×

ورقة نقدية في قراءة لقصيدة/ كفّي على البابِ..!/ للدكتور وليد جاسم الزبيدي- العراق، بعنوان: الدلالة والرّمز والشّيء …. بقلم : الناقدة الاستاذة سهيلة بن حسين حرم حماد/تونس

ورقة نقدية في قراءة لقصيدة/ كفّي على البابِ..!/ للدكتور وليد جاسم الزبيدي- العراق، بعنوان: الدلالة والرّمز والشّيء …. بقلم : الناقدة الاستاذة سهيلة بن حسين حرم حماد/تونس

ورقة نقدية في قراءة لقصيدة/ كفّي على البابِ..!

. للدكتور وليد جاسم الزبيدي- العراق، بعنوان:

الدلالة والرّمز والشّيء ….

========

==========

القصيدة

كفّي على البابِ..!

د. وليد جاسم الزبيدي- العراق

كفّي على البابِ هلْ سَمْعٌ وهلْ رَدُّ..

يا ساكنَ الدّارَ قدْ أضنى بنا البُعْدُ..

كفّي تُحدّثُ عن شوقٍ يكابدُني

والطّرْقُ دربٌ وقد يلوي بهِ الّصدُّ..

يا ساكنَ الّدارَ كُنْ صوتاً فلا وَجعاً

أقسى من الصّمتِ في الأرجاءِ إذْ يشْدو..

كفّي تَعلّقَ فوقَ البابِ شاهدةً

أن كيفَ أنسى بما فيها وما تحْدو..

كفّي تميمةُ عشقٍ أورقتْ ألماً

والصّوتُ بُحّ ونيرانٌ لها وَقْدُ..

في عَتبةِ الدّار كانَ الأُنسُ يجمعُنا

وفي الظلالِ حكايا كلّها وِدُّ..

وفي الشبابيكِ ظلّ الغصنُ منتشياً

من همسِ نجوى وما يندى بهِ السُّهُدُ..

يا صاحبَ الدّارِ كمْ مرّتْ بنا محنٌ

كُنّا اليها وفينا اليوم تحتدُّ..

ما كانَ للنأيّ نايٌ في خواطرِنا

بلْ كانَ للوصلِ فينا الجودُ والرّغْدُ..

يكفي وقوفاً فقد طالَ انتظارُكُمُ

لا صوتُ يصدحُ لاهمسٌ ولا وَعْدُ..

يكفي انتظاراً فما في الدّارِ من رَصَدٍ

كلُّ الدروبِ متاهاتٌ لها قَصْدُ..

يا وحشةَ الدّارِ في ترحالِ أزمنةٍ

كفّي تسمّرَ والأشواقُ تمتدُّ..

======

=========

القراءة :

الدّلالة والرّمز والشّيء

كُتبت القصيدة في زمن غير الزّمن، زمن لا يشبه الأزمان، زمن كُمّمت فيه الأفواه، واختفت فيه الذّوات وراء الأبواب، والحيطان، يحرسهم سجّان افتراضي كالوهم الذي ابتدعوه -إسمه الحجر الصّحي الإجباري، خوفا من غول الكوفيد 19 ، كفضائهم الأزرق، في زمن تُقتحم فيه الدّيار من النّوافذ، في اللّيل والنهار، عبر المسنجر ومن قبله عبر الهواتف، سواء منها المحمولة أو المثبّتة… زمن اغتيلت فيه الشّهامة والكرامة، وتراجعت فيه الهمّة والاستبسال، والمواجهة، والمبارزة، وجها لوجه بالسّيوف، فاسحة المجال للاغتيالات، لم يسلم صديقٌ ولا رفيقٌ… زمن يُغتال فيه الرّفيقُ والصّديقُ والحبيبُ من الظهر… أو عبر العدوى…. حتى الجراثيم كشّرت عن أنيابها طوّرت أسلحتها شكلها وشاكلتَها، اتّحدت وتوحّدت على ابن آدم، كما طوّرت نظامها وأدوات دفاعها، صارت على شاكلة الإنسان متلوّنة كالحرباء، لا تستقرُّعلى حال…

