×

رأي كامل (ح 5) السلام على هدي القرآن /بقلم الشيخ كامل العريضي /لبنان

رأي كامل (ح 5) السلام على هدي القرآن /بقلم الشيخ كامل العريضي /لبنان

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام على هدي القرآن

بقلم الشيخ كامل العريضي

الحمدلله المسمى بالسلام وأزكى الصلاةِ وأتمُ التسليمِ على جميعِ أنبياءِ الله والمرسلين لاسيما محمدٌ  والمسيح،  وأقسم بالله أنهما لو التقيا لَما تحاربا أو تقاتلا أو أحرق أحدُهما كتاب الآخر، كيف لا؟ ونحن مَنْ تعرّفنا عليهما من خلال القرآن العظيم والانجيل المقدس. فالله سبحانه يقول: [ فمن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ]. وقال تعالى: [ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ]. وهذا السيد المسيح يعلم تلاميذه: “وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ” ويقول أيضا: ” “طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ”. نعم هكذا ارتسمت صورةُ كلٍّ منهما في عقولنا ووجداننا، وبهذه القيم والفضائل اللامتناهية، لا كما رسمها دعاةُ الفتنةِ والتعصبِ والقتلِ، سواء إنْ كان من خلال احتلالِ الدولِ بواسطة الحملات العسكريةِ المسماة زورا حملاتٍ مقدسةً وهي التي قتلت وعذبت وأحرقت باسم السيد المسيح وهي لا تمتُّ إليه عليه السلام بصلة. أو من خلال ما يسمى بهتانا بتنظيماتٍ إسلامية. وما فعلته من شق الصدورِ وقطعِ الرؤوسِ أبعدُ ما يكونُ عن أخلاقِ الإسلامِ وسمتِ رسولهِ الذي بُعث ليتممَ مكارمَ الاخلاق.

تعريف السلام: السلام في اللغة، هو اسم مُشتقّ من الفعل سَلِمَ، ويأتي بمعنى الأمان والنجاة.

هناك اتجاهان للنظر إلى مفهوم “السلام”.

1-      السلام- في أبسط تعريفاته- هو “غيابُ الخلاف، والعنف، والحرب،….”. ويرى الباحثون في مجالِ العلاقاتِ الدوليةِ أن السلامَ يعني غيابَ الحرب. وفي المجتمعات الإنسانيةِ يعني غيابَ كلِّ ما له علاقةٌ بالعنفِ، كالجرائمِ الكبرى المنظمةِ كالإرهاب، أو النزاعاتِ العرقيةِ أو الدينيةِ أو الطائفيةِ أو المناطقية.

2-      السلام هو “الاتفاقُ، أو الانسجامُ، والهدوء…”. وَفقَ هذا التعريفُ فإن السلامَ- عكسُ التعريفِ السابق- أي لا يعني غيابَ العنفِ بأشكاله كافةً، بل يعني صفاتٍ ايجابيةً مرغوبةً في ذاتِها مثلُ الحاجةِ للتوصلِ إلى اتفاقٍ، والرغبةِ في تحقيقِ الانسجامِ في العلاقاتِ بين البشرِ، أو سيادةِ حالةٍ من الهدوءِ في العلاقاتِ بين الجماعاتِ المختلفةِ… . السلام- إذن- هو حالةٌ إيجابيةٌ في ذاتها (الاستقرار والهدوء مثلا)، أكثرُ من كونِه غيابا لحالةٍ سلبيةٍ مرفوضة (العنف، الحرب، القتل مثلا). فهذا التعريف يفتح المجالَ أمام التفكيرِ في مستوياتٍ مختلفةٍ للتعاملِ معَ مفهومِ “السلام”. هناك سلامٌ بين دولٍ، وهناك سلامٌ بين جماعاتٍ بشرية، وسلامٌ داخلَ الأسرةِ، وسلامٌ بين المرءِ وذاتِه.

أما في القرآن الكريم فقد ورد لفظُ السلامِ بصيغ مختلفةٍ في أربعين ومائة موضع ( 140 )، ولهذا التكرارِ رسالةٌ إلهيةٌ واضحة، تشرح وبشكلٍ مباشرٍ وجلي عمقَ  السلامِ وأبعادَه في المنظومة الفكرية الأخلاقية الإسلامية.

فمن مرادفات السلام كما ورد في تعريفه سابقا “الأمن”، وهو ما تجلى في قوله تعالى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾. فمن أهمِّ ما أنعم الله تعالى به على الإنسان نعمةُ الأمنِ والأمان، ولولا الأمنُ والأمان لما استطاع الإنسانُ على مستوى الفردِ والمجتمع، أن يعيش حياةً سويَّةً، مُنتِجة.

