×

{ البنية الأسلوبية للنص المستدعي نصّاً }دراسة تحليلية لنص ( أنشودةُ القهْر ) للشاعر العراقي عادل قاسم… بقلم الشاعر والناقد العراقي الكبير، باسم عبد الكريم العراقي

{ البنية الأسلوبية للنص المستدعي نصّاً }دراسة تحليلية لنص ( أنشودةُ القهْر ) للشاعر العراقي عادل قاسم… بقلم الشاعر والناقد العراقي الكبير، باسم عبد الكريم العراقي

الشهعر العراقي عادل قاسم

{ البنية الأسلوبية للنص المستدعي نصّاً }

دراسة تحليلية لنص ( أنشودةُ القهْر )

للشاعر العراقي عادل قاسم كما يراهُ الشاعر والناقد العراقي الكبير،باسم عبد الكريم العراقي

النص

****

( ماالذي يجري؟ هذا أنا، أيَّتها الإلهةُ الجميلة، عِشتــارُ مَدينتي، أغيَّرتْ ملامِحي الأسفارُ،

أم تُرى شَوَّهتْ الحُروبُ وَجْهي، أَمْ لمْ أَعدَ فَتيــاً كمــا كُنتُ، أمْ أنكِ ماعدتِ الحبيبةَ والأمَّ

الرؤومَ؟ الأمَّ التي كُلَّما استحْكَمتْ حلَقاتُها وضاقت؛ أَلْقيتُ بِرأْسيَ على وِسادَةِ كَتْفِــكِ

الدافئة، وذرفتُ الدُموعَ على ضِفافِ شاطِئيكِ، فَتُحَلِّقُ

في سَماءِ وجومي وخوفيِ حمائِمُكِ التي تَلوذُ بأَفياءِ

بساتِينكِ اليانعةِ بالكرومِ، فَتُزَقزِقُ في هَدْأَةِ الغِبَشِ، تُدْخلُ البهجةَ والسرورَإلى قَلبيَ المُتَيَّم

ِبحُبِّكِ أَيَّتُها المدينةُ الغافيةُ على شِموسِ أحلامِنا التي ماانطفأَتْ ولاذَبُلتْ ورودُها في أَكمام ِ

الغًصونِ وإِنْ

اتَخذَتْها الغِربــانُ اوْكاناً و مَلاذاً للرَذيــلةِ والفِجائعِ، لاتَشِيحي بنظراتِكِ عَنْ وَجهي، فماعُدْتُ

أحتملُ أنْ أسمعَ (البقاءُ للهِ)، نَعم، البقاءُ لله، لكنَّني أصْبَحْتُ مَأْتَماً كَبيراً كَثُرِ فيهِ المُعَزُّون،

وتناوبَ عليهِ الجِميعُ، بُتُّ لاأُفِرِّقُ بينَ القاتلِ والمُعَزِّي، اْختَلَطَتْ الوجوهُ وتماهتْ القَسَماتُ

مع نياحِ الثُكالــى اللَّواتي لم تَعُدْ الطُرقاتُ تَتَسعُ لِسَرادقِ أَحبَتِّهِن، هلْ

ضاعَ كلُّ شيء؟ إرثُ أبي، أرضهُ، منِجَلهُ، سنابلُ بيَدرهِ احْترقَتْ، ولم تعدْ للرَحى أَسْنانٌ

إذْ صارَ كُلُّ شَيء ٍرَماداً، هباءً مَنثوراً، أركانُ بيتِنا الطِينيِّ تهاوتْ، بُويبُ السيَّابِ جَفَّ، ونافذةُ

قَمَرهِ تَكسَّرتْ صارتْ مأوىً للخَفافيشِ التي لم يَعُدْ ثَمةُ قَمرٌ ينأَّى عن شُرْفَتيَها ساعةَ السَحرِ

،عُيونُكِ أصابَها الرمدُ، وأنا هُنا أَقِفُ، لَسْتُ أَدري أيِنَ اذهبُ، أنا الغَريبُ الذي ضَيَّعه الخَليجُ،

أَصْرخُ في البلادِ فيرجعُ الصَدى

كأَنه ُالرَمادُ،،أَصيحُ يامدينةُ،،يامدينةُ، فتموتُ في شِفاهي الحروفُ في لكْنَتي الغَريبةِ الحَزِينة،)

…….

الدراسة :

*****

ان اكثر ما شدني في هذا النص ، أنه يستدعي نصاً آخر هو الذي ضمّنه الشاعر ( المعنى )

الذي يريد ايصاله للقارئ ، لكنه واراه وحجبه، لسبب ما ، تحت سطح نصه الظاهر اعلاه،

والذي سأقوم بتفكيكه في ادناه ، للتعرف على ذاك المعنى وكشفه ،خلال مراحل دراستي ،

وسأرمز الى صيرورة تشكُّله بصيغة ( تش نمس ) مختصر / تشكل النص المُستدعى ،مع

ترقيمها تصاعدياً .

سأبدأ بدراسة عتبة عنوان النص ( أنشودةُ القهْر ) وتفكيكها :

كما ذكرت في دراسة سابقة ، لقد غدا العنوان هو النص ، والنص كشف ٌ وتبيانٌ لمعناه ، كما

يشير لهذا ( علم العنونة ) ، وهو وان كان يمثل عتبة النص القرائية فهو كذلك يمثل مفتاحاً

يساعد في فتح مغاليق شيفراته ، ومقاربة دلالات اشاراته ،وغيرهما من مركبات بنيته

اللغوية ، مما يمهد سبيل الفهم للقارئ ليتعرُّفِ معناه النهائي المخبوء تحت سطحه .

وبغية الحصول على هذه المفتاحية سأقوم بتفكيك بُنياتِ اسلوبه كما يلي :

1ــ البنيتان الدلالية والنحوية :

في جملة العنوان الاسمية ، انزياح تركيبي / حذف المبتدأ ( والحذف هنا دون اضطرار قواعدي

/ اي انه حذفٌ جائز ) بقصد توجيه رسالتين :

الاولى ـ خارجية : شد انتباه القارئ واهتمامه نحو الخبر، لحمله على التفكير في القصد الدلالي

من جعله يتصدر الجملة ، و التضحية بالمبتدأ

الثانية ـ داخلية : التبرير للجوء الى ( الاستدعاء ) وهو استجلاب او استحضار مفردة تحل

محل تلك المحذوفة / المبتدأ ، تكمل معنى عبارة العنوان و تكون منسجمة مع سياقه اللغوي

واستدعاء المفردة هنا يكون اما داخلي ( من النص )، او خارجي ( خارج النص )

المعنى والموقع الاعرابي لاشارتي العنوان :

– أنشودة : دالة اسمية ذات جذر فعلي ( أنشدَ ) الذي يعني :

قرأ او تغنى ،نقول أنشد فلانٌ الشعرَ :قرأه بصوت مرتفع ، وأنشد المغنّي لحْنا:تغنّى به وترنَّم .