جاء العنوان :”كفي على الباب” ..: جملة إسميّة متكوّنة من مبتدإ متّصل بضمير ياء المتكلّم، تقديره أنا المتكلّم ، وخبر جارٌ ومجرورٌ، مذيّل بنقطتين، ونقطةُ تعجّبٍ. عنوانٌ كلوحةٍ معبّرة تكمل حركتها في الأذهان أو كلقطة سينمائيّة اقتنصها الشّاعر من الزّمان قابضا على الفعل بقبضة اليد، وصوّرها بريشة الحبر محبّرة، تغني عن الكلام، فالكفّ كفٌّ، لم تكفْ عن الطّرقِ، في ذهن المتلقّي، أكملت الفعل في المضمر والنقطتين ونقطة التعجّب، أخفاها الشّاعر للتّخفيف. كرّرها للتّأكيد، في الأبيات الموالية، تثبيتا لعدسته لجذب القارئء ودعوته، إلى الانتباه لنقطة الضّوء، للدّلالة على معنى القرع، وطلب الودّ والسّؤال، تعبيرا عن الشّوق واللّهفة، إلى لقاء حبيب لمعرفة سبب الجفاء وعدم الردّ ّ والاختفاء، والاحتجاب، فالطّرق أضنى متنه، يده وساعده وكاد صبره ينفُدُ.

يذكّرني البيت بالبيتين التّاليتين (للشّاعر المصري اسماعيل باشا المصري 1932/1854).

“طرقت الباب حتى كلّ متني : فلمّا كلّ متني كلّمتني

فقالت أيا اسماعيل صبرا: أيا أسماء عيل صبري “

فقد تكبّد مشقّة الطّرق على قلبٍ كان يملك كلمة سرّ فتحه، وتكبّد الصّبر على تحمّل الوقوف على بابه إلى أن أُرهق من دون أن يظفر بردّّ يشفي غليله، بات الصّمت وجعا في غياب الكلام الموضّح لسبب الجفاء …

صورةٌ استعاريّة مكتنيّة تشخّص “الكفّ” فيصبح يتحدّث، كذلك الدقّ استحال لغة وتعبيرا، تَصِفُ حالةَ وجدٍ وعشقٍ وشوقٍ ولهفةٍ وتساؤلٍ عن سبب الصدّ، يسأل ردّ السّامعِ، ساكنَ الدّارِ، يمُنُّ عليه بجوابٍ. يثنيهِ عن اليأسِ والتّراجعِ و الرّجوعُ من حيث أتى …مولّيا الأدبار خائبا..

“كفّي على البابِ هلْ سَمْعٌ وهلْ رَدُّ..

يا ساكنَ الدّاِر قدْ أضنى بنا البُعْدُ..

كفّي تُحدّثُ عن شوقٍ يكابدُني

والطّرْقُ دربٌ وقد يلوي بهِ الّصدُّ.

يا ساكنَ الّدارَ كُنْ صوتاً فلا وَجعاً

أقسى من الصّمتِ في الأرجاءِ إذْ يشْدو..”

في زمن الوصال والودّ، كان الأنسُ و الوَنسُ، و كان الهمسُ جرسَ النّجوى، وكان البوح، وهَج نيرانِ عشقٍ، تروي ارتواءَ الأغصانِ، وتذوبُ تَوحّدًا في المحبوب ، حيث كان للفعلِ ظلٌّ وحكايا شظايا وقطراتُ ندَى و شهدٍ.

تتواصل الصّور المكنيّة الولّادة، للصّورِ المتحرّكةِ، و لمشاهدِ المقاطع السينمائيّة الصاخبة، في كنفِ صمتٍ رهيبٍ يشقّ سكونَه طرقٌ كمطارقِ الحدّادِ، تنزلُ على الحديدِ الملتهبِ السّاخنِ، لتُشكّلهُ قبل تصلُّبِه، حتى يلينَ ويستحيلَ قطعةً فنّيةً ..

“والصّوتُ بُحّ ونيرانٌ لها وَقْدُ..

في عَتبةِ الدّار كانَ الأُنسُ يجمعُنا

وفي الظلالِ حكايا كلّها وِدُّ..

وفي الشبابيكِ ظلّ الغصنُ منتشياً

من همسِ نجوى وما يندى بهِ السُّهُدُ..”

