×

دراسة نقدية: التّوسل بالتّراث الشّعبي من أجل إيجاد واقع آخر في القصّة القصيرة “لولا (أمُّ الحبوكرِ) لكُنَّا بخيرٍ، منذُ زماااااان…” بقلم د.مديح الصادق… من كندا.

دراسة نقدية: التّوسل بالتّراث الشّعبي من أجل إيجاد واقع آخر في القصّة القصيرة “لولا (أمُّ الحبوكرِ) لكُنَّا بخيرٍ، منذُ زماااااان…” بقلم د.مديح الصادق… من كندا.

دراسة نقدية: التّوسل بالتّراث الشّعبي من أجل إيجاد واقع آخر في القصّة القصيرة “لولا (أمُّ الحبوكرِ)* لكُنَّا بخيرٍ، منذُ زماااااان…” بقلم د. مديح الصادق… من كندا.

الدراسة بقلم سهيلة بن حسين حرم حمَّاد… من تونس.

قصّة استجابت لكلّ مقوّمات القصّة القصيرة الحبكة، التشويق، النسيج والبناء، مقاربة في شكل دعوة لإعادة التّأمّل في كلّ موروث، حتى لا يصير معوّقا، لكينونة الوجود الفعّال، كيلا يتحوّل كأمّ الحبوكر عائقا، يحول دون تقدّم العرب من الأمس إلى اليوم، بطلة وهميّة استنجد بها الأديب من التّراث الشّعبي، تلك التي صيّرها التّواكل شبحا جاثما على الصّدور، مُغلّا قاهرا قهّارا، استسلم لها البشر، أقصد كلّ خسيس جاحد لجنسه ، متمسّح على أعتاب السّلطان، مفتون بكلّ مسؤول حتى لدى الشّيطان ، في سبيل الحصول على لقمة جاهزة، وإنْ كانت مسمومة، تكون آخر لقمة في حياته… لهفة سكنت النّفوس المريضة، المهيّأة بتركيبتها المسبقة- الوارثة للعناصر السّالبة لحياة الذّوات الحرّة، المقهورة بإرادتها، تلك التّي عشّشت فيها ذيول الخيبات المتوالية والهزيمة المتكرّرة، والثّورة غير المدروسة، غير المدعومة بفكر نابع من البيئة، منذ سنوات طويلة ، قليلة الهمّة، الرّخيصة، سهلة الانقياد لغياب الحكمة بوصلة الضّمير، التي استفردت بها، أمّ الحبوكر، تلك التي فجّر من نبع فيض أسطورتها الرّهيبة ، الأديب مديح صادق، حدثا تدفّقت منه أحداث، صاغها في شكل نسخة مضروبة، متكرّرة توالت عبر عصور لدفع قاطرة القصّة هاته، وغيرها من الأنباء المتفجّرة في ذهن المتلقّي ، يقود الجميع نحو مغزى وعبرة تذكّرنا بالقصص القرآني، وبالمقامة في مقام غير المقام، منبّها من نسخة من نسخ التّقليد الفاشل، لمدافعين عن الإسلام، والإسلام منهم براء، نقصد تلك الشّرذمة من البشر الأشرار ، التي أطلقت على نفسها اسم (الدّواعش)، لما هو في الحقيقة نسخة من شياطين الإنس الممسوخين، مصّاصي الدماء ، لمن فقدوا الضّمائر، أولئك الّذين زعزعوا صورة المسلم المسالم، وغرسوا مكانها فواجع، منبتّين عن الإنسانيّة بسنوات ضوئيّة…عقولهم قنابل متفجّرة… بيد فجرة تتحكّم في أفعالهم كأبالسة من بعيد، كما يشتهي قائدهم المنبوذ، يقتّلون ويعذّبون البشر، يكفِّرون هذا وذاك، كأوصياء على العباد… ككلاب شربوا حبوب هلوسة، نصّبهم خليفة الثّعالب والذّئاب، مصّاصو دماء بمرتبة عابثين، عبثِيون جُهِّزوا بأحدث الوسائل اللّوجستيكيّة، ما يؤكّد أنّهم أتباعٌ تابعون خونة، مندسّون، مرتزقة مارقون، قُذف بهم في (الهنا والهناك)، في المشرق والمغرب، تهجّر، تفجّر، تفرّق، وتنفّر من الإسلام؛ بفضل خطّة جهنّمية تغرس الحقد، والغلّ، والشرّ، وتشلّ كلّ تفكير متحضّر، رصين، يباهي بالمسلم والعربي؛ ويحصره في لحية وجلباب وفسقيّة دماء….

قصّة في مجملها لها طابع كونيّ، غير مرتبطة بزمان ولا بمكان، ولا بشخوص معيّنين، تهدف إلى جعل القارئ يتساءل: هل يمكن أن أكون أنا أحد الأبطال ممّن يتهافتون من أجل أن يكونوا من حاشيّة السّلطان؟

حتى يتأمّل صورته ويقوم بتعديل سلوكه قبل فوات الأوان.

