×

قراءةٌ في (مقعد قديم… للشاعر ناصر زين الدين)، بقلم: الأديبة الناقدة سهيلة حماد/ تونس

قراءةٌ في (مقعد قديم… للشاعر ناصر زين الدين)، بقلم: الأديبة الناقدة سهيلة حماد/ تونس

النص:

مقعد قديم…

يجلس على مقعد قديم، في حديقته المفضّلة…
يحمل كتابا، تآكل غلافه بعض الشيء… لا يفتحه، رافعاً نظره عالياً الى القمر الذي غمره بلونه الفضي، فأصبح يلمع كصنم معدني لا يتحرك… المقعد قديم والكتاب قديم وقد كتب عليه اسمها، والقمر قديم يغمره بذكراه البيضاء، وهو قديم وقد رسم الدهر على وجهه رحلة الحياة المريرة… في عينه دمعة تعودت البقاء في سجنها، وهو تعود ان لا يترك عصاه التي عمرها من عمر الفراق، لا يأبه البرد ولا صوت الشجر… وعندما لاح عليه لون الصباح، قام عن مقعده مودعاً مجلسه وقال:” لا أعرف ان أراكم في المساء”، وعاد الى منزله كما كل يوم… ينتظر اليوم التالي…وذلك ان أتى…

القراءة بقلم الأديبة الناقدة سهيلة حماد

نصّ، كتب بنبض الزّمن الدّائري، بروح الماضي، بذكراه البيضاء، كراية سلام، و بجسد هزيل، أضناه عبئ السنين، (في رحلة الحياة المريرو) وبإرادة حديد، لا يترك عصاه، الوتد، متشبثا بالحياة، كلّه أمل يرنو إلى السّماء يحمل كتابه القديم، كأثير مؤثر، لونه أصفر يترجم عمره، و قد كتب عليه إسمها، كأنّه ينتظر حسابه، وجزاءه، كلّه حنين و شوق للّقاء بها، وكأنّه، يُشهد القمر الذي تعاطف معه، فأحاطه بهالة(فضّية) حنّطت الذّاكرة، في انتظار اللّحاق بها ،حتى لا يطالها دمار هذا العهد، مجدّدا العهد في كل يوم قبل أن يغادر المكان .

العتبات :

الاستهلال : (يجلس على مقعد قديم، في حديقته المفضّلة)… جملة فعليّة، و مشهديّة عالية أتقن القاص ترصيعها، تحمل رائحة و رحلة ذاكرة من الحاضر نحو الماضي ..

مقدّمة، رائعة بسيطة، معتّقة،بعبق الماضي، و روح الحياة و تعداد العمر (مقعد قديم)، نعت ومنعوت نكرة، غير معروف وثلاث نقاط تنتظر التّعريف للتعرّف على الجالس لمعرفة قصّته… فيا ترى من الحاكي؟… وما حكايتة وغايته من ذلك؟ ….

القفلة: خرجة، على رأي الدكتور ميمون مسلك من المغرب الأقصى : (و قال:” لا أعرف إن أراكم في المساء”، وعاد إلى منزله كما كل يوم… ينتظر اليوم التالي…وذلك أن أتى…)

الخرجة في النّهاية كانت رائعة فاتحة أفقا للتّأويل في (ذلك أن أتى….) وحروف متتابعة….
ودّع المكان ولم ييأس من العودة عودة كعودة الرّوح إلى الجسد ….تطلّع إلى المستقبل بذات حائرة قلقة غير متأكّدة ولكن متشبّثة بالحياة ..
.غير يأئسة …
ففي فعل الانتظار دلالة للشّوق، للاشتياق، للأمل، للحياة، للإصرار، للصّبر، رغم (أنّه لايعرف) …إن أرجأه الزّمن إلى المساء …وفي فعل (عاد )…و (كما كلّ مرّة …) و(اليوم الموالي …)صيرورة زمن سرمديّ لا تعرف للحكاية، وللحنين، بداية ولا نهاية، هي رحلة كينونة إنسان في زمن كلّ الأزمنة، و على مقعد قديم يوجد حيث ما عُمِّرت أمكنة ولم يطلها دمار ….شاهدة على الوفاء و ال ….

الأسلوب : بليغ، رغم شدّة بساطته نبضه جرس التبئير ، وقرقعة طرقات نقط متتابعة … و تشظ، و شذريّة ، فيه من التصوّف والقنوط، زئبقي تخاله، يخفي، فإذا به يظهر، ويكشف، وكأنه يدعو المتلقي، لمشاركته في التأمّل، والتّبصّر، في رحلة عمر قصيرة، رغم انحناء الظّهر، واتكاءه على عكازه رفيق دربه، وتده ورايته التي لا تنكسر …وحكاية إنسان لم تكتمل …نقل لنا صورا واختلاجات ذات، وعدّدها واستأمننا على الحفر، ونحت تمثال يكون عبرة لمن يعتبر، بأن الحياة فانية، والخلود في حياة سرمديّة يتوحد فيها المكان بالزمان الأبدي الخالد ….

About The Author

Contact