ولإدراك أهميَّةِ قضيَّةِ الأمنِ المجتمعيِّ، فإنَّ العلماءَ ربطوا ما بين مستهدفاتِ الأمنِ المجتمعيِ ونتائجِهِ، وبين المقاصدِ الخمسةِ للشريعة. وهذه الضروراتُ الخمسُ هي: الحفاظُ على الدِّين، والحفاظُ على النفس أي: الحفاظُ على الإنسان، خليفةِ اللهِ سبحانه وتعالى في الأرض، والحفاظُ على العقلِ الإنساني، ثمَّ الحفاظُ على النّسل، فالحفاظُ على المال.

كما أنَّ هناك جانبًا اقتصاديًّا شديدَ الأهميَّةِ لقضيَّةِ الأمنِ المجتمعيِّ في الاسلام، فالكثيرُ من آيات القرآنِ الكريم والأحاديثِ النبويَّةِ الشريفة، تربط ما بين الرزقِ والأمنِ، وتجعل من الخوف رديفًا للجوع والعَوَزِ والفقر.

وإلى جانب آيات سُورة “قريش”- ﴿أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾- هناك آيةٌ وردت في سورة “النَّحل” تؤكد ذلك، يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.

ويقول الرسول الكريم “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” في حديثه: “مَن أصبح آمنًا في سِربِه معافًا في بدنه عنده قوتُ يومه فكأنما حُيِّزت له الدنيا بحذافيرها”.

اذا اهتم الدينُ الإسلامي كثيرا بالمسؤولية المجتمعيةِ على مستوى الفردِ والجماعة، وبيّنت تعاليمُه، أن الإنسانَ المستخلفَ في الأرض، مسؤولٌ عن عمارتها، وعليه تحملُ مسؤوليتِه تجاه البلادِ والعبادِ، مبينا أن المسؤوليةَ المجتمعيةَ سمةٌ حضاريةٌ تؤسس لبناء المجتمعِ الذي تكتمل فيه جميعُ العناصرِ الثقافيةِ والاجتماعية والاقتصادية والبيئية وغيرها.

وهذه المسؤوليةُ لا تتوقف عند حدِ المساهماتِ الماديةِ، إنما تتعداها إلى غرس روحِ المحبةِ والتسامحِ والإلفةِ والرحمة والتراحم، إنسانيا، وأخلاقيا، وقانونيا، في سياق الشفافيةِ والعدالةِ وضمان الحقوق لمجتمعٍ مستقرٍ ومتماسك ومتكافل، من خلال إرساءِ منظومةِ الحقوقِ والواجبات في شتى مجالات الحياة. عملا بقوله تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا).

وتأتي السيرةُ النبوية لتؤكدَ قيمةَ السلامِ في الدين، فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم صَالَحَ مسحيي نَجْرَانَ، وَأَقَامَهُمْ فِي شَطْرِ مَسْجِدِهِ يُؤَدُّونَ شَعَائِرَ دِينِهِمْ وَكَتَبَ لَهُمْ عَهْدًا وهو معروفٌ ومشهور.

وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهودِ الذين كانوا يسكنون المدينة، فبمجرد وصولِه إليها عقد معهم معاهدةً من اثنتينِ وخمسينَ مادةً، تعالج قضايا التكاملِ الاجتماعيِّ والاقتصادي والعلاقاتِ القانونيةَ بين جموعِ القبائلِ اليهوديةِ والعربية. وتلك المعاهداتُ جاءت امتثالا لقوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

وانطلاقا مما تقدم فإنّ على المؤسسات الدينيةِ الإضاءةَ على المفهومِ الصحيحِ للسلام ونشرَ ثقافةِ احترامِ الآخر، والدعوةَ الى سبيل اللهِ بالحكمة والموعظةِ الحسنة، وعدمَ تعميمِ ثقافةِ التعصبِ والإكراه لأنها مخالفةٌ لنهج الأديانِ السماوية وجوهرِها. فالله سبحانه وتعالى خاطب رسولَنا الكريم بقوله: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ… ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ فإذا كان صاحبُ الشريعةِ بمثابة مذكرٍ ويمنعُ الله عليه السيطرةَ بالإكراه على الناس، فمن يحقُّ له فعلُ عكسُ ذلك؟ ولم تنتهِ التوصيةُ الربانيةُ هنا بل قال ” ثم إن علينا حسابَهم” وهل أبينُ من هذه الأيةِ المباركةِ التي تؤكدُ أن حسابَ الناسِ على رب الناس؟ ثم نبدأ نحن الملطّخين بالآثامِ والذنوبِ والذين لا ندري إن كنا من أهلِ الجنة أم من أهل النار، بتكفير الناسِ وفرزِهم وتقسيمِهم وتوزيعِ شهاداتِ الايمان أو التكفير عليهم!!!

ملاحظة: كلمة ألقيتها بدعوة من جمعية حركةِ السلامِ الدائم ومنتدى إنماء غربِ عاليه،  في مؤتمر افتراضي تحت عنوان “دور الدين والمؤسسات الدينية في تعزيز السلام المجتمعي”.

About The Author

Contact