×

التفضّي وديناميكيّة النّصّ الشّعري في “رؤى وأحلام” للشّاعرة زينب حسيني/ قراءة الناقدة زهرة خصخوصي

التفضّي وديناميكيّة النّصّ الشّعري في “رؤى وأحلام” للشّاعرة زينب حسيني/ قراءة الناقدة زهرة خصخوصي

                                                          

التفضّي وديناميكيّة النّصّ الشّعري في “رؤى وأحلام” للشّاعرة زينب حسيني

                                                           قراءة بقلم زهرة خصخوصي

لكل قراءة نقدية سلطتها في اختيار نصها الذي يستجيب لخصوصيتها منهجا ومقاصد ورؤى، لكنها لا تفوق سلطة النص قوة في توجيه مسارها نحو مجاهيل المآلات في غمرة مغامرة تشكيل الذات القارئة تشكيلا محكوما بالسياقات، مسكونا بالمرجعيات الثقافية والأيديولوجية وغيرهما.

من هنا شاءت ” رؤى وأحلام”، المجموعة الشعرية البكر للشاعرة اللبنانية، ان تفرض سلطانها ونحن نروم ان نلج عوالمها الجمالية والدلالية، فتبدت لعبة الفضاء فيها أسا جماليا موجها نحو التوقف عنده والبحث فيه وصفا ومساءلة وتأويلا. فالفضاء بما هو مصطلح حديث يتجاوز حضوره في النص الأمكنة التي تدور فيها الأحداث سرديا، او تتمركز حولها الفاعلية الشعرية – والعبارة للدكتور حسن نجمي في كتابه ” شعرية الفضاء السردي(1) – يطال العبارة والجملة في النص، كل علامة نصية تصبح قادرة على أن تتفضى لعوالم دلالية ممكنة تمتح مشروعية القول فيها من السياقات النصية والمؤشرات اللغوية، واتساع مجال القراءة التأويلية.

وقارئ ” رؤى وأحلام” للشاعرة زينب حسيني يلاحظ تعدد أشكال الفضاء فيها، واختلافها، رغم توظيف دقيق بيَن، لها، من طرف الشاعرة لتكون حمَالة همومها الذاتية الجماعية، تلك الثاوية في البنى العميقة لعوالم دلالية ممكنة. وتعدد الفضاءات هذا: فضاء الاسطورة، فضاء الرمز، فضاء الفكر الفلسفي، فضاء التناص، فضاء العنوان، وغيرها، يجعل القارئ أمام إشكاليات شتى مثل إشكالية الفضاء والمرجع، إشكالية الفضاء والسياق، إشكالية الفضاء واللغة، إشكالية الفضاء وتشكيل المعنى، وهي إشكاليات لن تهتم هذه القراءة بالبحث فيها، وإن كانت ستتوقف عند بعضها وتومئ إلى بعض آخر.

1 ـ  فضاء الأسطورة:

في قصائد ” رؤى وأحلام” تحضر الإحالات الأسطورية حضورا لافتا نظر القارئ، وهو شأن ماهو بالغريب عن القول الشعري، لكن ” الغريب” فيه في هذه القصائد هو خروج الأساطير عن الوظيفة المألوفة الموكلة إليها شعريا؛ حيث تخرج عن كونها حاضرة للإسهام في تشكيل الصورة الشعرية إلى كونها تتفضى لتحمل عوالم دلالية ممكنة يرسم خطاطتها السياق النصي والمرجعي الفكري والانفعالي والاجتماعي والسياسي…

 فالشاعرة زينب حسيني تتوسل بأسطورة الفينيق في قصيدتها “انا وأنت”، مثلا، لتشكلها فضاء يرحب للحلم والتوق واتساع صورة العشق للجمال والخلود؛ إذ نلفيها تنشد:

 واللامكان

 وزمان ننسى فيه الزمان

 نعود شعلة

 تبعث من رماد…

 تتعاضد جملة من الأسطوريمات في هذا المقطع الشعري، هي شعلة، تبعث، من رماد، لتشكل أسطورة الفينيق الذي من رماده يبعث نورا خالدا لا يفنى، وبهذا التشكل تتفضى هذه الاسطورة في سياق القول الشعري المخصوص في هذه القصيدة لتمسي فضاء شعريا حاملا دلالة تحقيق الحب، وحده، للخلود الإنساني، بمحارق الشوق فيه تزهر خمائل الحياة والفرح، ويفقد الزمان بوصلته المتجهة نحو الفناء، في خطاطة مسار اتجاهها العٓود إلى أسَ معنى الحياة الأول، وهو الخلود في جنان الفرح والضياء.

