×

الدلالة من حالة السبات والتخفي إلى حالة الظهور لدى الشاعرة هدى عز الدين/مصر في ديوانها “أحضان الوجع”. بقلم الناقدة سهيلة حماد / تونس

الدلالة من حالة السبات والتخفي إلى حالة الظهور لدى الشاعرة هدى عز الدين/مصر في ديوانها “أحضان الوجع”. بقلم الناقدة سهيلة حماد / تونس

الدلالة من حالة السبات والتخفي إلى حالة الظهور

 لدى الشاعرة هدى عز الدين

 في ديوانها “أحضان الوجع”.

بقلم الناقدة سهيلة حماد

ديوان أحضان الوجع للشاعرة هدى عز الدين احتوى على 75 قصيدة لشاعرة تشربت وجع المجتمع وفواجع الدهر معتمدة نماذج من الحياة مشكلة باقة من القصائد طرحت فيها عدة مشاكل بني عصرها حاولت أن تعالجها بذكاء وفطنة بأسلوب السهل الممتنع بدت وكأنها تمد يدها للجميع من أجل المصالحة لبداية عهد جديد معتمدة رشاقة التكثيف وومضة الإبهار حينا ودقة التسديد محدثة الوعي والإدراك لإخراج خراج الآه من أجل زعزعة الحاضر المرير والرمي به خارج التاريخ، بواسطة حرف زئبقي نبيه مخاتل بهي أنيق رشيق البيان فائق الشعور رائع بديع بدت كلماتها المشحونة بالمعاني كنجمة متلألئة في سماء تغزل رحيق الكلام بمنتهى الخفة والدلال في سلاسة العبارة مشكلة سجادا مخملي الملمس بخيوط رونق الإحساس وعذب الكلام وجمال العبارة، مدغدغة الوجدان بجد الجد، هامسة للكل بكل فخر إنني امراة تعشق الحياة مطرزة برونق الذوق معقود بفكر عميق تخدمه اللقطة المعجونة بحناء ماء الحياة تنير العقول وتشحذ الهمم تشاكس تارة وتغازل طورا آخر وتداعب حينا تضمخ هدى عز الدين قصائدها بروح كيمياء حب الوجود بعيدا عن العبث المفروض في حياء حسن الخلق وتحرر فكر يرفض أغلال التخلف والعبودية والتهميش والركض وراء سياسة القطيع والرضوخ من دون استشارة بدون تشريك كل عقل لإبداء رأي في مواضيع تهمه باستخدام طرق النقاش بغرض الإقناع أو الاقتناع قاومت برصاص الحرف النمطية السائدة القاتلة وجور السلطان العاشق لنرجسيته، وكل شهريار متعنت رافض تشريك الشهرزاد في اتخاذ قرارات معه، وجهت رسالتها من خلال متنها لكل طاغية في المطلق لتظل قصائدها عابرة للأزمنة والأمكنة والتاريخ والقارات صالحة لكل زمان ومكان، راسمة صورا شعرية بروح الإبداع تخدم المشاعر ومنطق الحرية وحق الحياة في عزة وكرامة مروضة المعنى الجامح متسترة بظلال الترميز مقتحمة فضاء المعجم الصوفي مزعزعة استكانة القارئ مزلزلة كيانه عبر اعتمادها طريقة الكر والفر في حربها ضد الجهل وكل فكر نمطي أثبت عجزه على مدى العصور وظفت عناوين قصائد الديوان لتلعب دور أفيش يلخص ما يعبر عن رؤيتها وما اختلج به فؤادها مجيدة بذلك فن النظم والغزل متغزلة بالحياة رافضة الموت، فقد استطاعت بفطنة حسها المرهف أن تترجم إيقاع واقع مجتمعها ناقلة صخب الصمت وصمت الضجيج متسللة من خرم إبرة الوعي تطرز المعنى مشكلة باقة ورود نافضة الغبار عن كل ما تكلس محفزة القارئ حافرة في الذاكرة مرددة لحن الحياة محدثة ثورة مسلطة الضوء على الفكر البالي والممارسات القاسية على مسرح الحياة ملقية إياها كخرقة بالية يشمئز منها الناظر ليأخذ درسا ويعي فضاعة خذلانه للديمقراطية وللحرية عبر المشاكسة واللعب بالكلمات مستخدمة طريقة الفر والكر مع تكثيف المعنى بغرض الإبهار بالإضاءة متلاعبة بالألوان مع ترك بعض الفراغات بقصد تشريك المتلقي ليضع لمساته معها في إطار شراكة ولعبة زخرفة ديمقراطية فن التلقي لإكمال تلوين ما كانت قد بدأته بعد أن شغلته وشغبته منذ الاستهلال مرورا بالعنوان وصولا إلى القفلة مقحمة إياه عنوة، للبحث معها عن صيغة جديدة لتجديد إبرام عقد بين الأنا المطلق والآخر في مستوياته المخلفة من خلال البحث عن معنى المعنى حسب  للتأمل في المتاح والصريح من البداية إلى النهاية متعمدة تقنية التشويق والحجب متوارية وراء مهارة حسن اختيار تواتر الصور مفعلة بث الروح لتحريك المشهد لحمله على دغدغة الذهن لفك الترميز والعلاقات المتشابكة بين الدلالات المستخدمة ماسكة بخيط اللعبة إلى النهاية تاركة للقارئ فن تفعيل طاقاته ومهاراته للتأمل والتدقيق في كل جزئية للبحث في سر استخدامها للَفظ دون سواه ذلك أنني أحسبها لم تترك شيئا للصدفة سواء في اختيارها للكلمات أو لترتيب الصور مستغلة بذلك دلال وتغنج المرأة في مكر وذكاء مستغلة دلال الحرف المتمنع كغزال الصحراء لإبراز الرؤية انطلاقا من الدلالة من حالة السبات والتخفي إلى الظهور.