فيكون مدلول الدالة: ما يُغنَّى من الشعر أو النثر ،

القراءة التأويلية : هي القراءة او الغناء بصوت مرتفع ، اي انهما خطابان مرسَلان بجمالية

صوتية ( ترنُّم / موسيقى) ، من المرسِل / المخاطِب ( المنشد/ المغني ) حاملَين رسالة الى

المرسل اليه / المتلقي / المخاطَب

والصوت الناقل لهذه الرسائل ، هو صوت كائن واعٍ حي

المقاربة المعنوية : الاشارة ( انشودة ) تدل على فعلٍ صوتي حي،ذي خطاب مموسق (جمالي)

ايجابي التأثير في نفس المتلقي ،

ـ القهْر : دال اسمي ( مصدر ) للفعل ( قهَر ) الذي مدلوله : احتقر وتسلّط على

والقهْرُ : الغلبة والأخذ قسراً، وبدون رضى الشخص الآخر.

القراءة : القهر اثر منتَج لمنتِج هو الظالم المتسلط الذي يفرض التسلُّط المقيد / السالب للحرية

على انسان ما عنوةً / قسراً ، وسلب الحرية يعني قتل / انطفاء المعنى الحياتي

المقاربة المعنوية : القهر انعدام الفعل وخمود الحياة الحقيقية ( الحرة )

2 ــ البنية النحوية :

أنشودة : خبر مضاف الى (القهر ) / والمبتدأ محذوف ( تم التطرق اليه اعلاه )

القهر : مضاف الى الخبر

اضافة الخبر النكرة الى القهر المعرفة اكسبه التعريف

القراءة التحليلية : تضايف النقيضين يعني ان الأثر الحياتي الجميل لم يكتسب تعريفه

الا بهذا التضايف مع مقابله الفاقد للحياة الحقيقية، المُطفأ المعنى ، بذا أُرتهن رمز

الحياة بسلطة الممات

3ــ البنية الصوتية :

في الاشارة / أُنْشُودَة حرفُ مد ( الواو )،مما مكَّن من نطقها بحركة صوتية طويلة

{ انشـــــــــــــــــــــــودة } تحاكي استبيانياً إطلاق مكنون النفس ، الا انها تُجبَر على

التوقف باصطدامها باللام الساكنة في المفردة التالية لها ( الْـ…ـقهر ) وهذه الحركة

الصوتية الطويلة المرغمة على التوقف ، تتناسب مع حركية فعلها المرهون المعنى بنقيضه

بعده ، كما جاء في مقاربته المعنوية اعلاه

الاشارة / القَهْر :

تبدأ بحرف قمري مما يجعل اللام ( في أل تعريفها ) ملفوظة ساكنة في السياق ، وهذا السكون

مع سكون وسطها ( الهاء ) أحدثا ( وقفاً / قمعاً ) صوتياً { الْقَهـْ …ـرِ } يتناسب مع دلالتها

القامعة المطفئة للحياة

القراءة التأويلية : البنية الصوتية عززت المقاربة الدلالية المكثفة اعلاه / انطفائية سوداوية

وفي كلا الاشارتين تطابق الصوت والدلالة المعنوية .

تجميع نتائج تفكيك العنوان :

حركية حياتية جميلة + موت معنوي = إرادة الحياة مرتهَنة بمشيئة نقيضها ( تش . نمس1)

اذاً فالعنوان يزودنا بهذه المفتاحية :

1ـ سيرورة الحدث النصي يضمها فضاء شعري ملبد بتصراعية المتضادين ( الحياة / الموت )

ومرادفاتهما مع هيمنة الثاني بحكم سلطويته القاهرة على الاول

2 ـ هناك حاجة لإستدعاء ( كاشفات ضوء ) من خارج النص لإضاءة بعض معاني دلالاته

المتشحة بالعتمة التأويلية ، ومنها استدعاء ما يسد مسد ( المحذوف ) من السياق المعنوي

وهذا يفتح باب التناص الخارجي

دراسة المتن النصي :

سأدرس المتن باعتباره كاشفاً ومبيناً لمعنى العنوان ، كما ذكرت في اعلاه :

يبدأ المتن بإستفهام ( ما الذي يجري ؟ ) وهو استفهام تعجبي دافعه الاستغراب من أمرٍ

مريب يثير الحيرة ،فالاستفهام واقع على فعل / حدث، مازال في طورالصيرورة (آني الزمن)

تلفُّ وقائعه الشاعر وتحاول سلبه هويته ، بدلالة قوله ( هذا انا ) ،الموحي ان هناك من

يسأله مستنكراً اياه : من انت ؟ فجاء بعبارته تلك رداً عن هذا السؤال . ومُقارِبةٍ ضمنياً

لماهية الحدث ( المستفهَم عنه / ما الذي )، فهو حدث يعمل ( يجري ) على اقصائه وسلبه

حضوره ، بأمر ارادة لابد ان تكون مطلقة القوة متحكمة بوجوده ( سلطة ) نعرف من خطابه

اياها بالنداء ( ايتها الآلهة ) انها مقدّسة ، يجب تملقها ( الجميلة ) عساها ان ترحمه وترأف به

، ويُذكِّرها بأن دالته عليها هي (عشتار)،ويُخبِر عنها بـ (مدينتي)،فنفهم من اشارته هذه ان

تلك السلطة قضت بإقصائه عن مدينته / تغريب مكاني ( تش . نمس2)، وانه اراد

اشعارهم بان مدينته هي إلهة مثلهم ، متوقعاً ان يعفوا عنه احتراماً لها

لكن أهو تغريب عن مدينة فقط ؟

سأخضع هذه العبارة ( عشتار مدينتي ) لمشرط التشريح للحصول على اجابة :

ـ عشتار : اشارة ذات دلالة احالية خارجية / ميثولوجيا وادي الرافدين : آلهة الجمال

والخصب والحب ، وهي الام العظمى، لدى البابليين ،وهي ذاتها الإلهة( إنانا) السومرية التي