وثّقَ الشّاعرُ وجدَه ووِجدانه، ووجعَه، فكان كفَّهُ المعلّقَ على البابِ، بدقّه شاهدا على الحدث، كالنّاطق بالتّشهّد، والسّبابةُ، مرفوعة يده، إلى الأعلى، كأنّها تميمةٌ، أورقت قهرا، وهمًّا وغمًّا أضناه البعد، وعدمُ الردِّ.

“كفّي تَعلّقَ فوقَ البابِ شاهدةً

أن كيفَ أنسى بما فيها وما تحْدو..

كفّي تميمةُ عشقٍ أورقتْ ألماً”

تتكلّم القصيدة، بضمير “أنا “كلّيّة مضمّخة، باليأس من فتح حوار، من جديد،مع آخَرَ بدا متوجّسا، خيفة من القادِم، مذعورا ربّما فزعا، من القادِم لم يأمن شرّّه،،هذا الأخِير، صوره لنا ماكرا ناكرا للعشرة وللجميلِ غيرُ مبالٍ تحصّن وراء الجدرانِ وأغلق بابا كان مفتوحا لمحبوبٍ، كان مرغوبا غير معلوم جنسُهُ، لا يعرفُ إن كان أنثى أم رجلا في القصيدة، فقد تعمّد الشّاعر إيهام المتلقّي أن المخاطَب رجلٌ، وكأنّ المتكلِّمَ امراةً٠ متّكلا على الصّورةِ المرافقةِ للقصيدةِ، الدّالة على أنّ الطّارق ال”أنا” امرأةٌ متستّرةٌ بعباءةٍ سوداءَ،حسب الصورة التي رافقت القصيدة، والتي قد تكون حياةً في زمن الموتِ، زمنٌ يخترق الموتُ الأبوابَ، عبرَ العدوَى، و لمسِ الأسطُحِ، وكأنّ الدكتور وليد الزبيدي، تعمّد ذلك ليخيّب أفقُ انتظارنا، لمشاغبتنا، بعدم التّمييزِ بين هذا و ذاك، -إن كان مؤنّثا-أم مذكَّرا- ،مكتفئا بفضح موقف وأسلوب الآخَرِ، في تَعمُّدِ تجاهلِهِ، وصدِّه وعدم الرّدِّ عليه، تاركا إيّاه يتخبّطُ في غربته لتصير القصيدة، قصيدةًكونيّةً ترفَل من الواقع، حدثا فتؤوّله عُمقا،و بلاغةً، بفصاحةٍ، في طلاوةِ بحرٍ بسيطٍ، لم يشغله الإعتناء بالأوزان، من تضييع المعنى، بل غاص في أغوار النّفسِ لمعرفة شجنها، ومعاناتها فكأنّ القصيدة تترنّحُ، بين مناجاة حبيب، ” الآخَر”، المختفي، ومناجاة نفس، موجوعةٍ، عبر خطابٍ بدى كأنّه مونولوجٌ، في معظمه، يردّده الشّاعر، يصف به ما اختلج النّفس وما شعر به، وهو يخاطِبُ مخاطبًا غيرَ ظاهرٍ مستترٍ، في زمنٍ، بات فيه الجَحَد تميمةً، و عقيقةً عٌرْفٌ معرِّفٌ، لزمنٍ تخيبُ فيه الظّنونُ، ويطول فيه الانتظارُ، والبكاءُ على أطلال، “آخَرَ”.. خيّبَ الآمالَ و الظنَّ و ما كان يَنتظرهٌ منه وما كان يعتقده فيه …

تزداد وحشتَهُ وغربتَهُ، كذلك اللّهفةُ تتمطّطُ تتفاقمُ، وتتعاظمُ، فتُشخِّصُ “وحشة الدار” ويصيرُ يناديها الطّارقُ،

بعد تقلّب الأحوال، والتّنقّل من حالٍ إلى حالِ …

“يا وحشةَ الدّارِ في ترحالِ أزمنةٍ

كفّي تسمّرَ والأشواقُ تمتدُّ..”

يا صاحبَ الدّارِ كمْ مرّتْ بنا محنٌ

كُنّا إليها وفينا اليوم تحتدُّ..

ما كانَ للنأيِّ نايٌ في خواطرِنا

بلْ كانَ للوصلِ فينا الجودُ والرّغْدُ..

