لتفعيل رصيده… بما يمكن أن ينتج نصّا، ما أحدث إيقاعا خاصّا بالإحساس بالزّمن خارج الزّمن، وفي اللّامكان غير  المعرّف فبدا النّص كونيّا جامعا لكلّ مكلوم،مهزوم، مغدور،  من المهد إلى اللّحد…

أمّا عن الحبكة، فكانت منطقيّة مقنعة، قادتنا نحو الإدهاش… فيما كان  الأسلوب سلسا، بسيطا عميقا، رشيقا، شاعريّا، واعيا، محكم  البناء، والتّأليف والتّوليف، متناسقا متّسقا، منسجما مع روح النّص ، نسيجه متماسك لم يفلت فتل حكائيّته من القاصّة….

             سيهيلة بن حسين حرم حماد

          الزّهراء /تونس في 03/02/2021

About The Author

Contact