عُبدت في عموم العراق ، من منطقة الاهوار واوروك في جنوبه ، وحتى ( نينوى ) في

شماله { نينوى هو احد اسماء عشتار في اللغة السومرية / نيناـ آ (ni-na-a )}

لذا تكون دلالة ( مدينتي) هنا : وطني / العراق ( تش . نمس3 ) ،لكن كيف تكون عشتار

وطناً / العراق ؟

لنواصل تشريحنا :

1ـ لعشتار معنيان من دلالتها الاحالية اعلاه :

عشتار = ألاُم

عشتار = جمال + خصب + حب

بازاحة المشترك :

الام = جمال + خصب + حب

2 ـ الدلالة السوسيوسايكولوجية للوطن = انتماء / هوية + امان + ألفة + حماية

وهذه ذات مركبات دلالة الام المعنوية

لذا الوطن = الام

بتركيب الدلالات التي انتجها التشريح :

عشتار / الام = الوطن / الام

بازاحة المشترك :

عشتار = الوطن

بموضعة عشتار مكانياً باحالتها الى تعريفها اعلاه يكون هذا الوطن : العراق

فتكون المقاربة الدلالية لعشتار : الإلهة المؤرضة

وكونها جزء من كل ( الآلهة ) ، فتكون الدلالة السياقية لهذه الآلهة :

حكام دنيويون مقدسون ( سما ارضيون )

ومقاربتهم السوسيوسياسية : الحكام التيوقراطيون؛ ( صوت الله في الارض )

لذا يحاول الشاعر بقوله ( عشتار مدينتي ) استمالتهم اليه بتذكيرهم ان (عشتار ) وهي الإلهة

مثلهم ، هي وطنه ، لعل هذا يشفع له عندهم فيعرضوا عن اقصائهم اياه وتغريبه عن وطنه .

المقاطع الاربعة السابقة تمثل / التمهيد او مدخل للحدث النصي، وما وفره تشريحه لنا من

مقاربات دلالية ، ستمثل مفاتيحاً اضافية ستساعدنا في استكمال تحليل وتفكيك بنية هذا الحدث

في المقاطع التالية ، وصولاً الى التعرف على معنى النص النهائي .

يدخلنا الشاعر عالم حدثه النصي :

فبعد توقُّعه ان تنجده عشتار ، وتعصمه من جور الحكام المتألهين ، يصاب بالذهول من وجومها

ويستغربه ، فتوجَّه إليها بهذا الاستفهام التعجبي :

( أغيَّرتْ ملامِحي الأسفارُ)

ـ الاشارة اسفار دالة جمعية وتعني لغة : كثرة الترحال في او خارج البَلَدِ

المقاربة المعنوية لسطح العبارة :

الاسفار هنا ترحال اضطراري لعدم تخصيصها بالاضافة الى ياء المتكلم ، مما يعني وجود

مروِّع قاهر يدفعه لتكرار/ كثرة ترحاله ، رغم مرارة ما يلقاه خلاله من عناء ومشقة

بدلالة ( اغيرتْ ملامحي )

مقاربة معناها التحتاني :

تكرار الترويع القهري ، لابد ان يكون سائداً مستشرياً يتهدده في اي مكان يقصده داخل

الوطن ، فلم يجد منه مفراً سوى محاولة الخروج منه بالهجرة / النفي ،او التهجير داخله ،

وترويع بهذا الاستشراء لابد ان يكون سلطوياً ايضاً .

ومرد استفهامه التعجبي : ان عشتار امه ، والأم لاتخفى عنها ملامح ابنها مهما تغيرت ، او

شوهت الحروب وجهه :

( أم تُرى شَوَّهتْ الحُروبُ وَجْهي )

او وهنت قوته وضاعت فتوته :

( أَمْ لمْ أَعدَ فَتيــاً كمــا كُنتُ )

ـ الحروب : اشارة الى الحروب التي مر بها الوطن في الماضي القريب ( حروب خارجية ) ،

و الوقت الراهن ( حروب داخلية )

ـ لم اعد فتياً : ورود هذه العبارة بعد عبارتين تتضمن الاولى / الاسفار ، والثانية / الحروب

تجعلهما السبب في فقدان هذه الفتوة / الشباب

المقاربة المعنوية لاشارات سطح هذه المقاطع :

الأسفار أوهنته داخلياً / نفسياً (سلبته فتوته) ،والحروب اوهنته خارجياً / مجتمعياً ( اضعفت

صلة وتواصل الاخرين معه ، لما يبعثه فيهم تشوّه وجهه من اشمئزاز و نفور ) ،

مقاربة معناها التحتاني :

الاسفار / تصدع ذاته الجسمية + الحروب / عزلة ذاته الاجتماعية = غربة ذاته الوجودية

وباستدعاء ( الحروب تلك ) باعتبارها المسبب المباشر لانتكاسة ذات الشاعر المجتعية

واخضاعها للتشريح :

الحروب : دال منتَج مدلولياً ، ومنتِج دلالياً :

ــ منتَج مدلولياً : اي ان معناه اللغوي محدَّد له معجمياً

ــ منتِج دلالياً : يُنتج اشارة ايحائية بأن الحروب حَدَث / فعل ، يُقرَّر القيام به / الكف عنه ،

سلطوياً

وباستدعاء المقاربة السوسيوسياسية للالهة ، المار ذكرها آنفاً :

السلطة التيوقراطية سبب الحروب هنا ( سابقاً / حالياً ) كما تكشفه احالة هذه الحروب

خارجياً حيث نجد ان سياقها (التاريخ ـ سياسي) ، بعد استدعاء سيرة الشاعر ( ماورائيات

النص) /كون النص غير مغلق ،يحدِّدها بانها :حروب العراق الخارجية في السابق ( الاقليمية ) ،

والداخلية في الوقت الراهن( الاحتلال وماتلاه من حرب طائفية ، الارهاب ، …الخ )

بتكثيف المعاني التحتانية للمقاطع الثلاثة :

الاسفار( الهجرة/ التهجير) و الحروب السلطوية سبب غربة الشاعر الوجودية ( تش نمس 4)

بذا يخلص الاشتغال التشريحي الى السبب المشترك هو :

السلطة التيوقراطية سبب غربة الشاعر الوجودية ، ولكون هذه السلطة تدعي الألوهية ( رحمة

السماء وعدالتها ) في العلن ، وفي سرها تأتي من الافعال مافيه ظلم وتجنٍ بحق البشر، فهي

أُلوهية مزيفة ، مقنّعة بالمقدس ( تش .نمس 5)

نستأنف متابعتنا الحدث النصي :