يقول الدّكتور عبد الرّحمن منيف: “نحن الذين خلقنا الجلّادين، ونحن الّذين سمحنا لهم بتعذيبنا، من خلال تساهلنا وتنازلنا عن حقوقنا، ومن خلال استسلامنا لمجموعة من الأصنام والأوهام؛ ثم لمّا أصبحنا الضّحايا لم نعد نعرف كيف نتعامل مع هذه الحالة”. منقول من رواية (بغداد وقد انتصف اللّيل فيها) للرّوائيّة التّونسيّة (حياة الرّايس).ص 201

مفهوم يؤازره طَرح (ألبار كامو) في روايته (كاليجولا) القيصر السّفّاح، الذي عبث برعيّته، وأذاقهم ألوانا من العذاب: سخِرَ، تسلّطَ، تجبّرَ، تكبّرَ، استبدَّ، مارس عليهم كلّ أنواع التّعذيب، والقهر؛ لعدم وجود قانون رادع يقاضيه، يكبح جماح جنونه، يردعه ويحاسبه، عندما يخلّ بقوانين مضبوطة مُسبقة، تحفظ للرّاعي وللرّعية حقوقهم وواجباتهم. لم يسلم في الرّواية أقرب المقرّبين، من أصدقاء وشعراء، حتّى عشيقته التي أقدم على قتلها بكلّ برودة أعصاب؛ بعد أن توهّمت أنّها ضمنت الأمان بوصولها مخدعه.

لقد حذّر الأديب المصري سعيد عثمان، العامّة في روايته (سوق الصّفافير) الصادرة عام 2019؛ من عدم الذّوبان والانحلال في شخصيّة السّلطان، مخافة الانصهار إلى حدّ قد يحوّله إلى شخص مسلوب الإرادة، والتّفكير بحيث يصبح (مسخا هجينا، يرى ما يراه السّلطان، يسمع بآذانه ويتكلّم بأبواقه ويسوّق فكره، ويمكّنه من كلّ أدواته)؛ من أجل تبرير كلّ أفعاله وممارساته، فيعتاد ضربه وأغلاله. أنماط سلوك قد تنقلب عليهم وبالا، وتكون سببا في تحويل السّلطان الملاك إلى شيطان رجيم، “وقد وصل بالنّاس في تلك الفترة العصيّة من (التّاريخ) أن يكتموا خوفهم من المجهول أو يداروه، لكن لم يكن ليحقّ لهم أبدا إلّا أن يظهروا التّأييد والدّعم في العلن”. ص 99. سوق الصّفافير.

الأسلوب: جاء كعادته رصينا، رشيقا، فاتنا، مشاغبا، لذهن المتلقّي، لعمقه، فصيحا بليغا، مثيرا، محرّكا للمشهد، نافخا في الصّورة من روح رؤية، القاصّ الدكتور Madeeh Z. Sadiq زاده إتقان استعمال اللّفظ في موضعه، انسجاما مع الفكرة التي أحسن صبّها في أفضل قالب، يليق بالمعروض والمتوفّر من مادّة، بدون إفراط ولا تفريط، ولا جذب مفتعل، متسقا مع روح النّصّ، ومهجته، فأكساه حلّة بهية وأكسبه دلالا تسابق القرّاء في التعقيب والتّعليق عليه والتّحليل؛ حتى لا يفوّتوا على أنفسهم مأدبة أدبيّة تحتفي باللّغة في حضرة جنس سرديّ فرض نفسه في واقع عصر يشبهه، يمتاز بخاصيّة السّباق ضد الزمن، الذي لا يحتمل الترهّل بحكم نسق سرعة العصر وكثرة المعروض، وضيق الوقت للتوفيق بين هذا وذاك؛ إذ بالكاد يقتطع من الزّمن المسافر نحو الماضي بسرعة ماكوكيّة وقتا قليلا، محافظة على عادة القراءة في أيّ جنس من الكتابة، ساعة ترشّف قهوة للتلذّذ بما لذّ وطاب، بفاكهة نصّ شيّق يجمع بين الإمتاع والمؤانسة، كهذا النص الذي بين أيدينا، الذي وجدنا فيه حبكة وتشويقا، هلالي الشكل…

سهيلة بن حسين حرم حماد

سوسة تونس في 24/01/2021

===========

القصة القصيرة بعنوان: لولا (أمُّ الحبوكرِ)* لكُنَّا بخيرٍ، منذُ زماااااان… بقلم مديح الصادق… من كندا.