أما أسطورة تموز فإن الشاعرة تستدعيها في قصيدة ” ألا تخجل”، لا لترسم صورة التجدد والنضار، بل لتطرح على القارئ تمثلا ذهنيا للبطل المنشود المنقذ من الخراب، تمثلا يحمل في جرابه معاني الوجع العربي الراسخ وشما في التاريخ، وسما للشعوب، ووصم عار للساسة وأولياء الأمر. تقول الشاعرة:

أين تاريخ العرب؟

متى سيصحو تموز

 ويردم الخراب؟

اين من سيزرع الفرح؟

تتفضى أسطورة تموز هنا، في خطاطة مسار نحو اليقظة والحياة، وخطاطة قوة ردم الخراب وزرع الفرح، لترحب لدلالات الألم والأمل ضدان يتعالقان ويتعانقان، في وجود أحدهما كينونة الاخر، يتداولان الحضور والغياب تداولا أبديا. ولسيزيف الأسطوري حضور لافت النظر في هذه المجموعة الشعرية، سيزيف وصخرته التي يظل يدفعها – دون كلل، او ملل من خيبات الجهد المتتالية – بعزم على ألا تسقط، وبأمل الانتصار على سلطة الآلهة التي تشقيه بالعجز واللافعل. لكن لهذا الحضور أشكال تختلف عن تلك الكينونة الاولى، ففي المقطع التالي من قصيدة “وعد”:

 “وكم من مرة أهوي

 وسيزيف يحملني

 ويسألني ملاك الحب

 عن صخرتي

 فتفضح العينان لفتاتي”

 تضحي الذات المتلفظة الصخرة التي يكابد سيزيف كلكل دفعها نحو العلا، لتضحي الأسطورة – باستدعاء ساخر لها – فضاء حمَال دلالة التعلق بالدنى والتهاوي ياسا وقنوطا وعجزا وهوانا، في ظل واقع يكسر براعم الحلم، ويجهض أجنة الأمل والعزم.

 وفي قولها في قصيدة قلم واجف:

 تتخيل كم من قرابين تدفع

 لسلام عقوق لا يؤوب

 تردد وتردد وسيزيف يعيد

 كم من سقطة سنسقط

 لتكتمل الولادة

 ويزهر ربيعنا من جديد”

 يمسي سيزيف المرجعي، الباحث عن معنى اللاعجز واللاهوان، المشكل خطاطة الفعل الدؤوب نحتا للمراقي نحو العلا، مجرد صدى لصوت الإنسان، هذا الآخر الذي يسكنها جمعا في صيغة المفرد، صدى يعيد ترديد السؤال الوجودي الحارق:

 ” كم من سقطة سنسقط

 لتكتمل الولادة

ويزهر ربيعنا من جديد؟”

 وبتحول صورة سيزيف الاسطوري الشاعرة تستدعيه وتشكله من جديد، نلفي انفسنا، باعتبارنا قراء نرافق النص لنحاوره، امام فضاء أسطوري يرحب لخلق أسطورة جديدة معاصرة هي أسطورة الإنسان الحائر حيرة تفوق حيرة سيزيف الابدية، أسطورة الإنسان الذي بيده السؤال وجوابه، المتاهات وخرائطها، قلاع الحياة الموصدة دونه، ومفاتيح ابوابها، إنسان المتناقضات واللا قرار، القلق كأنه يمتطي صهوة القلق، الجامح نحو آفاق الحلم كأنه على جناح الرياح، العالق في الالم والهوان كأنه الموثق إلى الرواسي.