كل محاولات الشاعر في استدرار عطف امه عشتار لم تفلح ، مما جعله يظن انها تتخلى عنه

و تتركه ليواجه مصيره وحيداً ، فسعى لإثارة نوازع امومتها نحوه،علها تلفت اليه ،فعطف

على استفهامه السابق متسائلاً :

( امْ أنكِ ماعدتِ الحبيبةَ والأمَّ الرؤومَ؟ )

يضمر الاستفهام هنا معنى تحتانياً مقابلاً لظاهره ،كما يكشف عنه تعالق مقاربات المقطع

الدلالية كما يلي :

الحبيبة ( عشتار ) = الام = الوطن / وفق المقاربات المذكورة سابقاً

الترابط الدلالي بين هذه الاشارات = الحضن / الامان والسكينة

ومقابل الحضن :الغربة والحرمان / المنفى ، التي شاءتها له ارادة السلطة الالهية القاهرة ،

ويأخذه الجزع وهو يلمس ان هذه الغربة صارت اقرب اليه منها ، فراح يهز اعطاف ذاكرتها

ثانيةً بما كانت تحيطه به طفلًا، من الوان العطف والحنو كلما ضاق به الهم وحاصره الخوف :

( الأمَّ التي كُلَّما استحْكَمتْ حلَقاتُها وضاقت؛ أَلْقيتُ بِرأْسيَ على وِسادَةِ كَتْفِــكِ

الدافئة )

فتكفكف دمعه ، وتطلق حمائمها لتبدد خوفه ، حين تحضنها افياء بساتين خصبها ،فتزقزق

الكروم مع صحوة الفجر ، فإذا الفرح يطرد الاحزان من قلبه العاشق لها :

( وذرفتُ الدُموعَ على ضِفافِ شاطِئيكِ، فَتُحَلِّقُ

في سَماءِ وجومي وخوفيِ حمائِمُكِ التي تَلوذُ بأَفياءِ

بساتِينكِ اليانعةِ بالكرومِ، فَتُزَقزِقُ في هَدْأَةِ الغِبَشِ، تُدْخلُ البهجةَ والسرورَإلى قَلبيَ المُتَيَّم

ِبحُبِّكِ )

ثم يخاطبها منادياُ اياها بما يعيد تأكيد انها مدينته ، مدينة الاحلام والزهور ماذَوَيا قط ،

وكأنه يريد اسماع اولئك الآلهة كي يصح عندهم ما وصفها به في حضرتهم :

( أَيَّتُها المدينةُ الغافيةُ على شِموسِ أحلامِنا التي ماانطفأَتْ ولاذَبُلتْ ورودُها في أَكمام ِ

الغًصونِ وإِنْ

اتَخذَتْها الغِربــانُ اوْكاناً و مَلاذاً للرَذيــلةِ والفِجائعِ )

لأنها ربة الحياة المتجددة ، ، ظلت مدينته ( وطنه ) ،أبيةً مصرّة على الحياة ،

فاحلامها تتحدى الظلام لتبقى متوهجة ، وورودها لايسري اليها الذبول . ولاتقوى الغربان ان

تسرق شمسها مهما اقامت لها من اعشاش الفواحش والمحن ، بين اغصان خمائلها :

في هذا المقطع مفردتان مفتاحيتان ( اتخذتها ) و ( غربان ) سأقوم بتشريحهما لاهميتهما

الدلالية :

ـ الاشارة غربان :

بإحالتها خارجياً / الموروث الشعبي :الغربان رمز الشؤم والنحس / لِما ارتبطت به بعض

صفاتها في الذاكرة الجمعية من اشارات مكروهة وتبعث على التطيّروالقلق ، ومن اشهرها :

نعيقها المنذر بوقوع شر + لونها الاسود الموحي بالحداد على الميت + ارتباطها دينياً بقصة

القتل وحفر القبر( قابيل وهابيل )

القراءة التاويلية : الغربان اشارة ترمز الى اعوان ورقباء السلطة لوجود ذات الرابط الدلالي

بينهما ( الشؤم والنحس ) ، اضافة لما ورد في المقطع الاخير ( الرذيلة والفجائع)

فهؤلاء يثير زعيق اوامرهم و نواهيهم في روع الغادي والرائح الخوف والترويع / الشؤم ،

وسيرتهم وافعالهم السوداء بين الناس /الرذيلة،زرعت في النفوس الهلع والتوجس منهم/النحس

،اينما يرونهم ، لكثرة ماألحقوه بهم من شرور / فواجع، (تش.نمس 6)

ـ وان اتخذتها : بنية الفعل النحوية تشير الى ان الفعل بدأ في زمن ماضٍ ، ومازال مستمراً

حتى الوقت الحاضر ، والمعنى التحتاني لهذه الاشارة :

غياب الفعل الرافض المقاوم / المانع لإستمراريته ، وهذا الغياب مردَّه الى احد سببين :

الاول / عدم وجود إرادة جمعية شعبية بالتصدي للغربان و اسيادهم ، وطردهم من

مدينتهم ، وهذا لايتناسب مع كون عشتار الإلهة هي ( المدينة ) ، ومن صفات الإله خارقية

قوته ونفاذية ارادته

الثاني / شدة بطش وتنكيل السلطة بكل متمرد على نير مؤسستها الشمولية الحاكمة ، ونفيها

وتهجيرها كل من تشك بعدم ولائه لها ،وتعتبره عدوا لها ، تحظر على الاخرين التعاطف او

التواصل معه ،والحظر يسري على عشتار بكل صفاتها،كون ارباب هذه السلطة الهةً مزيفين

كما مر بنا ولايقيمون اعتباراً لضديدهم

وهذا السبب هو الأقوى ،لغياب الفعل المقاوم اعلاه ، ويكشف المسكوت عنه من موقف عشتار

نحو الشاعر، فهي لم تتنكر له او تتخلَ عنه،لكنها قُهرتْ من قبل السلطة الجائرة واجبرت على

اتخاذ ذلك الموقف ، لتترك الشاعر في مهب الشك والحيرة ، مما خلق توتراً معنوياً في صراعية

ظاهر الحدث النصي زاد من قوة تماسكه ، وأوسع من مساحة تأويل دلالات اشاراته .