وللحجاج حاولت أن القي الضوء على بعض القصائد لتحصل الفائدة:

قراءة في قصيدة طفلة المواسم

القصيدة:

 أعلنت توبتي من معصية الحب 

و أنت بأحلامي تتعمد الفتنة

 تفك شفرات الحروف والمتعة 

تكشف عن فتوني 

ورياح الشمال اقتلعت أغصاني 

طفلة الربيع البليدة 

لا تجيد لعبة العشق 

تقف علي مسرح الحياة

 تنحني لجمهور الوهم

 ثم ترقص العرجاء 

بساق سندريلا 

أضغاث حروفي تكبلها أحلامي 

القراءة:

يأخذنا العنوان: لمواسم الحصاد فأي حصاد تعني الشاعرة من خلال عنوانها؟ أهي مواسم تأهلها للعشق وخوض تجربة الحب لتصبح عروسا تزف لعريس يستحقها ليغرسا ويحصدا رطبا جنيّا؟ ذلك ما سنحاول التعرف عليه من خلال فك شفرات معاني القصيدة:

يفاجئنا الاستهلال بإعلان توبة من معصية الحب وتدهشنا مفارقة القفلة التي فرقت بين الأضغاث والأحلام زاجّة فعلا من الأفعال الذي يفيد معنى القيد المتمثل في تكبل الذي قامت بفعله أحلام الشاعرة المكبوتة، وبحروف الهجاء المكونة للمعنى المتدفق الذي تنثره نثرا متفاوت المعاني، ليتحول لدى القارئ معاني خصبة متدفقة يرويها التخييل من جانب البث والتلقي، فيغذيها التشويق لتسلق هضاب وتلال جسد القصيدة لإعادة تركيب المعاني، للتمكن من معرفة كيفية استناد العرجاء على ساق سنريلا لممارسة الرقص في فعل المضارع “ترقص” الرمز مفعلة الأسطورة، لنسج الصورة مع نفخ الروح فيها لتحفيز ذهن المتلقي وفك شفرات معنى الجمهور الوهمي مع مقاربته مع الجمهور الافتراضي متوسلا بواقع التواصل الاجتماعي مفعلا الرقمي، للانتباه للمضمر في “تفك شفرات الحروف والمتعة” المنشودة المقصودة في القصيدة المحمولة التي تكشفها الأحلام المرتبكة خوفا من مجهر كشف زبانية السلطان الجائر والمجتمع المحكوم بالكبت الذي يصادر ويعاقب النوايا قبل البدء في تنفيذ الغواية.

فيحصل بذلك لدى القارئ الوعي والإدراك بعد التأمل كيف أن الأخلاق صادرت الحب وصنفته معصية وغواية حتى صار الهروب به لتفعيله في الحلم فتنة يخشى التصريح بها في الواقع الذي دمرته الحروب وزاده الكوفيد عزلة بعد الثورات التي اتخذت من الربيع اسمه ومن الخريف سقوط أوراقه نتيجة اجتماع رياح الشمال عليه فقوضت بنيان مجتمع بعد تواطئ الجميع عليه مع الشيطان والثعبان لتقليم أظافرَ وليّ أعناقٍ وقصف أغصانٍ قبل خصوبتها وطرح ثمارها قبل أوانها في مواسم مختلفة حتى تعودت الطفولةُ في هذا الواقع المر الانحناءَ للمستبد بعد أن صارت تعجزُ عن التفريق بين الجد والهزل لا تجيد ممارسة فعل العشق في وداد واطمئنان كما كان في سالف الزمان تحت ظل أسرة ووطن مستقر في كنف حياة متوازنة يؤمها التواصل والوئامُ والصدق في المشاعر والطبطبةُ على الكتف للتهوين من عسر الحياة ومشقتها بالاحتضان و التعبير عن الوجد والوجدان بما اختلجه القلب وعبر عنه اللسان.