 هكذا تحضر اسطورة سيزيف في قصائد ” رؤى أحلام” بتمثل آخر مخصوص فيه تصبح فضاء لتشكيل صورة أخرى للصراع الهباء، للذات الخانعة، فضاء مسكونا بالواقع المرجعي للإنسان العربي المضمخ بوجع التهاوي وآلام خيبات متلاحقة لا تهدأ، تحاكي التمثل الأسطوري للفعل البشري في أسطورة سيزيف. وهكذا تتشكل الأسطورة، باختلاف أنواعها، فضاء حمالٓ دلالات ثاوية في ممكنات فعل التلقي، بدل أن تكون تلك الأسطورة المستحضرة عبر التشبيه لبناء الصورة الشعرية كما في قصيدة “زهرة فوق الركام”:

 سارتفع كطائر الفينيق

 نحو كوكب آخر

 وأغني أغنية الثورة

 من فوق الركام ودخان الحرائق”

2 ـ الفضاء الفلسفي:

 يتفضى الفكر الفلسفي في قصيدة “انا وانت”، حاضرا من خلال طرح جديد للكوجيطو الديكارتي في قول الشاعرة:

“نحن الآه

 والمعنى الذي تاه

في اللامعنى

 سنقول للحياة

 كوني لتكون

 أنا أحيا إذن أنا لي وجود

 وبعد توهان

 نعود

 وتزهر في الأرواح

 كل الوعود”

 وهو طرح تصبح فيه الحياة أسَ الوجود وجوهره، الحياة بشمولية المعنى فيها، وتعدد القيم السامية الدالة عليها، وفيه يتحول بناء الكوجيطو الديكارتي الفلسفي، الفضاء المرجعيَ، ويُخلق شعريا خلقا آخر يتفضى لتشكيل خطاطات استراتيجيات الدلالة الشعرية التي تظل محكومة بخصوصية القارئ وفعل التلقي مرجعيات وممكنات ورؤى.

3 ـ فضاء الرمز:

 تتعدد الرموز في قصائد ” رؤى وأحلام”، رموزا دينية، ورموزا عقدية خرافية، ورموزا شعبية حكائية… وهي رموزا تُبين في حضورها النصي الشعري عن رؤية شعرية مخصوصة تطرحها الشاعرة، رؤية يخرج فيها الرمز عن وظيفته الإحالية التي تسهم في تشكيل الصورة الشعرية، إلى فضاء دلالي يهب القارئ مفاتيح الولوج إلى رحاب القصيدة، ويشقيه بفعل السؤال ويمتعه بفعل التأويل.

 في قصيدة “أشعل قناديلي” نقرا:

 “قم يا أدون معي

 وانفض عن أهدابك

 ذرات الرماد

 قم نواصل التجوال

 فنيروز عاد

ولن يوقف الصقيع زحف الربيع”

 فنلفي انفسنا أمام حضور المرجع الديني “أدون” رمز السيادة والقوة والاساس في الكتاب المقدس، رمزا تستدعيه الشاعرة لتشكل فضاء دلالي فيه تجتمع معاني العزم والأمل والفعل البناء، عبر خطاطة قوة أساسها نفض الرماد ومعانقةالنضار، وخطاطة مسار يتواصل عبرها مشهد ديمومة الفعل ومواصلة نحت الخطى في درب الوجود.

 كذلك تستدعي الشاعرة نيروز، الرمز ذا المرجع الفكري الاجتماعي الفارسي القبطي، الدال على السعادة والتجدد، فضاء لا يتسع فقط لصورة الربيع والتجدد والحياة، بل يتجاوز ذاك إلى دلالات الانتصار بعد الانكسار، والافراح بعد الاتراح، والقدرة على الفعل بعد العجز وتلاشي الأمل…

 أما في قصيدة “أشعل قناديلي”، فينتصب ايوب في هذا المقطع القصير صوتا للوجع الذي لا يترمد :

 “أيوب ضج بالأنين

 بالجراح وبالعذابات…”

وينتصب كذلك فضاءً للثورة على هذا الوجع، ضِيقا به وتمردا عليه، وتوقا للفكاك منه طلبا للحياة واستجابة لنداء ابي القاسم الشابي:

 ألا انهض وسر في سبيل الحياة      فمن نام لم تنتظره الحياة (2)

وبذلك تشكل لنا الشاعرة رمزا جديدا، ايوب رمز الصبر والنجاة، رمز الألم والأمل، رمز الاعتقاد اليقيني بأن كل حال وإن طال مداها، إلى زوال، رمزا فضاء للدلالة على مرجع واقعي إنساني أليم، وسياق واقعي وطني لبناني مضن، وللدلالة على مرجع نفسي وفكري ديدنه المقاومة والكفاح والنضال من أجل الظفر بأسمى معاني الحياة.