القراءة الفنية للمقاطع اعلاه :

ـ سيميائية لغة هذه المقاطع :

يثضح لنا بجلاء تخلي البنية السيميائية لهذه اللغة ، والى حد كبير ، عن مركبات فنية ملازمة

لشكل النص الحداثوي كالازاحات الحادة ، الاشارات المركبة الدلالات ، والصور المكثفة،

وقصد الشاعر هنا هو مقاربة غائية خطاب ( بث اللوعة ) / التعبير عن الهم بنبضه ( معناه )

لا بوصفه ( شكله ) ،

وكانت الاحالات الخارجية سمة السياق اللغوي البارزة،مما يدل على الحاجة لإستدعاء

السياقات الماحولية،لتشارك بتكوين المعنى، لكونه واقعي الدلالة (له مقارب معاش في حياة

الشاعر )

ـ بنية المقاطع الصوتية :

اعتمد الشاعر كبنية ايقاعية رئيسة ،النَّبْر( صوت الحرف) في مقطع الكلمة، والمد الإطلاقي

المرتفع / اطلاق الصوت نحو الاعلى ، وهذا يكون بحرف المد ( الألف الساكنة وقبلها مفتوح )

وهو اشدُّ علواً من المد بالواو او الياء ( مدهما افقي ) ، وكما يلي :

ـ النبر : كان الحرفان الاكثر تكراراً في مفردات المقاطع اعلاه هما :

* النون / 14 مرة : 11 مرة صوت الحرف ذاته +3 مرات صوت النون من حركة التنوين

* الميم / 28 مرة

فيكون مجموعهما / 42 مرة

وهما حرفان جهريان ( الجهر اصطلاحاً : الوضوح في السمع )

ومقارنةً بأكثر الحروف المهموسة وروداً في المقاطع ذاتها :

ق : 7 مرات + س : 8 مرات + ح : 9 مرات =24مرة

في مقاطع يبلغ عددها / 10

نجد طغيان صوت الحرفين الجهريين على اصوات المهموسة .

ـ المد الاطلاقي / 32 مرة ثلثها سُبقت بالنون والميم .

اما حرفا ( الكاف / التاء ) فالاول( ماكان منها متحركاً بالكسرة هو ضمير المخاطبة ) يمثل

احالة داخلية على عشتار ، فيفيد التوكيد بالحرف ، كما هو الحال مع التاء ( ضمير المتكلم

المرفوعة )،توكيدية لما تدل عليه (الشاعر)،وماكان منهما ساكناً فهو انطفاء صوتي لايُعتدُّ به

ايقاعياً وماتبقى منهما لاينازع نغمة الحرفين الجهوريين قوة ووضوحاً .

لذا نجد وجود بنية صوتية تنغيمية حزينة مركبة من ايقاعين اساسيين :

الاول / اشهار صوت الحزن والحسرة والالم وهو مايثيره في النفوس صوت الحرفين

الجهريَّين المذكورين ، بحكم وجود التوافق الدلالي بينهما .

الثاني / المد الاطلاقي :لما له من دلالة نفسية تعني التعبير عن اطلاق واعلاء صوت الاحتجاج

واللوعة هنا،(يأخذ هذا المد دلالاته الصوت ـ نفسية،في المفردات التي لم يسبق فيها بذالكما

الحرفين الجهوريين من دلالة المفردة ذاتها )

من الصعوبة بمكان ان يكون هذا البناء الصوتي مقصوداً من قبل الشاعر وإلّا لفقد النص بمجمله

سمة ( اللاتكلّف / التصنع ) التي نلمسها في تدفق اللغة وانسيابيتها دون عثرات او مطبّات

بنائية ، او توسلات فنية تزويقية، فكل لفظ في المقاطع كان مستدعىً بعفوية ليعبر عن معناه

في فضاء نصٍ تبرق في آفاقه جعجعة هذه التصارعات التوترية :

الوعي شعور / اللاوعي لاشعور ، واقعية الذات الخارجية / حسية الذات الداخلية

وهذه التصارعات تعكسها ( الاصوات الجهرية / المهموسة ) ، تدل على ان الشاعر كان

مسكوناً ( بهم ) هو المنتِج للنص ، وليس العكس .( تش . نمس 7 )

وبعد يأس الشاعر من اثارة عطف عشتار عليه ، راح يجهر بمخاوفه من تخليها عنه وكأنه

يستعطفها للمرة الاخيرة ان تتداركه قبل ان تطويه لجة الضياع ،فخاطبها ناهياً متوسّلاً :

(لاتَشِيحي بنظراتِكِ عَنْ وَجهي)/ متوسلاً كون النهي من الادنى الى الاعلى شأناً(عشتارالإلهة)

والمعنى اللغوي لهذه الاشارة الفعلية اذا عُدِّيتْ بحرف الجر الباء يكون :

أشاحَ بِـ : أَعْرَضَ تَكَرُّهاً

و تَكَرَّهَ الشيءَ : كَرِهَه

فهل كرهته عشتار فأشاحت بنظرهاً عنه ؟؟

بالعودة للاحالات الداخلية لعشتار وسبب وجومها ازاء نداءات واستفهامات الشاعراياها ، نجد

انها اشاحتها مرده إكراهياً ،اي ان السلطة اكرهتها على الإشاحة عن وجهه ، لأنها حظرت على

الجميع التعاطف معه ،ونظرها الى وجهه ،يُعد كذلك،ولكون الشاعر لايعرف هذا الامر الاكراهي ، ولاينتظر من إلهته سوى المعجزات

فقد اخذه الظن بانقلاب محبتها اياه كُرهاً

المقاربة الدلالية :

السلطة الجائرة تتخذ ابشع قرارتها التي تقرر مصائر الناس خفية دون اعلان ، لتوقع بينهم

الفتنة واثارة شكوك بعضهم ببعض (تش . نمس 8)

ننتهي الى مقاطع النص الاخيرة ، والشاعر حافظ على ذات البنية السيميائية والصوتية للغته

، ، لذات القصد المذكور في دراسة المقاطع السابقة ،مع الاكثار من الاحالات الخارجية في

سياقها لغاية سنوضحها لاحقاً

حيث يقول :

{ فماعُدْتُ أحتملُ أنْ أسمعَ (البقاءُ للهِ)، نَعم، البقاءُ لله، لكنَّني أصْبَحْتُ مَأْتَماً كَبيراً كَثُرِ فيهِ

المُعَزُّون، وتناوبَ عليهِ الجِميعُ، بُتُّ لاأُفِرِّقُ بينَ القاتلِ والمُعَزِّي، اْختَلَطَتِ الوجوهُ وتماهتْ القَسَماتُ

مع نياحِ الثُكالــى اللَّواتي لم تَعُدْ الطُرقاتُ تَتَسعُ لِسَرادقِ أَحبَتِّهِن، هلْ