 قراءة في قصيدة: رسائل الروح

القصيدة:

في درجي السفلي 

أثرُ شيطانِه سطورُ الزمان على جانبِ الورقة،

 ورسالةُ غرامٍ مجهولة التوقيع

عيونُ اللهفةِ مُكحّلةٌ بالشغف..

 رموشُ الأنوثةِ سحابةُ شك

الأرضُ مدت يدَها بخبزها المسموم.

 قلمت سواعدَ الثقة، أكلت البطون.

  العقلُ ركبَ ظهرَ الخراف، 

والذئبُ صديقُ الراعي.

 الصمتُ قتلَ الصبر، 

وأعلنَ ضجيجَ ثورتهِ.

 رسائلُ الروح تنوحُ، 

تفوحُ بالغضب 

شهوةُ البكاء عاريةٌ 

مزقت ثوبَ النقاءِ.

 الحنينُ أعمى

 وعلى وسادةِ التحدي 

جفتِ الدموع .

القراءة

قصيدة تعلن مذ العنوان قرابتها من العجائبي بمعانقتها الزمن السرمدي متوددة لعالم الروح معانقة أدب رسائل عشق لم يكتمل كرسائل مي وجبران أو الرسائل التي كتبت لا بغرض النشر ككتاب (جوركي وتشيخوف-مراسلات-) تلك المراسلات البعيدة كل البعد عن مقتضيات العمل الأدبي كما جاء في تقديم الكتاب المترجم من قبل جلال فاروق الشريف، ذلك أن: “جوركي في هذه المكاتبات يكشف عن نفسه” من دون اعتبار حدود يقف عندها لحسن ظنه بمعلمه تشيخوف وفي قدرته على نحت خبايا أعماق النفس وأعماق الحياة وجوهرها لخبرته فكان أن تبادل الآراء في الأدب وفي فن القصة القصيرة والنقد وغيرهما كالثورة والنضال وقد كان تشيخوف مؤثرا في جوركي حينها وقد تطورت العلاقة بينهما إلى أن تحول جوركي ناقدا لأعمال معلمه تشيخوف ورأى فيها ازدراء للوضاعة والحقارة التي طالت كل شيء في الحياة الروسية حينها زمن الرجعية واستبداد يد للإله الفرد الحاكم المطلقة، وقد استطاع كلاهما أن ينفد إلى إنسانية الإنسان مناشدين السعادة لعيش حياة أفضل عبر تراث أدبي ما زالت تفخر به الإنسانية إذ استجابت للكشف عن هموم الأفراد، وفي هذا تشابه مع شاعرتنا بحسها النضالي بالكلمة الهادفة بازدرائها للواقع المعيش بكل أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية المزرية وتقلبات الأوضاع، ثائرة على التغيير الذي خيب الآمال وأظهر عجز الفرد والجماعة متشبثة بالحرف من خلال رسائل تبعثها بها إلى عالم الروح علها تظفر بإجابة تخلص الجسد من دنس عبث الوجود الذي دنس لقمة العيش بالرقص على أوتار الشهوة في الديجور بعد ركوب ظهور الخراف المعدة للذبح تفتدي بها العفة وتشتري العهر صيف شتاء باسم النضال صيرت الكباش نعاجا والرخيص غاليا متحججين بضرورة إطعام البطون الخاوية ولو عبر كسب حرام من أجل لقمة عيال أظناهم الجوع جراء لعب زبانية الورق والرولات في جولات، أكسبت الدجل وخطب الورع المقنعة بمكر الذئب الذي صاحب الراعي فسهب العقول ونيم الفكر لعهود، لذا نراها توقظ الكل وتستنهض الهمم عبر إنشاء صور متضاربة على شكل شذرات متتالية    تتعمد الرمز والمضمر قادحة الذهن محفزة الصمت لقتل الصبر معلنة بداية ثورة جديدة شعارها الكلمة الواعية بعد أن جفت المقل وهتكت أعراض العفاف وأعمى الحنين الأبصار، فولول الضجيج مترجما نواحا نافرا الجسد متوسلا القرب من قصائد الكشف والبحث عن أسرار الغيب في عالم البرزخ لذلك كان الاستهلال صادما بحضور الشيطان رفيق درجها السفلي حيث أرخى الزمان حبل الوعي بتأريخ التاريخ، لأهمية التسجيل للتفريق بين الحق والباطل بين الحلال والحرام بين العرف والشرع بين الهداية والغواية بين الخيط الفاصل بين الصراحة والوقاحة بين المباح في واضح النهار وبين المحظور في الديجور بين الجنحة والجريمة لمعرفة من استحق الجزاء ومن ينال العقاب للتفريق بين من اختار السراط المستقيم وبين من ضل السبيل ليستقر في السعير منتظرا يوم الدين بعد أن رضي الغواية ورفض الهداية… سطور خطت خلال الصيرورة زمن كينونة ذات تشق طريقها على ما يبدو زمن الخيبة حيث تخطت كل الخطوط الحمراء محققة المتعة الحرام واللقمة المدنسة بشرف مهنة العار زمن التجويع والتهجير والإرغام على الخرس نكاية في الضجيج الذي أعلن ثورته ليسترجع بها حقه في التعبير ليحيى من جديد في كنف التعفف من دنس الخطيئة متبرئا من ثوب العهر بمقاطعة الشهوة الحرام إلى الأبد والجور والكف عن العقوق ولعق السم المبثوث الذي تنفثه الأفاعي.

