×

رأي كامل ( ح3 ) الترقي الروحي بين مقاربة صحيحة وأخرى خاطئة / بقلم الشيخ كامل العريضي / لبنان

رأي كامل ( ح3 ) الترقي الروحي بين مقاربة صحيحة وأخرى خاطئة / بقلم الشيخ كامل العريضي / لبنان

الترقي الروحي بين مقاربة صحيحة وأخرى خاطئة

بقلم الشيخ كامل العريضي / لبنان

يتميز الإنسان على أقرانه بما يكتسبه من فضائل ومكارم أخلاق، وكلما اعتنق منها ازدادت انسانيته وشعت محامده. وهذا ما تحث عليه الأديان السماوية كافة والكثير من الثقافات البشرية. إلا أن تطبيق هذه المكرمات تتفاوت بين إنسان  وآخر، وهذا يتوقف على همته وإرداته ومدى اقتناعه بها. ولعل الأكثر صعوبة عندما تتعارض فضيلة ما مع سلوك خاطئ للإنسان فهو أمام اختبار حقيقي مع ذاته. هل يختلق الأعذار ليخفف عليه من وطأة السلوك الخاطئ؟ أم يواجه واقعه بشجاعة وموضوعية وجرأة ويعمل على تطوير ذاته ومحاسبة نفسه بعد التوكل والاستعانة بالله سبحانه؟

إنها حرب مفتوحة، قد تتفاجأ عزيزي القارئ بمصطلح ” حرب مفتوحة” نعم إنها حرب بكل ما للكلمة من معنى، وما كل الحروب العسكرية التي سمعنا بها ونراها اليوم إلا انعكاس صغير لهذه الحرب القائمة في ذات الإنسان بين الخير والشر ، والنور والظلمة، والطاقة الايجابية والسلبية أو أي مصطلح آخر يمثل إله الخير وإله الشر كما في الحضارات والأساطير القديمة. ألم ينطوِ في جرمنا الصغير العالم الأكبر؟

وفي خضم هذه الحرب وهذا الصراع يتمظهر العديد من نقاط القوة ونقاط الضعف للنفس الإنسانية وما تلجأ إليه من وسائل، بعضها حميد والآخر ليس بمحمود. ومن بعض هذه الصور عندما نعترف أننا نرتكب خطأ ما ولكن للتخفيف من وقعه علينا نقارن هذا الخطأ بأخطاء كبيرة لأناس آخرين. فعلى سبيل المثال نقول: أنا أفقد أعصابي سريعا ولكن الحمدلله لا أخدع أحدا ولا أغش أحدا. أو أنا مدمن على التدخين ولكن أفضل من أولئك، مدمني الخمر أو المخدرات. والمشكلة الكبيرة تكمن في هذه المقارنة غير المنطقية، أن الإنسان يركن إلى هذه المعادلة المعكوسة ولا يجهد لتطوير قدراته وتنقية الآفات من نفسه وكأن ما يفعله أصبح صحيحا.

نعم تنقسم الفضائل كما الرذائل إلى درجات ومستويات، ولكل منها طاقتها الايجابية أو السلبية التي تتفاوت بحسب قوتها الخيِّرة أو الشريرة. ولكن من الظلم بمكان أن نقارن العمل السيئ بآخر أكثر سوءا، بل تكون المقارنة بالفعل الصحيح المضاد له. فيجب مقارنة الصدق بالكذب والسرقة بالأمانة وهكذا دواليك وهذا هو مفتاح طريق الترقي الروحي.

كما نلجأ أيضا إلى أخذ نماذج غير صالحة، لنبرر لحالنا أفعالنا غير المقبولة. مثلا: قد يكون المسؤول فاسدا، فأسمح لنفسي بالتعدي على المال العام بحجة أنّ ما قيمة إساءتي بجانب ذاك الفاسد؟ أو نشتم الأديان ورجال الدين لانه ثبت تورط رجل دين ما في قضية مشبوهة.

إخواني وأخواتي

طريق الترقي الروحي – قدرنا الله على سلوكها بصدق – هي سبيل الخير والفضيلة وحسن الخلق، وكلما أكثر منها الإنسان نمت إنسانيته وفاضت. وحذارِ من الوقوع في فخ المقارنات الخاطئة عبر مقارنة خطإ صغير نقترفه بخطإ آخر كبير اجترحه غيرنا، كما نفعل أحيانا لنبرر معاصينا؛ لأن من تهاون في الصغائر وقع في الكبائر، كما قال تعالى في كتابه العزيز:  “فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ” وقال أيضا:

“ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ”. يتبن لنا من هذه الآيأت المباركات أن الإنسان مسؤول عن كل أعماله وأفكاره وكلماته الصغيرة منها والكبيرة حتى ما كان منها بمثقال ذرة. نسأله تعالى أن يهدينا سواء السبيل وأن ينعم علينا بالأعمال الصالحة وبالمقاربات الصحيحة ويتقبل منا ومنكم صالح الأفعال.

About The Author

Contact