ضاعَ كلُّ شيء؟ إرثُ أبي، أرضهُ، منِجَلهُ، سنابلُ بيَدرهِ احْترقَتْ، ولم تعدْ للرَحى أَسْنانٌ

إذْ صارَ كُلُّ شَيء ٍرَماداً، هباءً مَنثوراً، أركانُ بيتِنا الطِينيِّ تهاوتْ، بُويبُ السيَّابِ جَفَّ، ونافذةُ

قَمَرهِ تَكسَّرتْ صارتْ مأوىً للخَفافيشِ التي لم يَعُدْ ثَمةُ قَمرٌ ينأَّى عن شُرْفَتيَها ساعةَ السَحرِ

،عُيونُكِ أصابَها الرمدُ وأنا هُنا أَقِفُ، لَسْتُ أَدري أيِنَ اذهبُ، أنا الغَريبُ الذي ضَيَّعه الخَليجُ،

أَصْرخُ في البلادِ فيرجعُ الصَدى

كأَنه ُالرَمادُ،،أَصيحُ يامدينةُ،،يامدينةُ، فتموتُ في شِفاهي الحروفُ في لكْنَتي الغَريبةِ الحَزِينة،}

مايعرضه الشاعر هنا هو كشف عن وجوه ( الرذيلة / الفجائع ) التي ختم بها المقاطع السابقة ،

سأشير بدءاً ، في ادناه ،لدلالة اشاراتها الفعلية، بعدها اقوم بمقاربة دلالية للمقاطع

التي يحجب معناها الفوقاني الآخرالتحتاني ، وكذلك الاشارات الاحالية الخارجية :

ـ اشارات الرذيلة والفجائع :

ما عدت احتمل / اصبحت مأتماً / كثُر .. المعزون / تناوب / اختلطت الوجوه / تماهت .. مع/

لم تعد … تتسع / ضاع / احترقت / لم تعد / صار .. / تهاوت / جف / تكسرت / اصابها /

اصبح / تموت

ماضوية زمن هذه الاشارات الفعلية ( بما فيها / لم تعد ، فحرف جزمه ، جعل حاضره

منقلب الى الماضي ) تدل ، على ان الفجيعة ومنها غربته، قد وقعت وعمّت المدينة / البلاد

واهلها ،

ـ المقاطع الحاجب ظاهرُ معناها تحانيته :

* (بت لاافرق بيت القاتل والمعزي)

مقاربتها الدلالية : كثرة الاتباع و عيون السلطة ( وهم السبب المباشر في موت / قتل ) الناس

بما يزودون السلطة من تقارير وبلاغات ظالمة عن نشاطات المناوئين لها( طمعاً بعطاياها )

فتحكم باعدامهم لأبسط الاسباب ،حتى بلغوا من العدد ان امهاتهم الثكالى ( لم تَعُدْ الطُرقاتُ

تَتَسعُ لِسَرادقِ أَحبَتِّهِن )، ودلالة على كثرة اولئك الاتباع و مجهوليتهم ( اسماً وشكلاً ) بات من

يتقبل العزاء بمن اعدم من احبته ، يشك حتى بالمعزين لئلا يكونوا من اولئك القتلة

* ( هل ضاع …)

الاستفهام هنا مجازي يفيد التعجب ومتضمن معنى الانكار ( الاعتراض ) لوجود قرينة :

الشاعر يتعجب بإنكار من تحقق ضياع ( إرثُ أبي، أرضهُ، منِجَلهُ، سنابلُ بيَدرهِ احْترقَتْ، ولم تعدْ

للرَحى أَسْنانٌ ،)،وقرينة التحقق وجود / اذ الظرفية الدالة على الزمن الماضي ( إذْ صارَ كُلُّ

شَيء ٍرَماداً، هباءً مَنثوراً،) ، والماضي فعل مؤكد بذاته لتمام حصوله

*(وأنا هُنا أَقِفُ، لَسْتُ أَدري أيِنَ اذهبُ )

مقاربة المقطع الاول : الشاعر يؤكد انه لم يغادر وطنه ( وانا هنا ) وهو يصرخ في

البلاد / الصراخ دليل اعتراض ،لكنه مغرَّبُ عن ذاته (مرّ ذكره سابقاً )،مطفأ الحركة ( اقف )

ومحاصرُ بالعيون بالاحالة على المقطع ( بتُّ لاافرق … ) اعلاه،لذا فالعجز وفقدان الحيلة

يلفّانه (لست ادري) فلا يهتدي لملاذ ( اين اذهب ) بعد ان توهم ان عشتار / المدينة ،قد

تنكرت له كما مر بنا

تكثيف المقاربة :. الشاعر يعيش غربة في وطنه ( تش . نمس 9 )

ـ الاشارات الاحالية الخارجية :

1 ـ احالات عامة :

ـ ( البقاء لله ) : احالية على السياق الاجتماعي / التقاليد والاعراف : عبارة مواساة يقولها

المعزّي لمن غيب الموت عنه عزيزاً

ـ ( الخغافيش ) : احالية على علم الحيوان : ثديات تطير ، تنشط ليلاً ، تنام بالمقلوب ( رأسها

للاسفل ) ، لها عيون كبيرة لاتبصر بها ، بعضها مصاص للدماء

مقاربتها الدلالية : عيون واعوان السلطة / لوجود اكثر من رايط دلالي بينهما:

فهم متنكرون زياً وهيئةً / ثديات تطير ، عملهم المرعب كمداهمة بيوت الناس واعتقالهم اكثر

مايكون ليلا ، يرون الحقائق بالمقلوب ، ولايبصرونها كما هي ، يعتاشون على دماء ضحاياهم

2 ـ احالات خاصة / السياب وشعره :

أ ـ (ولم تعدْ للرَحى أَسْنانٌ) / ( بيتنا الطيني )

ب ـ ( بويب السياب )

ت ـ ( نافذة قمره ) :

ث ـ ( ينأَّى عن شُرْفَتيَها ساعةَ السَحرِ )

ج ـ ( عيونك أصابَها الرمدُ )

ح ـ ( أَصْرخُ في البلادِ ) / (اصيح يامدينة ، يامدينة )

خ ـ ( أنا الغَريبُ الذي ضَيَّعه الخَليجُ )

د ـ ( فيرجعُ الصَدى كأَنه ُالرَمادُ )

ـ الاشارات / أ ـ ح :احالية على سياق تاريخ الادب المعاصر/ السياب،سيرته وشعره

وهي تناصية مع بعض الاسماء و اجزاء من مقاطع شعرية وردت في قصائد السياب وكما يلي :

ـ الاشارة / أ : ( ولم تعدْ للرَحى أَسْنانٌ) احالة على قصيدة ( انشودة المطر ) / المقطع :

( رحى تدور ….