قراءة في قصيدة: قضية الروح

القصيدة :

قضية الروح

على فراشِ الوفاء 

سقتْهُ كأسَ الخيانةِ

يرتجفُ ببردِ العشقِ، 

يصرخُ بثوبهِ الأسود

 حداداً على الحبّ،

 بنبضٍ شهي.  

شيطانُه يصافحُ العزاء

 الغدرُ فتنةٌ لذيذةٌ 

بحقول أحمرِ العنب .

 قضيةُ الروح رشفةُ شرفٍ

 تحكيها الأوراق.

القراءة:

 قضية الروح قضية تتعالق مع الجسد منذ الأزل عبرت عنها الشاعرة في التشظي أيدتها القفلة في: “تحكيها الأوراق” بالإشارة لمحذوف يوم الحساب يوم حساب النفس الأمارة بالسوء انطلاقا من سجلات نقلها شهود حفظة كرام، وهنا يبرز التناص القرآني شاهدا على سوء الفعل والاعتداء على الخلق: “يوم تشهد عليهم أيديهم وألسنتهم وكذلك الملائكة الذين يخطون أعمال العباد:  {يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} {إن رُسُلنا يكتبونَ ما تَمكرُونَ}.

قصيدة تصور الخيانة في أبشع مظاهرها تماهي الشذوذ ممسرحا على خشبة مسرح الرذيلة مستقدما فراش الطهر محولا إياه مسرحا لممارسة العهر على مرآى ومسمع شريك يبدو زوجا انطلاقا من لفظ الوفاء الواقع مضاف إليه المعرَّف للفراش الموظّف لتمثيل الإشارة من خلاله(ال)هو العاشق ذاك الذي صورته الشاعرة بريشة اللغة وحركته باتساق المعنى مع إيقاع الحالة: “يرتجف ببرد العشق المحذوف لأجل عدم التشهير بمن حُرِم الوصال وارتضى لنفسه معاينة الاتصال بوطْء عرضه من طرف غيره ليستحيل نعجة تخون الشرف والشهامة بقبول زوجته تضاجع آخر تحت أنظاره منتشيا بفعل العهر مُنكّسا بذلك علم العفة حزنا على شرف الحب تاركا الدعارة تشطف رجولته متغذية من شرب نبيذ حقول أحمر العنب لتعمل في العقل عمل الشيطان طاعنا الشرف بسكين عزاء غدر ال(هي) لتتقهقر الروح إلى الوراء متلوثة بدنس فجور الجسد الجامح في عبث نجس الجنس بنظرة العار لصالح المسخ لنعي مكارم الأخلاق غبنا على انتشار أفعال وممارسات ما أنزل الله بها من سلطان التي تصور قمة الدنس وذروة الأزمة والصراع في الحكاية المنقولة عبر ساردة عليمة لم تُقحم نفسها في الحكم على الفعل سوى من خلال التناص والتشظي وحسن توظيف اللفظ لتغذية الصورة الشعرية القادحة لذهن المتلقي في القصيدة الواقعة وقع القنبلة في الرأس المتشظية انفعالا وحقدا على أمثال هذا الفعل الشنيع الذي قبحته حتى بعض الحيوانات ولم يعتبروا من الجمل في علاقته بأنثاه..