يكفي وقوفاً فقد طالَ انتظارُكُمُ

لا صوتُ يصدحُ لاهمسٌ ولا وَعْدُ..

يكفي انتظاراً فما في الدّارِ من رَصَدٍ

كلُّ الدّروبِ متاهاتٌ لها قَصْدُ..

الأسلوب والرّؤيا:

الأسلوب: كان بليغا فصيحا سلِسا طغى عليه التّكرار لتأكيد.

أمّا بالنّسبة لرؤيا الشّاعر : فكأنّه ينبّه العالم إلى ضرورة الانتباه، في قادم الأيّام، لمزيد الحذر ممّا يُطبخ في الجوار، ومن وراءِ البحارُ، فالأيّامُ القادمةُ قد تُخفي أشياءً لانعلمها فالصّديق قد ينقلبُ عدوّا والعدوّ قد يصبح صديقا، على حسب المصلحة، رؤية استشرافيّة الغاية منها تسليط الضّوء على الأوضاع، في الهنا والهناك، بعد الكورونا..يبدوا أنّ واقعا، وطبخة تجهّز في المختبرات، لها طعمٌ برائحةٍ، تزيد في نسبة مذاق الغربةِ، والتّقوقعِ، والاغترابِ، وعدمِ الثّقةِ في المحيط، وفي الآخر، وإن كان صديقًا حبيبًا … ترجمهُ بالنصِّ جِناسًا، بأن أشعل الضوء “كفّي”/”يكفي”،و”للنأيِّ نايٌ ” . فيما ترجَمَهُ الواقعَ في الحقيقةِ، عنصريّةً جديدةً، كتلك التي ضربت في الولايات المتّحدة، نتيجة قتلِ مواطن، وكذلك ما حصل مؤخّرا في فرنسا إلى جانب إثارة الفتن بين الدّول المجاورة، وبين الجهات في البلد نفسه، يبدو أنّ القصيدة تحمل رؤية استشرافيّة، حقيقةً، بأن يُسلّط عليها الضّوءَ، لما تكتنزُه من معانٍ…

الذّاكرة في القصيدة :

كان للذّاكرة دورا في التّأثير على الزّمن، فقد لجأ الشّاعر إلى * * تقنيّة الارتداد تارة في قوله على سبيل الذّكر لا الحصر :

“كان للوصل فينا الجود والرّغد”

و”كان الأنس يجمعنا “

* كما لجأ إلى تقنيّة الوقف لصبر أغوار النّفس تارة أخرى :

“أن كيف أنسى بما فيها وما تحدو”

* كما استعمل تقنيّة القفز كقوله ” كم مرّت بنا محن “

“يا وحشة الدّار في ترحال أزمنة “

*كذلك نراه استعمل تقنيّةالوقف والاستشراف معا: يظهر الاستشراف في قوله كفّي تسمّر والأشواق تمتدّ. وهنا نرى المعنى به أمل في التسمّر، في وضعيّة الوقف، أملا وتأمّلا في غدٍ أفضلَ وانفتاحٍ على بعثٍ جديدٍ لواقعٍ آخر تتمدّد فيه الأشواقّ…

* كان الزّمن حاضرا و مضارعا :”وفينا اليوم تحتدّ”

وأمرا : “كن صوتا “

* وماضى : ” كم مرّت بنا محن” يفيد معنى التّكرار وصيرورة حدث المحن…

* كان الزّمنُ إذا أفعالا، وإيقاعات، ونقاطٍ متتاليةٍ، لملإ فراغات… ورقصٍ على نغم الثّنائيّات، كالصّوت والصّمت، والأمل والتّأمّل، والقرع ب”الطَّرق”، أملا في الفتح، ومللٍ وتحدّ واتخاذُ قرارٍ، بأن “يكفي”، وتغيّر حالٍ من فعلٍ إلى وقفٍ، ودوران كدوران صوفيِّ قبل التّجلّي، يدور في متاهات “كلّ الدّروب” وكلّه أملٌ في” القصْدِ” و البعثِ ” كلّ الدّروب متاهاتٌ لها قصدُ “