تطحن الحجر .. )

انعدام الاسنان الرحى ازاحة معنوية عن : تعطلها عن عملها بسبب فقدان السنابل ( سنابلُ

بيَدرهِ احْترقَتْ)، كما يتعطل الكهل عن مضغ الطعام لافتقاده الاسنان

ـ الاشارة / أ : ( بيتنا الطيني ) تناصية مع ( دار جدي ) الواردة في قصيدة بذات العنوان

مقاربتها الدلالية :

بيت العائلة الكبير اشارة ايحائية بأنه / الوطن ، بدلالة ( طيني ) اشارة لعمق تاريخه القديم

،حيث كان الطين اول ما استخدمه العراقيون القدماء / السومريون كمادة رئيسة في تشييد

بيوتهم ومختلف مبانيهم . و ( اركانه تهاوت ) :

تهاوت جوانبه / تكثيفها الدلالي : تداعت حدوده فما عادت ترد دخيلاُ او تمنع طامعاً بفعل

اهمال / رذيلة السلطة القاهرة ( تش نمس 10)

ـ الاشارة / ب : تناصية مع نهر (بويب) ذي الحضوره الراسخ في الذاكرة السيابية ،كرمز

لعنفوان الحياة ، وجماليتها

مقاربة وروده في النص مسبوقاً بالفعل ( جف ) :

تلك الرذيلة والفجائع عمت سائر ارجاء الوطن وقتلت فيه جمالية الحياة ( تش نمس11) .

ـ الاشارات / ت ، ث ، ج ، د : تناصية مع مقطعين من قصيدة / انشودة المطر:

احدهما :

( عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ ،

أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر ).

والآخر :

( فيرجعُ الصّدى

كأنّه النشيج ) .

يخاطب السياب في المقطع الاول ،المؤلَّف من عبارتين ،عشتار الإلهة السومرية بدلالة (نخيل)

ذات الرمزية المركبة :

رمزية ايحائية بالخضرة والثمر / الخصب وهو اثر عشتاري

رمزية مكانية : جنوب العراق حيث مهد النخيل وسومر

و ( السَّحر / تجدد الحياة ) ، فتكون عشتار هي المشترك الذاتي والموضوعي بين الشاعر

( في نصه ) والسياب ( في قصيدته )، وهذا هو السبب المباشر لقيام الشاعربإستدعاء

السياب ( الشاعر ) دون غيره،والتناص مع بعض مقاطع قصائده ذات الصلة ،بقصد تعميق

ومقاربة دلالات صور واشارات مقاطعه النصية ، ومعناهما التحتاني ، اما السبب غير المباشر هو

ما عرف عن السياب ( الانسان الوطني) انه عاش غربة وجودية مزمنة سببها الرئيس دوام تعرضه

( للقهرالسلطوي ) ،مما يعزز من دلالة غربة الشاعر في النص ,

وجاء التناص مع ذلك المقطع كمايلي :

( ونافذةُ قَمَرهِ تَكسَّرتْ …………… التي لم يَعُدْ ثَمةُ قَمرٌ ينأَّى عن شُرْفَتيَها ساعةَ السَحرِ

،عُيونُكِ أصابَها الرمدُ …………….. ، اَصْرخُ في البلادِ فيرجعُ الصَدى كأَنه ُالرَمادُ

،أَصيحُ يامدينةُ،يامدينةُ،)

دلالات الصور والاشارات العشتارية في التناص ،مقابلة لمثيلاتها في مقطع القصيدة السيابية

فالشاعر يقرُّ في تناصه ببراءة عشتار من شكوكه واتهاماته اياها بخذلانه ، حين يشير ضمنياً

الى تعرضها هي ايضاً الى فجائع السلطة ؛ ( فقمرها ) مُنع عن النأي عن شرفتيها ، لأن

(السَّحَر) ماعاد يبشّر بتنفس الفجر ( ديمومة الحياة ) ، فاتباع تلك السلطة اقاموا لهم مأوىً في

نافذتها ، فاصابوها بالرمد ، كل هذه الاشارات متقاطعة مع مثيلاتها في المقاطع السيابية اعلاه .

مقاربته التأويلية :

بالرجوع لما تناص الشاعر معه من المقطع السيابي ( عيناكِ ….أو شُرفتان راح ينأى عنهما

القمر ) فإن شرفتَي النافذة ، اشارة لعَينَي عشتار،واحتشاد الخفافيش فيهما اغرقهما بالعتمة ،

فيكون الرمد ( دلالته المعنوية : إضعاف الإبصار بدلالتيه : الرؤية بالعين و العلم بالشئ ) اشارة

لتلك العتمة

والمعنى التحتاني هنا :

ان السلطة كانت قد جرّدت عشتار من ألوهيتها وصيّرتها كائناً أرضياً ، فالالهة لايُصابون

بالامراض .

ولايجد الشاعر مايعبر به عن موقفه الرافض لما لحق بها من ( قهر ) ، وهو المحاصر به كما

اسلفنا ، سوى الصراخ ( في البلاد ) ،و الصياح ( في المدينة ) ، لكن ( الصدى كأنه رماد )

، و الرماد اشارة للحرائق التي اشعلتها السلطة في البلاد , ( تش نمس 12)

المقاربة الدلالية :

الصدى رد فعل . فكان رد فعل السلطة على موقف الشاعر الرافض لها / الصرخة ، الامعان

في معاقبة البلاد/ عشتار بالمزيد من الحرائق

ـ الاشارة / ح : تناصية مع مقطع في قصيدة سيابية اخرى ( غريب على الخليج ) /المقطع :

( الريح تصرخ

بي عراق ) ، وقد تمت الاشارة اليها في دراسة المقاطع السابقة في اعلاه .

