×

   دائما يٓعْلُو… //قصة قصيرة بقلم: الكاتبة لين الأشعل من تونس

   دائما يٓعْلُو… //قصة قصيرة بقلم: الكاتبة لين الأشعل من تونس

قصة قصيرة بقلم:

الكاتبة لين الأشعل من تونس

                 دائما يٓعْلُو...

     كان كلُّ شيء في الحديقة ينتظر وصولٓه، الطّيورُ تغرّد، الأشجار تميل وتنحني  والنّدى توقّفت دموعُه منذ الفجر..

شقّت السّيارة الفاخرة  الحديقة، عبر الممشى المخصّص للسّيارات، وصولا إلى الباب الدّاخلي للسّرايا. أوقف السائق المحرّك، و نزل لفتح الباب الخلفي؛ شابّ أشقر، وجهه غير مألوف يغادرها، أخذت عيناه الزّرقاوان تسافر عبر الوجوه السّمر التي تسارعت لاستقباله بابتسامة، وطوّقته بنظرات استكشافيّة..

    تسمّر الشّابّ ساهر كشجرة، وأخذت تنغرزُ في وجوههم نظراته المتسائلة، اللاّئمة، الحائرة، فتغيّر التعبيرُ على وجناتهم وقفز إلى ذاكرتهم ذاك الموقف…مرّت عليه أكثر من عقدين  و نصف،

ٱنذاك كان عمر ساهر احدى عشر سنة، لا يعرف من الدّنيا سوى اللّعب مع الشيخ عبد الله، الذي كان يغدقه عطفا وحنانا، قبل أن يلزم الفراش بسبب المرض…في تلك الليلة، تسلّل الصبّيّ إلى غرفة الشّيخ، في غفلة من سكّان السّرايا، وقبل أن يمسك يده ، رٱه يلفظ من حنجرته حشرجة، ثمً تلاشت أنفاسه، وٱبيضّ كامل جسمه.

 عند صرخة الممرضّة الملازمة للشيخ أحسّ الصّبيّ بيدٍ تُخرجه من الحجرة…هذا ٱخر مشهد في السرايا بقي عالقا بذاكرته، إثره أُخرج

عنوة منها. وأُبعد عن المدينة…

   خطوةٌ  ثقيلة، من خلفه، و صوت هزيل ينتشله من ذكرى الماضي ليعيده إلى حاضر  الأحداث :

  -ساهر!  مرحبا بك يا ابني في دارك بين أهلك. تعالى نجلس في الصالون.

فتح العمّ تقيّ الحوار بقوله:

  -هؤلاء هم أبناء عمّك،  بعد وفاة  والدك، أخي الشيخ عبد الله، طردتكما زوجته الأولى العقيم أنت و أمّك من السّرايا ، ريثما علمتُ بالأمر بحثت عنكما مطوّلا،  لكنّي لم أجد لكما أثرا…تلك الماكرة استعملت كل الوسائل حتى غير المشروعة لإبعادكما عن المدينة بسبب أنانيّتها و جشعها و خوفها منكما.. انقطعت أخباركما رغم جهدي  المهدور في التفتيش عنكما و بقي كلّ شيء هنا على حاله.

وبعد كلّ هذه السنين، اهتديت  بمشيئة الله، و بمعونة صديق قديم إلى عنوان شركتك خارج البلاد، كما علمت ببالغ الأسى خبر  وفاة ماراغريت ، رحم الله والدتك الطيبة!

بابُني..،

 طلبت حضورك لأريح ضميري حتى تعلو كلمةُ الحقّ…

ثمّ ناوله ظرفا كان قد عثر عليه ضمن أمتعة الزوجة الأولى للشيخ عبد الله بعد وفاتها .

أخرج ساهر  الوصيّة من الظرف، و لم يٓتوان  عن قراءتها بصوت يسمعه الجميع، حيث كان فحواها:

 -البند الأول: السرايا و الضيعة من نصيب ساهر و والدته.

 -البند الثاني: البيت الصغير هو هبة مني لأخي تقيّ.

 -البند الثالث: المال الموجود في البنك يقسم مناصفة بين ساهر و زوجتي الأولى.

   انتهى ساهر من تناول القهوة ومن قراءة الوصيّةِ، ولازالت عيون سُكّان السّرايا تحدّق في وجهه الحائر،  وكأنّهم يحاولون التعرف عليه من جديد، إذ أنّ سنوات البعد سرقت  ملامحٓه من أعينِهم وعاد إليهم بوجه غير معهود؛ في هذه الأثناء، كان هو يُلملم بعضا من شتات عقله، محاولا التخلّص من شعور الغربة الذي انتابه و  سبقه  للمكان الذي ولد فيه لكنّ المكان ذاته  بدا جديدا  عليه..

أليس هو عائدا  من غربة جغرافية ،متوغّل في غربة وجوديّة..؟

لين الأشعل/تونس

About The Author

Contact