×

(الدوال الأسطورية لمدلولات واقعية) بقلم الناقد رائد مهدي / العراق.// موضوع نقدي عن المجموعة الشعرية (آدون الشاعر المغترب) للشاعر اللبناني المغترب في كندا ناصر زين الدين.

(الدوال الأسطورية لمدلولات واقعية) بقلم الناقد رائد مهدي / العراق.// موضوع نقدي عن المجموعة الشعرية (آدون الشاعر المغترب) للشاعر اللبناني المغترب في كندا ناصر زين الدين.

(الدوال الأسطورية لمدلولات واقعية)

       بقلم الناقد رائد مهدي / العراق

موضوع نقدي عن المجموعة الشعرية (آدون الشاعر المغترب) للشاعر اللبناني المغترب في كندا ناصر زين الدين.

 تمهيد:

 ألواقع أعظم من كل الأساطير والحاضر هو البعد الأهم على خارطة الزمن ولذا فأنه جدير أن توظف لأجله الأساطير لتقرير المصير واختيار الحياة والسعي للوازمها وفي صدارتها الحب بعمقه التراثي والتاريخي والأسطوري.

د. ناصر زين الدين

  قبل البدء:

  نستهل حديثنا الذي يسبق القراءة النقدية بتذكير القارىء بشيء من مقدمة الكتاب تلك التي كتبها الشاعر الدكتور مديح الصادق في تقديمه للمجموعة الشعرية (آدون الشاعر المغترب).

 فيقول عن صاحب المجموعة بأنه:

“شاعر يجيد رصف الكلام”

ويقول أيضا:

 “هو الربان الماهر الشاطر لا يردعه موج ولا تقلبات الطبيعة”

ويقول عنه:

“عاشق وكل العشاق مثله في جنون، زادهم خيال، ومن عيني من يعشقون يسرقون القصيدة”

وعن استغراق الشاعر في الحبيبة يقول:

“إذ ذاك يغدو الكون لعبة طفل في قبضتيه فتولد القصيدة”

ويصف قدرات الشاعر بأنه:

“ممسك بأدواته يؤالف ماتناقض في كرنفال مهيب”

ويقول عنه:

“آدون الشاعر لم يزل معلق القلب متيما بوطن كبير فارش جناحيه من محيط الى خليج”

ويحدثنا عن بعض صفات الشاعر النبيلة فيقول:

“إنه ناصر زين الدين، الدكتور، مهندس شاعر، عن قرب عرفته، خصب الخيال، فيما يقوله بلاغة، وموازين الخليل خبيرها هو، عشق غريب للغة العربية في قلبه، والإنسانية جوهر أخلاقه، ومحور أهدافه”

وعن لغة الشاعر يقول:

“لايميل لتغليب تعقيد اللفظ على حساب المعنى”

 ألمدخل:

  بعد حديثنا الموجز والمجتزء عن مقدمة الكتاب وماورد بها من آراء وتقييمات، الآن أنا أحدثكم عن المجوعة الشعرية (آدون الشاعر المغترب) وعن صاحبها الشاعر الدكتور ناصر زين الدين في قراءة عسى ان تنال رضاكم فيما سنتطرق له من مضامين وتفاصيل وانطباعات.

 محتوى هذه المجموعة الشعرية يتضمن سبعة وعشرون نصا، ومن لطائف الترتيب لهذه المجموعة أنها تبتدء من العين حيث قصيدة (لعينيك) وتنتهي المجموعة في العين عند قصيدة (في عينيك) ومابينهما نصوص تتحدث عن الفقد والهوية في العشق كما في قصيدة (لعينيك) وعن حتميات مؤكدة في التقابل كقول الشاعر “لابد أن يموت من هدم الديار” في قصيدته (بيروت مدينة عشتار).

 في هذه المجموعة تمكن الشاعر من توظيف الأسطورة دالة للجمال وحيز للأثارة والدهشة، وشاهدنا من قصيدته (بيروت مدينة عشتار):

  “تموز وعشتار يتعانقا كالبدر في ساحة السماء”

وكذلك في نصه (وتنتظر الموعد) حين يقول:

أسطورتي، تحملك نجمة، ترسمك طفلة، في حدائق الشقائق”

هنا أيضا يضع الأسطورة بموضع الأداة الفعالة في صناعة واقعه الذي يرجوه، وينزل بها من ساحة المحتوى الخيالي المحض الى ساحة الواقع الفعلي على أرض الحياة لتكون جزء حي من خلال دورها المرجو في رفد الحياة والمشاركة في آثارها، كما نجده يقوم بتوظيف الأسطورة للدلالة الزمنية وشاهدنا قول الشاعر في نصه (وتنتظر الموعد):

“عشتار ألا تدرين إن شاطئك في موعد”

كذلك توظيف الأسطورة دلالة للسفر المعنوي العاطفي حين يقول في ذات النص:

“أنا أدونيس الشاعر المغامر المسافر في حزن الوجود”

ومن الأسطورة الى النظرة في نصه (كلما نظرت الى عينيك) نجد مضامينا متعددة للنظرة منها:

ما هو دال على جوهر النظر كقوله: “كلما نظرت إلى عينيك تتفتح شقائق من نوع آخر في قلبي”

ومنها ما يدل على الأثر والنتيجة كقوله: “كلما نظرت الى عينيك يبتسم جفنك ويتراقص”

ومنها ما هو دال على الغياب كقوله: “كلما نظرت إلى عينيك أغيب فترة عن العالم”

في نصه (القبطان) نرصد أيضا حالة من الإغتراب يكتب عنها مشيرا الى الإغتراب الزماني في قوله: “كان مهاجرا من الزمان نسي أوطانه”