 قصيدة حكاية تسبقها قصيدة (مسرحية الظلام) حيث أسست به المكان مسرحية نظيفة له الظلام تعريفا له كما تولت تجميع الممثلين بأنسنة الشاعرة ل”كهف الدهشة” الذي شخصته ليعلن التوبة من مجهول قتل غريمه “الحب” بمُدية كالمدية التي تجهز على كبش العيد غير أن السكين هذه المرة كان غير حاد ليشي بفضاعة فعل التعذيب وببرودة المشاعر باسم الغيرة التي أعمت بصيرة الفاعل نتيجة فعل شهادة الزور فاختار بذلك “قتل الحب بسكين بارد” إمعانا في تعذيب المذبوح، بعد أن سكن القلب شبح المستحيل وهْما انعكس على فعل مشين طاحن بذلك أوراق الورد مع الزقوم والصبار، لتستحيل حياته عجرما ومرارا تجرعه بيده وجرع غيره نتيجة مزاعمه مدعيا أنه مظلوم قتلته الظنون.. عيبه كغيرِه ممن حكم على نفسه أن تكون حياته مزيجا من فصول مظلمة في قبو ككهف أفلاطون، ناسجة بذلك لذة النص من خلال حضور الخوف الذي يزيد في التشويق والتوتير لدى القارئ مع تصنيف درجات الأفعال وتلوين الظلمة بمزيد القتامة بالتدرج به نحو قفلة صدمت المتلقي، مكسرة أفق انتظاره من قرب انبلاج صبح وشروق فجر إلى دهشة مربكة تتدرجت باللون من رمادية: “متاهات الخوف” إلى فحم متفحم يحرق أغصان الزيتون لتحترق نفس بنار غيرة أكلتها الظنون فحولت حياتها تنّورا استخدمته الشاعرة الأنا كحلا ينعى الزيتون الذي تحول حطاما حطم مشاعر أنثى تمثل كل ضحية لقيت مصيرها تاركة (ال)هو غارقا في الندم معلنا توبة بعد فوات الأوان محتضنا بذلك طيف المستحيل بردا بدل الدفء والحنان ترويه هدى عز الدين شعرا منثورا يحاكي السرد وإن افتقر لعنصر الزمن علنا المعلوم في مضمر في تواتر الأفعال وفي توفر وحدة الحدث بارتباط السبب بالسببية وحصول الإقناع -التصديق- وبحضور ال(هو) في الضمير المعلن وفي القول: “قال” وفي ال(هي) الضحية وفي الساردة ناقلة الخبر عبر السرد وحضور الوعي المضمر للهدف في البداية من خلال إعلان التوبة كذلك الصراع في الظنون الذي يبرز مدى غرق مجتمع في متاهات تجاذبات الحلال والحرام والصدق والكذب والظاهر والباطن في إطار حبكة نمتها تطور الحكائية عبر رد الخبر على بداياته لذلك صنعت الأنا المتكلمة الساردة كحل عيون باكية في حضور أغصان زيتون غضة أرداها الواقع المرير فحما فحّم مشاعر ذوات بتكبيل الأنثى وتحميلها وزر ذنوب غيرها،ترغب من خلال عرض نموذج بعينه مع عدم التشهير به مكتفية بالتلميح ليغدو ال(هو) هو كونية كذلك ال(هي) من أجل حمل الكل على التأمل من أجل تغيير مجتمع من مجتمع مستهلك لجسد الأنثى إلى مجتمع واع بحق جسدها في العيش وفق ما يقتضيه الشرع والأخلاق من دون زيادة ولا نقصان على ما هو من حق الرجال في إطار الأصول والعرف المعمول به حتى ينشغل الرجل بروحها الشفيفة وبعقلها الذي ما زال مغمورا كمنجم بكر يبحث عن كشاف.

إليكم القصيدة للتحقق فيما ادعيناه 

القصيدة: مسرحية الظلام:

كهفُ الدهشةِ نسماتُه باردةٌ،

 يلعنُ التوبةَ.

 قتلَ الحبّ بسكينٍ باردٍ،

 واتهمَ القلوبَ أنها سجانٌ،

 سكنَ المستحيلَ بصحبةِ الأوهام.  