 وتحضر شهرزاد في قصيدة “أمي”، شهرزاد رمز الحكاية التي تؤسس للحياة وتشكل خارطة النجاة، ورمز الحيلة والفطنة، تحضر من خلال استفهام إحالي:

“هل سكتت شهرزاد

 عن الكلام المباح؟”

وهو استفهام يحمل الإنكار والاستنكار، تنكر فيه الشاعرة واقعا مريرا هو موت الام وصمتها الأبدي، وتستنكر انتهاء الحكاية التي يجب الا تنتهي، حكاية الامومة التي رحلت نساجتها وظل نسيجها في الروح حنينا حارقا فتتشكل شهرزاد، المرجع الحكائي التاريخي، في القصيدة رمزا فضاء شعريا، يتسع لدلالات الأم المخاطبة في القصيدة، الحكمة والصبر والحنو والذاكرة النابضة بالهوية والتأصل والامتداد، ويتسع لدلالات الفقد المرير والحنين الحارق إلى هديل الأمومة وفيئها.

 وكأن الشاعرة مسكونة بالرمز أسا شعريا متينا؛ إذ نلفيها تكثف من الرموز، فتضيف إلى أدون، ونيروز، وايوب، وشهرزاد، استدعاء قابيل وهابيل في قصيدة “اوان” الحصاد منشدة:

 “في بلادي

 قابيل وهابيل في كر وفر

 واناس قلقون حائرون

قابيل مستنفر لا يستقر

 وهابيل يستغيث

 والباب موصود السماء تزمجر”

 فيحضر قابيل وهابيل رمزا يتشكل فضاء شعريا رحبا يتسع لدلالات صراع لا يهدأ في لبنان، بلد الشاعرة، او الذات المرجعيةللذات المتلفظة في القصيدة، صراع بين الخير والشر في اتساع لسلطان هذا الأخير يضعف مد الخير ومداه، وينذر بدمار لا بناء بعده، وهو فضاء يشكل خرائط قراءة هذه القصيدة تمنح القارئ آليات الفعل التأويلي، ومنها يمتح مشروعية السؤال عن ماهية الرمز في القصيدة الحديثة: أهي إبقاء على بعض أسس جمالية القصيدة الكلاسيكية، أم استعادة من أجل خلق جديد يتساوق وكل خلق جمالي في الشعر الحديث؟

4ـ فضاء العنوان:

 الواقف على عتبات المجموعة الشعرية “رؤى وأحلام” يروم ظفرا بمفاتيح الولوج إلى العوالم الشعرية جماليا ودلاليا، ظفرا يسيرا يضمن قراءة النص قراءة جيدة (3)، يتبين أنه أمام عتبات مغايرة لعتبات جيرار جنيت التي تصاحب النص وترافقه، هي عتبات تختلف علاقاتها بالمتون الشعرية في القصائد، فهي بعض منها تركيبيا فضاء يحمل رؤية نقدية مخصوصة لمفهوم العنوان ووظائفه لا يستقل فيها عن المتن تركيبيا، ولا يستقل بنفسه خطابا بعيدا عن خطاب المتن الشعري، يشارك المتن في تشكيل معانيه وإيقاعه، تعالقا تركيبيا يمثل فيه أحد مكونات الجملة الشعرية الأولى، وهو ما نجده في قصيدة “همسة”

 همسة

“وفراشة

ثملت في محراب مناغاتنا

 فتكورت وتدورت وتحار

في غفلة منا أين تلثمنا”

وفي قصيدة ” انا وأنت”:

أنا وأنت

 “واللامكان

 وزمان

 ننسى فيه الزمان

نعود شعلة

 تبعث من رماد”

 وكذلك في قصيدة “كم أناديك”:

 كم أناديك

 “والافق الذي تخيلته أملا

أطاح بقارب حلمي

 ليتركني

 ألملم أشرعة

 ألهبتها شمس نجاتي”

 ففي هذه النماذج تنتصب عتبة العنوان جزءا من تركيب يكتمل، بتضام العتبة والمتن، لغويا ودلاليا.