ـ الاشارة خ / ( أنا الغَريبُ الذي ضيعه الخَليجُ ) :

/ ( الغريب ) تناصية مع ذات المفردة في عنوان القصيدة اعلاه

وقد تم ربط دلالة هذه الاشارة بغربة الشاعر كما مر بنا

ـ الخليج : تناصية مع مثيلتها في ذات القصيدة :

الرابط الدلالي بين اشارتي الشاعرين باستدعاء السيرة السيابية :

ورود الفعل ( ضيّع ) في مقطع الشاعر هو مقاربة دلالية لضياع حلم السياب بالعودة للعراق

بعد ان هدّه المرض وكبّله الفقر ،وهو خلف امواج الخليج المتلاطمة( الكويت)

والشاعر هنا عقد تناصا ( وجوديا ) بين غربته وغربة السياب، للتدليل على ضياع

ذات الحلم / العودة للعراق ، فغربة الشاعر في الوطن تكافئ غربة السياب بعيداً عنه، كلاهما

مبعدان / منفيان ، عنه خلف حدود القهر السلطوي ، السياب ضيّعه العراق منفياً في الخليج ،

والشاعر ضيعه الخليج منفياً في العراق /

ويختم الشاعر نصه واصفاً بلوغ القهر السلطوي غايته في تغريبه وسلبه حتى هويته :

( فتموتُ في شِفاهي الحروفُ في لكْنَتي الغَريبةِ الحَزِينة،)

فأن تموت لغة الانسان ( جذر وجوده الاساس ) ، وتصبح لكْنتُهُ ( محلية او مكانية نطق

اللغة / اللهجةالكلامية ) غريبة فهذا يعني انقطاع صِلاته بأقرب الناس اليه ويكافئ هذا دلالياً :

غربة الغربة ( تش نمس 13 ) .

البنية الصوتية للمقاطع :

لاتختلف هذه البنية عن سابقتها في المقاطع قبلها ،في هيمنة صوت حرفَي الجهر ( النون

بنوعيها 34 مرة / الميم 26 ) بدلالتيهما النفسية ( الحزن ، الالم ، الحسرة ) ، مع المد

الاطلاقي / 37 مرة .

وتأكدياً منه لهذه الهيمنة ، ختم ( بصوت النون ) اخر مفردة في النص ( الحزينة )،

حيث جاءت صائتة قبل الحرف الاخيرالمتوقَّف عنده ( التاء المربوطة )

اخيراً :

ماالذي اراد الشاعر ان يوصله الينا بخطابه النصي هذا من معنى ؟ وماهي مساهمة المتن

( النص الفرعي ) في الكشف عن دلالة العنوان / النص الاصلي ، وتقدير المحذوف من

جملته / المبتدأ

سأستدعي النص الخفي ، الذي تشكل حذاء هذا الظاهر ، والذي اشرت الى خطوات صيرورته

التصاعدية بهذه العبارة الترميزية المرقمة ( تش . نمس ) ، ثم نقوم بتجميع مقارباتها

الدلالية تصاعدياً وصولاً لتحديد معناه ( ساذكر كامل العبارة الاولى ثم اكتفي

برقمها فيما مابعدها :

العبارة ( تش نمس 1 ): ارتهان الحياة بإرادة نقيضها

(2 ) :الحكم ( الآلهاتي ) على الشاعر بالتغرُّب عن مكانه

(3) : عشتار وطن الشاعر / العراق ، يظنها الشاعر قد خذلته

( 4 ): القهر السلطوي الآلهاتي ( نسبة للآلهة )،هو سبب هجرة / تهجير الشاعر،وويلات

الحروب التي اكتوى بنيرانها

(5):هذه السلطة ( تيوقراطية / صوت الله في الارض ) فهي مقدسة لاراد لحكمها وهي

من قررت غربة الشاعر الوجودية

(6): لهذه السلطة عيون واتباع هم ادواتها لقهر الناس

(7): استوطن الهم والالم روع الشاعر بسبب غربته وقهره سلطوياً

(8): هذه السلطة تقرر مصائر البلاد والعباد لوحدها خُفيةً كي تباغتهم وهم غافلون

(9):عجز الشاعر عن ايجاد مهرب ( منفى ) له ،/ فعاش غربة داخلية منفياً عن ذاته

(10) :هدت فواجع السلطة اركان الوطن / حدوده ، فاستسهل الطامعون اجتيازها والتجرؤ

على سلامه وكرامته

(11):رذائل السلطة طالت رموز الحياة والجمال في الوطن

(12): السلطة القاهرة جردت عشتار من ألوهيتها / أرضنتها ،

فعرف الشاعر براءتها من شكوكه فاعترض عما لحق بها بالصراخ

(13) الشاعر صار يعيش غربة داخل غربته ( منفٍ في وطنه )

مقاربات دلالات هذه المركبات للنص المستدعى :

المقاربة الاولى ـ عشتار هي عراق الخصب ( تجدد الحياة ) والجمال وتفتُّح الاحلام ، والام

الحانية على ابنائها فهي إلاهة حقيقية، مقابلها سلطة قهرية تتقنع بالالوهية لتستر ظلاميتها

وكرهها لكل شئ جميل في الحياة ،

المقاربة الثانية ـ عشتار تعني فضح حقيقة هذه السلطة وسقوط اقنعتها

المقاربة الثالثة ـ السلطة تقرر لدوام سلطانها قتل من تهدده بالزوال عشتار بقتل توأمها

العراق و تغريب ابنائه عن وجودهم ( نفيهم فيه )

بتكثيف المقاربات للحصول على معنى النص المستدعى :

عشتار = إلهة

الإلهة = الخلود

بإزاحة المشترك :

عشتار = الخلود

بإستدعاء توأمها :

عشتار = العراق

بازاحة المشترك :

العراق = الخلود

فيكون المعنى : العراق لايموت لأنه خالد ،وسيخيب القهر السلطوي مهما كانت فواجعه .

اما عنوان النص :

تمثل عشتار البؤرة في نص الشاعر وفي ( انشودة المطر ) مما يفسر كثرة تناصه معها بدءاً

بعنوانها ( انشودة ) الذي يشعرنا بدوره بتناص آخر معدول مخبوء ، بين / المطر، و / القهر

( عند الوقف على الراء تفتح الهاء لتسهيل النطق بها ) فتتقارب ايقاعا و صورةً ،وقام الشاعر

بتعديل الاولى على الثانية فجعل ( المطر ) ( القهر ) لسبب دلالي

وباستدعاء (تجميع نتائج تفكيك العنوان ) في بدايات الدراسة :

الانشودة / حركية حياتية جميلة + القهر/ موت معنوي =ارادة الحياة مرتهنة بمشيئة نقيضها

وبما ان عشتار تعني كل ماهو جميل فهي انشودة الجمال ، ولانها تعيش العراق المقهور بجور

حكامه بكل عذاباته وفواجعه فهي انشودة القهر العراقي ، تنشد عذاباته وفواجعه على قيثارة

الزمن على مسامع الدنا ، وباختزال العبارة لتكرر الاسم ، يصبح عنوان النص المستدعى :

( عشتار انشودة القهر )

ـ باسم عبد الكريم العراقي

About The Author

Contact