طحنَ الوردَ مع الزقوم والصبار، 

وقال أنهُ مظلومٌ خلفَ الظنونِ، 

خلفَ الكونِ مسرحيةٌ 

فصولُها الظلامُ

متاهاتُ الخوفِ رماديةٌ،

 تحرقُ أغصانَ زيتونِ النفس

صنعتُ منها كحلَ عيونٍ باكية. .

قراءة في قصيدة دثرني  بنيرانك:

القصيدة:

دثرني بنيرانِك

 هل تراقصُني تحتَ المطر

 وتشمُّ أنفاسي المعطرةَ بالشغفِ

 أم نجري تحتَ لؤلؤةٍ

 وندخلُ الحانةَ الحمراءَ

المعطفُ غرقَ بمائِك، 

وحذائي خاصمَ القدمَ

الشوارعُ خلوتُنا 

مواءُ قطتِك هذيانٌ أسكرَ الطاولة

دثرني بنيرانك.

القراءة:

العنوان دثرني بنيرانك. استدعى التناص: “دثريني زمليني ياخديجة..” مستحضرا التضاد بنيران العشق عبر الكاف الضمير المتصل للمخاطب عنوان يعاضد القصيدة بإدخالنا لنشهد ليلة حمراء مضاءة باللؤلؤة والحانة الحمراء يحركها الفعل (تراقصني) يسليها نقر المطر في ليلة شتاء معطرة بأنفس الأنا الشاعرة المعطرة بالشغف شاعرة تسأل حبا تحت المطر معنى يستدعي الرواية ليصور فصلا من فصول حدث يؤازر رواية نجيب محفوظ في (الحب تحت المطر)  وأغنية (ضي القناديل والشارع الطويل) لعبد الحليم بلحنها الجميل لتكتمل الصورة وكل أجواء الرومانسية التي لا تستثني مواء القطط تجسيما لموسم التزاوج تأكيدا لتمثيل الرغبة في الشتاء مؤطرة ببرواز العنوان المكرر في القفلة : “دثرني بنيرانك“.

قراءة نقدية في أنين الحلم الأبيض:

القصيدة:

أنينُ الحلمِ الأبيض ..

 الوقتُ عقربٌ 

نبشَ الليلُ قبرَهُ

الفجرُ راوغَ الشمسَ، 

والضحى تفحّمَ بلوعتِهِ

 عصفورُ نارٍ بحقلِ قطنٍ يطير

 شهيقي دخانٌ

 وزفيري صلاةُ الحرمان

 البعدُ كاهنٌ مقدسٌ 

صمتٌ يثرثرُ 

على وسادةِ الوهم

 أنينُ الحلمِ الأبيض

 يجلدُني بسوطِ عذابٍ

 وأنا امرأةٌ من وراءِ الزمان

 كزهرةِ الريحانِ عشقاً أتنفس

القراءة:

أنين خليله حلم أبيض يشكو صقيع مشاعر، كفنها بياض الثلج أغار على مزارع القطن عصفور نار، فتفحم القطن وتفحم الحلم والأمل، شاخت امرأة فاحتبست أنفاسُها بشهقة كشهقة وداع، تلتها زفرة كصلاة حرمان سلبتها لذة الحياة والمتعة المشروعة، توسدت الوهم وهي القادمة من زمن الرومانسية زمن المعنى والعشقِ والهوى فإذا به هوى تاركا وراءه أنينها، كأنين ناي حزين يبكي ينعى حظه زمن اللئام والذئاب، لكن حبها للحياة جعلها كزهرة الريحان تطلب الحياة عشقا تتنفسه رغما عن الكل ضاربة عرض الحائط القيود المفروضة متعاطفة مع بني جنسها، ضجَر المكان من صمتها الصاخبِ كما تحامل عليها الزمان بتعسفه وجوره، فرغم أن الوقت كالسيف قاطع إن لم تقطعه قطعك، إلا أنه لم يفلح في تخليص العقول من القيود المسلطة على الإناث، فصمتهن على عبث وجودهن بعدم مقاومتهن لم يزد الشهريار غير عجرفة نالت من حرمة أجسادهن بالتنكيل ببعضهن في الهنا والهناك أو بإقصائهن، أولئك الذين لم يتقوا الله بعد أن صيروا شهيقها سرطانا-أنتجه شيطان مارد- انتهك ثوب عفتها وشرخ طهرها وخدش شرفها استكثر عليها أحيانا حتى الميراث، ثم تصدر يتشدق برفع شعارات المساواة بين المرأة والرجل في المنابر العالمية مفضلا الوئام والسلام يعلن تحقيق حريتها، غير أن حقيقة الواقع غير ذلك إذ لم تسلم المتعلمة ولا الجاهلة في البيت ولا في الأماكن العمومية إلا من رحم ربي، فحتى الاحصائياتُ تبقى غير موثوقٍ بها لأن أغلبهن يخترن الصمت عن التصريح بالعنف الذي سلط عليهن بأنواعه حتى لا تخدش كرامتهن… كما نلاحظ فإن القصيدة تزخر بالمعاني الولادة المنتجة للصورة والمفارقات والتدوير كما تحفل برموز معلنة وأخرى مضمرة نلج إليها عبر التدقيق في السياق العام الذي وإن بدا مفككا في الظاهر غير منسجم مع بعضه البعض في تركيب أجزائه في القراءة الأولى، إلا أننا بمجرد بلوغنا القفلة يتحقق اتساق المعنى عبر التدوير بعد إرغام القارئ قسرا على إعادة القراءة بقصد فك التشفير وتركيب كل القطع بمنطق الكولاج، لتكتمل الصورة في أبهى حلة، ليظهر لنا زخم قاموس لغوي على بساطته حمال أوجه بعبقرية التخييل، وتوظيف السرد في الشعر يكشف امتلاء معاناة أنتج اختلاجا صادقا مع مقدرة على الاقناع والحسم بالتكثيف والتحليق فامتلاكها خيالا خصبا مكنها من أخذ صورة كاملة وشاملة عن كل ما يشغلها ويشغبها في بعد بانورامي يلخص معاناة المرأة التي شبهتها بالقطن في نصاع بياضه الحامل في طياته لهشاشة تأثره وعدم مقدرته على مقاومة نار قذف المحصنات بتناقل الخبر في السر والعلن بسرعة اشتعاله في جسمها الغض الذي يسري كسريان النار في الهشيم، لسرعة احتراقه بأضعف مخلوق (عصفور نار) ذاك العصفور الذي رمزت به لوَقعِ فعل النميمة من حيث سرعة الحركة بواسطة فعل الطيران وبقدرة تمكنه من تشكيل نظرة عامة عن المكان الذي يحلق فوقه بكل أجزائه فمجال رؤية الشاعرة تضارع عين النسر من حيث الدقة برؤية كل الأجزاء في انفصالها واتصالها في نقل البيئة وطبيعة المكان مع بث مشاعرها المتضاربة الواقعة في جدل جدليّة الدّين والمجتمع، بإثارة ما قيل وما لم يقل وما أجرى الدّمع في المقل، بإقحام القارئ لنسج بقية المعاناة، باثة مدى خضوع الأخريات في المجرد ونفورها من سياسة القطيع مستخدمة آلية منطق الإيجاز مع اللعب على المجاز، للقدح والإيحاء معلنة عن حقيقة قصدها للنهاية في القفلة متزعمة حركة الدفاع عن المرأة التي سبَقها فيها مصلحون من الرجال، فثورتها كانت على النظرة الدونية للمرأة بكل أشكالها ومظاهرها السائدة، وما تبنيها لقضيتها إلا دفاعا عن كرامتها لإيقاظها من مرقدها تلك التي عاشت لتُجلد بسياط العذاب مكسورة الجناح في مشاعرها غير قادرة على التحليق بمفردها منذ الأزل، مذ مريم البتولِ ومن قبلها ومن بعدها لم تسلم حتى زوجة الرّسول (صلعم) من لدغ ألسنة القذف في واقعة الجمل وقد برأها الرحمان، كما تناولت بعض الأساطير معاناتها، رغم أن الأنثى في رهافة مشاعرها كزهرة ريحان تعشق الحياة فالهواء الذي تتنفسه عشقا يملأ رئتيها، فسبحان الذي جعل القداسة نهرا وأمرا مُرا ومنعا وإكراها على الحرمان، حتى سُلبت بعضهن حقهن في السعادة في نيل حظهن من اللذة المشروعة إلى الأبد لينال المجتمع الظالم بذلك من إنسانيتها بتعمد فعل الطهارة للإناث في بعض الأقاليم نكالة في إبراز دونيتهن بتفضيل الرجل عليهن بتوفير له كل متطلبات اللذة والسعادة لتظل مقهورة موجوعة تكفر بلحظة الوصل والوصال، ليتحول الفعل عقربا يلدغها في كل حركة باسم الطهر والعفة خوفا من شهوة في المطلق قد تؤدي بها للعهر ليزيدوا من حقدها على أنوثتها التي وأدوها منذ ولادتها، ما جعل بعضهن تمتهن مهنة الطهارة لتتشفى من بنات جنسهن رغم وجعهن في السابق… فالزمن ساعة عقاربه تتحرك في اتجاه صيرورته الدائرية التي لا تتوقف غير أن كينونة الشعور لدى المرأة ظلت مغلولة ضالة طريقها باسم الخوف عليها من العبث إلا أنها ما زالت تتحمل وزر العابثين المخترقين لجسدها في الحضانة وفي رياض الأطفال كما ورد في (الكرسي الهزاز) لآمال مختار، وفي أقسام البوليس كما ورد في رواية (جمهورية كأن) لعلاء الأسواني وفي سوق الصفافير في رواية (سعيد عثمان) وفي الجامعات باسم التحرر من القيود لتقع في المحضور في مواجهة العالم بمفردها فإما أن تقترف جرم الإجهاض وقتل نفس بريئة أو أن تتحمل وزر فعل ثنائي بمفردها أمام مجتمع يدين المرأة ولا يحمل صاحب البذرة مسؤولية فعل الزرع رغم أنه كان يبدو متحرر الفكر ينادي بشعارات تكبره بمسافات حاول تمريرها لها وإقناعها بها، غير أن هروبه من أول مواجهة أكد لنا أن الاختلاف ما زال قائما بين الجنسين من حيث تحمل وزر الذنب، فبمجرد علم خليلها بإشارات الحمل الأولى لها كما جاء في رواية (كاتارسيس) لحنان جنان؛ اختفى هاربا من المسؤولية ولم يظهر مرة أخرى إلا ليزيد في معاناتها.

