×

اللغة الشعرية في ديوان (أحضان الوجع ) للشاعرة هدى عز الدين من مصر.بقلم: الأديبة الناقدة سمر الديك سوريا، فرنسا.

اللغة الشعرية في ديوان (أحضان الوجع ) للشاعرة هدى عز الدين من مصر.بقلم: الأديبة الناقدة سمر الديك سوريا، فرنسا.

اللغة الشعرية في ديوان (أحضان الوجع ) للشاعرة هدى عز الدين من مصر.
الأديبة الناقدة سمر الديك سوريا، فرنسا.

مدخل: تُعرّف اللغة الشعرية بأنّها اللغة الأدبية التي يستخدمها الأديب في نصه النثري، بحيث يتكئ على لغة الشعر لكتابة نصه النثري، فيضفي عليه بعدًا جماليّا إضافيًّا، وهذا يؤدي إلى كثرة الانزياحات اللغوية في النص النثري، ويجعل الجمل مفتوحة الدلالة، فيكسر الأديب حواجز اللغة بالمزج بين الشعري والسردي معًا في نصه، قيل لأبي تمام: لمَ تقولُ ما لا يُفهَم؟
أجابهم: ولِمَ لاتفهمونَ مايقال؟
وهذا دليل على الجوانب الفلسفية في نصوصهم، واللغة الشعرية هي هوية الإبداع الشعري، وهي العلامة الدالة على انتمائه إلى دائرة الشعر.
من خلال اطلاعي على قصائد ديوان أحضان الوجع وجدتُ الشاعرة هدى تمتلك الكتابة بجرأة النص الشعري، وربما هدفها من ذلك معارضة السائد، ونلاحظ أنها تشكل نسيج النص أو بطانته اللغوية والأسلوبية والإيحائية من خلال الإغراق في استخدام المجاز، لهذا نلاحظ أنها استطاعت أن تُؤثر في المتلقي الذي لايكتفي بقراءة نصّها الشعري مرة واحدة؛ بل يضطر لتكرار القراءة والغوص في مكامن المجهول فيها، وهذا ما لاحظته في معظم نصوص الديوان بدءاً من نص (أحضان الوجع) الذي أسمت الديوان باسمه، مروراً ب(زوايا حادة)، (رسائل الروح)، (رحلة الندى)، (حصاد الخريف)، (ضوضاء من صوت المجاز)، (غموض)، (هذيان)…جاء في نص(رحم الندى):”وردةُ الربيع القادم بكأس من غرام تثملها الكلماتُ في حشاشة التيم غصنها يميل، يتنصتُ لحن الهمس، يطربها سرداً لعنوانك القديم، تحت نثار ممطر بالذكريات، يشهدُ القمر، يزف العرس لسائر النجوم، لورد الحدائق تضوعُ بعطرها التهاني من رحم الندى”.
هكذا نجد الجملة الشعرية عندها تتمرد على المطابقة، وانصياعها إلى الإيحائية وقد تداخل الشعر والنثر كلاهما في معظم القصائد بحيث تداخل الواقع مع المخيلة والمنطق مع الحلم والوعي مع الحدس وبذلك تولدت شعرية النص، وفي قصيدتها (ضوضاء من صوت المجاز):
“صعلوك يتسول الكلمات من أيادي الإبداع، سألَ الأقدار أن تصنع له ثوباً من المجاز، هيّا أيها الضوضائي أكتب نقاط التقييم على بعد فاصلة من العجائب، ارسم بئراً… وسبع موجات لتغرق في حزنك، ثم ثلاث غفوات، ونقطة حلم، حدقة عين الشمس لاتتسع لرؤية عجائبه”.
وهنا أحسنت الشاعرة المزاوجة بين الموهبة والمهارة، بين التلقائية العالية والقصدية المحسوبة بعناية، وهذا مالاحظناه من انثيال جارف، أو عبث طفولي بالكلمات أو معها تخفي من وراء ذلك يقظة عميقة ووعياً في منتهى النشاط، وهذا المسار الشعري قد يكون مصدراً للالتباس بالنسبة للبعض؛  لذلك كله يمكننا أن نتساءل: أكانت الشاعرة تلجأ إلى هذا النوع مِنْ الكتابة السهل الممتنع حيث الألفاظ الانسيابية والسهلة، وقد حمّلتها أكثر مما تحتمل من الايحاءات أحياناً والمجاز اللغوي أحياناً أخرى؟ هل لتثير لهفة ودهشة المتلقي أو لأشياء تعتمر في داخلها وتفجّرها لغة شعرية؟.
إنه أسلوب في الكتابة تجاوز المتعارف عليه فيما وصلت إليه الحداثة عند أغلب الأدباء.
بالعودة لقصيدتها (صحبة الياسمين):
“ياصحبة الياسمين، إن كان عبقي يتيماً، فالربيع مولانا، جهلني الخريف، فجفّ عودي، أحتاجُ إلى العناية،عطشى ياخريف من المجرم ، الورد الأحمر خجل، الفل أصفر ذبل، أعتاب الشتاء بطبول الرّعد، تعلن الخطر”.
ربما تصلح هذه القصيدة أن تكون دليلاً للكتابة، أو خريطة شعرية ونجد لغة القصيدة خالية من الثنائيات، غموض الكلمة ووضوحها الواقعي والخيالي، خفة الرمز وثقله، إضافة إلى هذه الكثافة الدلالية الكبيرة؛ فالربيع، الورد أحمر، الفل أصفر؛ شحنة زمانية وروحية وماتوحي به من خصوبة مزدهرة.
إذن الكتابة عند الشاعرة هدى عز الدين منفى للشعر كما يقول (بول رومتر)؛
وبرأيي إن الإغراق في المجاز لايكون الوسيلة الوحيدة للشعر، ولايكون الترابط بين القصيدة والمجاز حاسماً ونهائياً على الدوام.
أهنئ الشاعرة على هذا الفيض من الإبداع والجمال وأتمنى لديوانها الانتشار.

About The Author

Contact