ونجد عتبة العنوان تتعالق والمتن الشعري تعالقا إيقاعيا، بتشكله لازمة في القصيدة، تخلق بتكررها نغما موسيقيا مخصوصا، يمكن ان نسميه العنوان اللازمة، وهو ما تتوفر عليه قصيدة “كم أناديك” التي يتشكل العنوان جملة إنشائية تعجبية تتكرر في منتصف القصيدة:

 كم اناديك

 والافق الذي تخيلته املا

 اطاح بقارب حلمي

 (…………)

كم اناديك وفي قلبي حنين

 لدفء انفاس

 تهدهد روحي”

 وفي قصيدة “كم نحن” يشكل العنوان تركيبا يتكرر في مطلع القصيدة:

 كم نحن

“كم نحن ظمأى لحنان الأم

 فالشر تفاقم في العالم واستشرى الظلم”

 بهذا التشكل المخصوص العجيب لعتبة العنوان، تخرج العنونة عن وظائفها المألوفة لتتشكل فضاء شعريا رحبا ينسع لطرح رؤية نقدية مخصوصة أماءت إليها الشاعرة في عنوان المجموعة الشعرية الام “رؤى وأحلام”, وهي رؤية تخرج بالعنوان من وجود خارج النص تركيبيا، إلى وجود مع النص وداخله، معا ينسجان جمالية الخطاب الشعري وعوالمه الدلالية المختلفة.

5 ـ فضاء التناص:

 في قصيدة “سؤال” تناص مع قول شعري لنزار قباني في قصيدته “نهر الأحزان”، يبين مما يلي:

 “أحقا انا اهواك يا قمري؟!

عباءتي وضيائي

 في ليالي السمر…

 عيناك ما عيناك؟

 يا حكايا الأثير

وغزلا بخيوط من حرير

 يتناص القول الشعري هنا مع قول نزار قباني:

 “عيناك وتبغي وكحولي

 والقدح العاشر أعماني”

” أأقول أحبك يا قمري

 آه لو كان بإمكاني”

 وهنا، يضحي التناص فضاء لمناظرة شعرية او محاولة مناظرة شعرية، فضاء لا يكتفي بالكشف عن ذاكرة شعرية للشاعرة بل يجلو ملامح رؤية شعرية تكسر الحدود الفاصلة بين قول شعري وآخر وتنفتح على التصادي الشعري الذي به يخرج القول الشعري من هوية ذات الشاعر المحدودة الضيقة إلى هوية ذات الشعر الرحبة التي بها يتنامى الفعل الإبداعي أكثر.

 الفضاءات في قصائد هذه المجموعة الشعرية تكتب سياقاتها، ترسم ألوان انفعالات الذات المتلفظة، وتشكل خطاطات رؤى التلقي المختلفة، فتنفتح عوالم القول الشعري على تعدد الدلالات، وهي بكل ذلك تحضر “كوعي عميق بالكتابة جماليا وتكوينيا، الفضاء كشكل ومعنى، الفضاء كذاكرة وهوية ووجود، الفضاء كسؤال إشكالي ملتصق بوعينا الثقافي والاجتماعي والجمالي وبنسيجنا السيكولوجي والمعرفي والأيديولوجي”(4).

 ينتصب الفضاء في “رؤى وأحلام” للشاعرة اللبنانية زينب حسيني، بتشكلاته المختلفة، ومرجعياته المتنوعة، ودلالاته المتعددة، يمثل كونا خطابيا مركزيا في القصيدة، يت اوز بالمكونات الفنية في النص الشعري أسطورة ورمزا وتناصا وعناوين، وجودها الفني والمرجعي إلى وجود آخر مبتكر، به تتنوع أسس هوية الخطاب الإبداعي الشعري، وتتشكل إشكاليات وجود وفكر خارج مجالها الفلسفي في قول شعري انفعالي مثقل برؤى الشاعرة وأحلامها نقديا وإبداعيا، ذاتيا ووطنيا وإنسانيا.

 ___________________الناقدة زهرة خصخوصي / تونس.

الإحالات:

 (1)حسن نجمي، شعرية الفضاء السردي، الدار البيضاء- المغرب، المركز الثقافي العربي، ط1، 2000.

(2) أبو القاسم الشابي، ديوان أغاني الحياة.

(3) Gerard Genette , Seuils, ed Seuil, Paris, 1986.

(4) حسن نجمي, مرجع مذكور

About The Author

Contact