×

ألف باء… الحلقة الثالثة… دائرة الظلام الثالث… بقلم د. ناصر زين الدين /لبنان

ألف باء… الحلقة الثالثة… دائرة الظلام الثالث… بقلم د. ناصر زين الدين /لبنان

ألف باء…

إنها فقرة أسبوعية على حلقات من إعداد وتقديم د. ناصر زين الدين، تبحث في أمور اجتماعية وثقافية وإنسانية على صعيد المجتمع العربي، توثّق في المجلة الإلكترونية لمنتدى ثورة قلم ومنصة ثقافة إنسانية لتكون منبرا لعرض بعض القضايا الإنسانية الاجتماعية في عالمنا العربي، في الواقع والغربة على حدٍّ سواء.

ألف باء…

الحلقة الثالثة…

دائرة الظلام الثالث

بقلم: د. ناصر زين الدين

                                            دائرة الظلام الثالث

غريب هذا العالم، وغريبة هي حياة الإنسان التي تبدأ في الظلام وتنتهي في الظلام، الظلام الأول لروح الإنسان، يبدأ في أحشاء أمه، الأم الحقيقية التي لا يرى في داخلها إلا الظلام  القاتم الذي تنسيه إياه بحنانها ورقة لمساتها الدافئة له؛ فيبقى تسعة أشهر لا يرى سوى أحلام عن أمه الملاك، في حنان يلتحفه طيلة هذه الفترة وهو يحلم بالخروج من ذلك الظلام، ليصافح العالم الرقيق الحنون في أحلامه؛ فتكون الصدمة، الصدمة التي لا يستطع أن يصحو منها قبل أن يفاجئه الظلام الثاني، وهو ظلام الموت، الذي يدخله في رعبه الحقيقي والخوف من المجهول فيشعر حينها أنه لن يفعل شيئا لأبنائه أو لأحبّائه لأن الوقت قصير؛ فالعمر للإنسان قصير جدا..

 الغريب والقاسي أنّ هذين الظلامين يجب أن يكون بينهما نهار؛ لينعم الإنسان فيه طيلة فترة عمره، لكنّ هذا النهار لا يوجد إلا خارج العالم العربي؛ فللأسف، الإنسان العربي يعيش ثلاثا: ظلام أحشاء الأم، ظلام الموت، وما بينهما ليس نهارا بل هو ظلام الاستبداد في الوطن، تعجرف الحكم والدولة، وظلم الاستعمار والحروب، ويا أسفاه! إنّ الإنسان في موطني يبحث عن النهار من أول ما ينبض بالحياة إلى أن يداهمه الموت المفاجئ…

كفاك يا وطني، كفاك يا موطن الحضارات، واعذرني أيّها الوطن إن قلت هذا، اعذروني يا أبناء موطني، فلتمتد أيدينا ونتصافح لبناء عهد جديد، ولنحرق مذهبية الأوجاع والجمود المتقوقع، فالمياه الراكدة ليست للشرب ولا تصلح إلا للبكتيريا، فلنكن أنهرا تصبّ في بحر الوطن، لنكن روحه المتلألئة، ووروده المتضوعة، ليكن ربيعنا مختلفا عن كل ربيع، فيه زهور متنوعة وأشجار مختلفة الثمار وفراشات زاهية متناثرة في أشعة شمس لا تعرف الظلام..

عذرا يا أبناء بلادي، أنا لست زعيما ولن أكون، أنا لست سياسيا ولن أكون، أنا مجرّد مواطن حرّ، انبثق من هذا الوطن، يرسم في خياله منزلا ليعيش فيه مسالما، يتعرف على أصدقائه ويحضن أولاده داخل الوطن…

آه يا وطني! آه من قلب موجوع! آه من قلب احتضنته الغربة، وتدافعت فيه أحزان الفراق وعزلة الغريب الضائع!

آه يا وطني! أرتسم في فضائك طائرا، لا يستطع أن يغرد على صفحات أيامك الجميلة ولا في حدائقك الواسعة المشرقة، ولا يقدر أن يرسو على أغصانك المتلألئة بأشعة شمس دافئة لا نراها في غربتنا…

آه يا وطني، ننتظر أن تُشرِع لنا ذراعيك حاضنا عودتنا إليك، تلحفنا بحنانك، وقِسم صغير من حكايا الماضي القديم، عن طفل ضاع ثمّ عاد، عن قصة ذات نهاية سعيدة، ننتظر يا وطني أن يكون هنالك مركب يرفع علمك وينادينا ليحملنا إليك منتصرين، آه يا موطني! ما أجمل هذا الحلم! ما أجمل أن يكون هنالك وطن لا يسمح لأبناءه بالرحيل! يغمرهم حبّا ويعطيهم أملا، ويزرع في حقولهم مرجة السلم القادم، آه يا موطني! فالغربة هي دائرة الظلام الثالث الذي لا نراه إلّا في آخر العمر لأنّه يشبه ظلام اللانهاية.

About The Author

Contact