العبيد في الكون أنواع، اختلفت في أشكالها، واتفقت في جوهرها المبني على إلغاء الإرادة الإنسانية، وجعلها ملكا لمن استعبدها، سواء بفعل السيف، أم بمحض الإرادة، والأخير أحقر أنواع العبودية حين يعي الإنسان أنه قد تخلى عن شخصيته وكيانه وقراره لصالح طرف آخر، يُملي عليه ما يفكر به هو، ويوجه فعله، خيرا أم شرا، كيفما يشاء، وكلما كثر عدد العبيد، كلما كان كبيرا حجم الطغيان؛ إذ لا طغاة على الأرض مالم يكن هناك من يحني القامات، ولغير من يعبد يجيد الركوع، يتفنن بهز الأكتاف والرقص في حضرة السلطان، يجيد رصف الحروف كي يجعل إماماً من الكافر، وشيخا صالحا من الزنديق، وكريماً حاتمياً ممن من لحم ثيرانهم يُطعم المساكين، أحقرالعبيد من يعير أذنه لسيد جائر بها يتنصت على أهله والجيران، مع أنه يردد في المسجد أن الله بسابع جار أوصى، وأن خير الناس من نفع الناس، ولعل شر ما يفعل المرء أن بكامل وعيه يمد المعصمين كي بقيده يطوِّقه الجلاد.

(مشحوت) عبد مطيع من عبيد والي بغداد المخلصين، والولاة في كل زمان يتبعهم جوارٍ وعبيد، إما مملوكون بصكوك بيع وشراء، أو طالبو لقمة من فتات السلاطين، ومنهم من يتلذذ ببيع نفسه طوعا طمعاً فيما يراه جاهاً وهو سراب، ليس من مهمة (لمشحوت) سوى أن يسهر على راحة سيده، في الصحو والمنام، يعد له مائدة الطعام إذ يتفنن في تزيينها بما لذ وطاب، من الثمار والأرطاب، وعليها يرصف الكؤوس وما منه ينتشي الوالي من فاخر الشراب، وهذا يطربه نقر طبل، وهزُّ بطون الصبايا السبايا الراقصات، وإن أغدق بالعطاء وأدى الصدقات، وعلى جبينه الأسمر قد كوى ثلاث كيَّات.الوالي يغطّ بنوم عميق بعد ليلة حمراء، خيوط الفجر خجلى تبسمت، يتصبب العرق من كل جسمه مشحوت، وهو واقف قرب السرير بانتظار أن يصحو من نومه ويأمره بحاجة، يكاد ريقه يتيبس من شدة العطش، لم يسعفه لسانه في ترطيب بلعومه والشفتين، يقطع الغرفة جيئة وذهاباً، بصوت خفيض يردد مع نفسه (يا ليت سيدي يطلبُ ماءً، يا ليت سيدي يطلبُ ماءً) تحرك سيده وأدار وجهه نحوه، يا (مشحوت)، اجلب لي شربة ماء، لم يصدق ما سمع مشحوت، أطلق للريح ساقيه وأحضر زير الماء، اشرب يا هذا، لا، لا سيدي لا يجوز أن يعلو على سيده العبدُ، قلتُ لك اشرب وهذا مني أمر واجب وعليك التنفيذ، لم يصدق ما أُخبرت به أذناه، شرب الزير كله من شدة عطشه، رفع بالدعاء كفَّيه للسيد الذي بعد عطش قاتل سقاه.تعال، أيها العبد الكسول، لقد كاد أن بك يفتك العطش القاتل، والماء عنك بُعد بضع خطوات؛ فما الذي حال بينك وما يبعث فيك الحياة؟ والله ياسيدي، بكل صراحة، كلما أحاول التحرك من مكاني تمنعني (أم الحبوكر)، و(أم الحبوكر) تلك هاجس يحول بيني وما لي رغبة به، وإن كان لي فيه حياة؛ لكنني انتظرت أمرك الذي ما منه مناص، ومن هناك أقضي ما أريد.

استحضرتُ اليوم تلك القصة الطريفة التي لم أفقه وقتها أن المُحدِّثين بها في مجالسهم، ورغم بساطتهم كانت تورية فطرية؛ بل وعياً سياسياً مبكراً لم تسمح بإظهاره طبيعة أنظمة الحكم آنذاك؛ وقد تبادر إلى ذهني أكثرمن سؤال ونحن نعيش حرب الدواعش للدواعش، وحرب الدواعش أجمع لشعب على أمره مغلوب، مسكين، بين مطرقة الإرهاب المتوحش الخالي من أية ذرة من الشرف الإنساني، يسفك الدماء، بيوت الناس يهدم، وبيوت الدين؛ باسم الدين؛ وسندان سلطة فاسدة، ومن يسندها من الأحزاب، وميليشياتها، والنواب، كذلك باسم الدين؛ وملايين العبيد، أخوة (مشحوت) عُطاشى للحرية يلهثون، يلهثون؛ وخطوة واحدة نحوها لا يتقدَّمون؛ لأن (أم الحبوكر) تمنعهم، وهي لهم واقفة بالمرصاد…………………………………………

.* (أمّ الحبوكر)، باللهجة العراقية الشعبية: حالة تمنع الإنسان من القيام بعمل ينويه، رغم قناعته بفائدته.

About The Author

Contact