*كذلك الزّمن كان تكرارا،” طُرق” دروب ” وعشقٌ، وهمسٌ، وبوحٌ، وترحالٌ، وتمدّدٌ في “الظلال”، وانتظار في” انتظاركم” وفي “طال” وفي لفظ “وقوفا “، وفي ال” نجوى ” وفي “يشدو”،وفي “الحكايا “…

كما لاحظنا فإنّ القصيدة تقوم على الحركة، في الفعل، وكذلك في دقّة الوصف، وحسن اختيار اللّفظ المثير، للحركة لتكثيف الصّورة، وإثارة الوجدان …

في الختام، وكما تلاحظون، فإنّ تأويلنا تطوّر، واتخذ بعدا آخر، غير الظاهر في المعنى المعلن في القصيدة، ذالك أنّ الكلمات بمفردها، هي أشياء ليست الأشياء بذاتها.. فالكاف و الياء ليست كفّا، ولا قبضةً في الواقع، كذالك الباب حروفه، لا ينتج بابا نفس الشّئء للصّمت، والهمس، والظّلال، وغيرها، فما هي إلّا صورة متّفق عليها مسبقا، تشكّلت في ذهن الجماعة، في ذاكرة مستعملي اللّغة العربيّة. كذلك أصوات الحروف، و وقعها تضيف إلى المعنى وتفيده في تجلّي صورة ما .. فبالتّالي عندما تدخل الكلمة المفردةُ في سياق جملةٍ تدخل في نسق لغويٍ معقّدٍ، يتخمّر، ويتفاعل، ويتشكّل، في كلّ ذهن على حسب حضور الذّوات القارئة حينها، و مدى استعدادهم، لفتح نوافذ في لحظة آنية ما، على مخزونهم الثّقافي و الاجتماعي والسّياسي والدّيني والفكري المكتسب من الخبرة، والمعايشة، أو عبر الاطّلاع بالمطالعة … كما يلعب الزّمن والنّضج والأحداث المعاشة، و كذلك انتماء كلّ من الكاتب والشّاعر لأيّ حقبة، سيكون له وقع وتأثير على القراءة…

وما تعدّد القراءات، إلّا دليل على عمق النّص وثرائه، وفيضه في توليد وانتاج الدّلالة، والمشهديّة، والصّورة وانفتاحه على الحداثة، و مدى استجابته، لنظريّة التّلقّي، من حيث أنّها تفاعلات كيميائيّة بانوراميّة الأبعاد، تأخذ بعين الاعتبار ثلاثتهم أقصد الأديبَ، والنصَّ، والقارئ زائدَ العينِ الثّالثة-( تلك التي تنقّب وتمحّص، تقارب وتقارن وتؤوّل ..) – مضافا إليها عنصرُ الزّمنِ وقت الكتابةِ ومعاصرةُ الأديبِ ونضجُ كلٌّ منهما وحالتهما النّفسيّة، ومدى إلمامهما بواقعهما فرؤية الأديبِ هي واحدة، لا يمكن أن تكون رؤى، في نتاج واحد، قد ينقل إلينا صوتا أو أكثر في إطار بوليفونيّة الأصوات، موهما إيانا ديمقراطيّته، من أجل حمل القارئء على التّأمّل، وحمله على المشاركة، في انتاج وعي جديد، بُغية التّغيير لأجل خلق واقع آخر، لذلك هو ملزم أن ينتج نصّا يراعي فيه قوانين اللّعبة الاتصاليّة ويتقنها حتى ينجح في تبليغ رؤيته -من دون لبس- من خلال الإلمام بخفايا اللّغة بدءا من الصّوت واختياره للحرف، مرورا إلى الفصاحة والبلاغة، ومن ثمّ الإعتناء بالغزل ونسيج بناء النّص، و التّخييل وصولا إلى علم الألسنيّة، والتّأويل والدّلالة…

ويأتي دور القارئ، في إنارة زاوايا أو زاوية دون غيرها، لتوجيه العامّة أو الخاصّة، إلى أهميّة نقاط، أو نقطة، لمزيد الإعتناء بها لإعطائها حقّها ومستحقّها، من العناية في المستقبل، من دون أن يتعدّ حدوده، ويحيد، حتى لا يزيغ عن رؤية الأديب المشار إليها آنفا ..

سهيلة بن حسين حرم حماد

تونس في 22/06/2020

About The Author

Contact