أما (بشير بن سلامة) في روايته عائشة فقد سلط الضوء على انتهاك احدهم، كان ذا شأن من أصحاب السلطة في عصر البايات في تونس قبل الإستقلال، على شرف عائلة تعمل في قصره وقد تطرق إلى كيفية اعتدائه على  الزوجة بمضاجعتها فلا الزوجة نطقت واشتكت ولا الزوج سخط وطلّق رغم يقينه بتكرار الفعل.. من منا لا يذكر (دعاء الكروان) لـ(طه حسين) وما حصل للخادمة هنادى التي قتلها خالها بعد أن اوقعها سيدها باسم الحب في غرامه وانتهك سترها.. لم تسلم حتى المحارم من عرف الشذوذ فقد كتبت (هند الزيادي) في روايتها (الصمت) عن شذوذ بعض الآباء من أوساط مختلفة وكيف تتم عملية اختراقهم لأجساد بناتهن في طفولتهن متسببين لهم في شرخ عميق. إن معاناة المرأة وتحملها شتى أنواع الإعتداءات والظلم جعل البعض يطلقون صيحة فزع نذكر من هؤلاء نوال السعداوي التي تكاد تتخصص في ذلك وقد حذر الدكتور (مختار أمين) من خلال روايته (أعترف أن زوجي كلب) من مواصلة الإستخفاف بالمرأة والإستهانة بها داعيا المجتمع الذكوري إلى ضرورة الإنتباه والتأمل في خطورة الجرم  المقترف في حقها  الذي قد يؤدي  إلى قطع النسل والكينونة، كذلك الشأن بالنسبة للروائي زهير شلبي في روايته (جريمة أنثى) و(أسرار النساء..) فموضوع المرأة كان ومازال وسيظل موضوعا يتأرجح بين مؤيّد لحريتها وبين معارض لها، فالجدل لن ينتهي، فالعقاد كان مناهضا للمرأة رغم عشقه لمَي وكذلك أنيس منصور رغم حبه لأمه ولزوجته فيما استعرض المنفلوطي وكذلك نجيب محفوظ عينات من المجتمع تمثل معاناة المرأة في مجتمعاتنا  كما كتب الغرب أيضا عن معاناتهن في مجتمعاتهم مع اختلاف الطرح في الأزمنة والأمكنة فبالرغم من أننا في زمان غير الزمان الأول إلا أنّ المرأة في مجتمعاتنا كما حرموها متعة الحياة المشروعة حجبوا عنها المناصب العلية أو لنقل كان الحظ الأوفر من نصيب الشهريار فرغم أن المرأة في الجامعات تحظى بالمراتب الأولى تظل المناصب الإدارية والسياسية من حظ الرجل ولكن هذا لا يجب أن ينسينا عددا هاما من الرجال من يقفون مع المرأة ضد بعض الممارسات الوحشية والمتخلفة  لبعض الرجال المشينة للإنسانية ذلك أن المرأة إنسانة قبل أن تكون أنثى.

About The Author

Contact