×

عبد الجبار الفياض والقصيدة السريالية، تعليق على قصيدة ( علبُ المكياج )// الناقدة سامية البحري /تونس

عبد الجبار الفياض والقصيدة السريالية، تعليق على قصيدة ( علبُ المكياج )// الناقدة سامية البحري /تونس


عبد الجبار الفياض والقصيدة السريالية، تعليق على قصيدة ( علبُ المكياج )

سامية البحري /تونس

القصيدة السريالية

أيتها الأفكار الهلوع لا تخافي مني إنني شاعر ، قالها طاغور وهو يرتحل في دروب الأفكار وينهل من عمق الحرف

وأرددها أنا في خضم معركة الوجوه والأقنعة “الآدمية “

أيتها القصيدة الهلوع لا تخافي مني إنني ناقدة..!!

هل تكون القصيدة مرآة؟ ؟

بل هل يستقيم هذا القول ؟؟

قد نسقط هذه المقولة الخرافية بقانون القصيدة الحديثة ..

إذ لم يعد الأدب مرآة تعكس الواقع ..

بل هو الوجه المكشوف للواقع

لا يعترف بالحجاب والنقاب والبرقع ليتسرب في شرايين هذه الجغرافيا المترهلة….

ما حاجتنا إلى مرآة لنرى حجم القبح ..؟؟

تلك المرآة مداهنة كبعض البشر

وأغلب الذين يوقدون نار الفتنة قد تسللوا من ثقب في جهنم

يرتدون وجوها قد تفننوا في زركشتها وتلوينها بكل الألوان الممكنة

عندما حاولوا اقتحام قلاع الشمس سالت تلك الألوان وقد شكلت مشهدا قبيحا كما يسيل لعابهم عندما تزحف غرائزهم كأفعوان…..!!

ضربوا في المعمورة يبيعون الزيف في حين أنه “لا يمكن أبدا للزيف أن يتحول إلى حقيقة ولو أدى به الأمر إلى الاستعانة بالقوة “

وهو ما يطبق في كل لحظة على هذه الجغرافيا المسمولة عينها والتي استعانت بعيون أخرى ترى مكانك …!!

كيف يكون مبصرا من استعار عينا أخرى ينظر بها ؟؟

قد تستقيم هذه المعادلة في عالم الوجدان والشعور إلى حين

بيد أنها لن تستقيم أبدا في عالم السياسة وإدارة شؤون الوطن والمواطن…!!

وهو ما لابد أن ينتبه إليه الحركات الثورية المطالبة بالحق المسلوب والمتعطشة لوطن وانتماء

الأمور تحتاج إلى إعادة النظر في مسائل عديدة ومراجعة عدة آليات ومواجهة التحديات الكبرى ..

وضبط عدة مفاهيم من أهمها مفهوم الوطن ؟؟

ما معنى وطن ؟؟

هل هو الحدود والخطوط ؟؟

قطعة من السماء وقطعة من الأرض؟ ؟

ماذا يفعل “الجائع المستلب ” بالخطوط والتضاريس ؟؟

هل يمكن لتلك الجغرافيا أن تحقق إنسانية الإنسان؟ ؟

تلك الجغرافيا التي يمكن أن تحتضن الحيوان والإنسان والحجر والشجر …الخ …!!

يمكن أن يكون الحيوان والجماد أكثر حرية من الإنسان.. بما جبل عليه من طبع

ويمكن للحيوان أن يحقق حيوانيه التي جبل عليها بكل ما أوتي من إمكانيات ولا أحد يمتلك أن يلومه أو يرده ..

في حين يعيش الإنسان مستلبا..مجردا من إنسانيته. .فاقدا للهوية ..

وقد يسقط في مرتبة الحيوانية ..

بيد أنه حين يغدو الإنسان حيوانا يكون عندئذ أسوأ من الحيوان. .

من هنا لابد من مراجعة شاملة ودقيقة لكل المفاهيم وأولها مفهوم “الإنسان “

كيف يكون الإنسان إنسانا جوهره كما صاغه الله لحظة التكوين الأولى. ..؟؟؟

القصيدة السريالية ترى الواقع بعيون كبيرة ..

تقلب المعادلة ..تعيد النظر في المفاهيم الموروثة

لم يعد الواقع هو الواقع

والسريالي هو الذي يخترق هذا الواقع …

فما يحدث على الأرض هو السريالي في التصور الراهن /اللامحدود

وبأدوات كائنات ترتدي أقنعة آدمية من دم ولحم ..

تتحرك. .تتنفس ..تأكل. .تشرب

تقتات من الآلام والأحزان والاوجاع …!!

تلك الكائنات نراها ..نسمعها ..

تتناسل يوما بعد يوم. .

تفرخ كما البعوض في المستنقعات الآسنة. ..!!

القصيدة السريالية تقلب كل الموازين وتدعو إلى مراجعة كل الأحكام السابقة حول الشعر ووظائفه..

القصيدة التي تعيد ترتيب حركة الوعي في علاقته باللاوعي

وتدعو جميع الفلاسفة من أفلاطون إلى فرويد وحتى عربيد الفلسفة نيتشة إلى مراجعة عدة آليات. .

فالشعر اليوم يعلن الولاء للفلسفة

إن لم نقل أن الفلسفة تدخل إلى قلاع الشعر ..

هناك معاهدة تبرم بين الشعر والفلسفة وتسقط تلك الحرب الضروس التي أسس لها البعض بين هذين العلمين ..

الشعراء منحرفون بقانون الشعر

ولا يمكن أبدا أن يسيروا فوق صراط مستقيم كما يراد لهم من ضوابط مختلفة ..

والحقيقة مقولة نسبية دائما

فلا وجود لحقيقة إلا بمقدار ..

والشعر يسقط كل أفيون يقدم كبديل لواقع هجين

ويعلن المواجهة ضد كل القوى التي تستلب الذات والكينونة وتبيع الوهم والزيف

سواء أكانت سياسية أو دينية أو أيديولوجية وحتى اقتصادية واجتماعية وفكرية ونفسية. .

الشعر يؤمن بفلسفة التمرد ويدعو إليها بكل ما يملك من أدوات

ويسقط أساليب التوسل والاستعطاف والبحث عن بديل جاهز بلا ثمن

فلا وجود لاله يهب المن والسلوى ولا وجود لسماء تمطر خلاصا وانعتاقا وحرية. .

فقط يوجد كينونة تقطن في صميم الصميم. .عليك أنت أن تبحث عنها بكل قوى الادراك التي عندك

فعندما يتوحد العقل والقلب ثمة عالم جديد سيتأسس..

وثمة انسان جديد سيبعث ..

هذا الإنسان هو “الخالق ” لعالم إنساني يقوم على إنسانية الإنسان. .

ويبقى السؤال الأهم

كيف يكون الإنسان إنسانا جوهره كما صاغه الله لحظة التكوين الأولى؟ ؟؟؟

علينا أن نمضي في البحث عن ذاك الانسان الضائع منا في لحظة ارتطام حاد بين قوتين هما القوة الحيوانية الكامنة فيه وفق نظام الغرائز والقوة الإنسانية الكامنة فيه وفق نظام القيم ..

ولن يعود السلام إلى هذه الأرض الطيبة إلا إذا عثرنا على ذاك الانسان الضائع ..ولا شيء غير الإنسان. ..!!

تحية تقدير تليق بمقامكم الشاعر الكبير عبد الجبار الفياض الذي يضع كل أدواته الشعرية في التأسيس لمملكة الشعر العربي الجديد….!!

About The Author

Contact