ويشير أيضا إلى الإنقلاب اللامتوقع والغير محسوب في قوله: “لكن ذهب من باله أن تصطاده الشبكة وتوقفه سمكة”

ويشير أيضا إلى أن الحرية هي سر العظمة والعبقرية والإعجاز كما في قوله: “أطلقي سراحه سيجلب لك من الدنيا ما عجزت عنه الشياطين ومن السماء ما تعجز عنه الملائكة”

في نصه (حينما تحزن عيناك) نجده يداخل العاطفة مع الصورة المنظورة على مساحة متفتحة من الدهشة العقلية كما في قوله: “حينما تحزن عيناك يتفتح جمال آخر” إنه يمازج النفس مع الجسد على مساحة العقل الذي هو بوابة الوعي والمنفذ إليه، إنها ثلاثية الوعي بالنفس والجسد وبالحب الذي هو الأثر الذي قادت إليه المؤثرات. يحدثنا أيضا في ذات النص عن تراكمات عند قوله: “ويصبح في عالم الغربة غربة ثانية”

يحدثنا أيضا عن اختزال الوعي وتكثيف صورته الذهنية عند قوله: “لا إمرأة في الكون سواك” يحدثنا أيضا عن مطاردة للمعنى من خلال الحس عند قوله: “والحياة تبتعد عني أحاول إمساكها في عينيك” يحدثنا أيضا عن العلاقة بين القدر والقدرة في قوله: “قدر أن لا أقدر” يتطرق أيضا إلى نوع من الإلحاد الإنساني والذي لا يبلغه إلا من ولج الحب كل قلبه كما في قوله: “لكن إلحادي إلحاد إنسان آمن بك وأحب” يحدثنا أيضا عن طفل بريء يبكي لأبسط المتغيرات عند قوله: “في زمن الغربة حينما تحزن عيناك يلتفت طفلهما باكيا” يحدثنا أيضا عن حزن ولاد للقصائد فيقول: “عندما تحزن عيناك لا أرى في الدنيا سواك يحترق قلبي وأنظم لك القصيدة”

في نصه (وداعا يا قلب يتخذ من الصورة أداة يرسم بها الدرب ويصافح القلب ويعانق الحب كل ذلك يتجلى لنا عند قوله: “وداعا صوتك لن يرحل وداعا يا بدر لن ترحل”

وإلى نص (وأنت الوجود) نجد فيها التفرد في خلق حالة من الوعي بالحب من خلال قوله: “سأبقى إلها يصبغ رباك” وكذلك نستشف في ذات القصيدة لغة ما بين العيون عند قوله: “أقول وأنت بعين غريبة أحب العيون”

وإلى نص (عذرا حبيبتي) يكشف بها عن استجابات تلقائية فيقول: “القُبلة عندي كالجهل والحب صار من وجلي”

وإلى نص (أنت والقمر) نستقرأ بين كلماته حالة مـن عدم الجدوى وهو يقول: “أعرف أن السماء لا تسمعني”

كما وتتفتح أمامنا حالة من نشوة الخلو وهو يقول:

 “جميل أن أبحث عن سراب، وجميل أن أقف فارغ اليدين” ويحدثنا أيضا عن حالة من الثقة المفرطة حين يقول:

 “أطلقت الحياة لقلبك وأنت التي أسميتني إلهاً”

أيضاً يلوح لنا لمفهوم مميز للتدين حين يقول:

 “كنتُ جاهلا أعرف الدين جعلتِ مني الديانة”

 وعن حالة الوصول بعد الضياع يحدثنا قائلاً:

“كنتُ ضائعاً لا أغرف الطريق جعلتِ مني الدرب”

وعن ارتباط ثنائي الأبعاد، سماوي بشري، الرابط المشترك فيما بينهما رفقة مقصية بالغربة في قوله:

 “أنتِ والقمر وانا الذي رافقكما غربت عنكما”

 ثم يخلق لنا مشهداً حافلاً بالإستغناء وعلى طريقتين:

 الأولى الاستغناء عن ما هو مطلوب في قوله:

 “لم أعد أطلب حياتي”

والثانية الإستغناء عما هو مرفوض عند قوله:

 “لم أعد اطلب مماتي”

 مخاطباً آدون وعشتار، ألرمزين الأسطوريين، لتكن الأسطورة جزء من عملية الاستغناء تلك.

 يشير ايضاً الى حالة من التشظي في قوله:

 “أنتِ والقمر تنامان على بقايا مـن مقعدي المكسر”

 وإلى نص (بيروت أيا أمي) القصيدة التي تندمج بها أمواج الكون وأمواج البحر لخلق حالة من اليقظة في قلب ابن تجاه المدينة الأم فيقول:

 “أنتظر غيث امواجك لتوقظني مـن حالة الغربة”

 وإلى نص (هجرة القمر) حيث حالة مـن التخفِ العميق يحدثنا عن شاعر:

 “ارتدى ثوب الممات فوق الظلام ونام في هجرة القمر”

 وإلى نص (في بيتنا القديم) القصيدة التي يستبدل بها الشاعر عملية الحفر بدلاً عن القراءة تعبيراً عن شدة التحطم وعمق الحطام فلم تعد الرؤية وحدها كافية للتحقق ولابد من إزالة الحطام والركام عند قوله:

 “نحفر بين الحروف بين السطور لنرى أحياء”

 والى نص (عربي انا) يحدثنا بها عن عربي مكفوف عن استقراء الحاضر فيقول:

 “عربي مكفوف وأقرأ، ما حفظت أقرأ”

 وتقتصر قراءته لما تم تلقينه مـن الماضي البعيد.

 وإلى نص (في جعبتي) يتحدث مـن خلالها عن وطن مغدور مطعون ممزق بخناجر الخيانة فيقول:

 “في جعبتي وطن حزين في صدره اكثر مـن خنجر”

 وإلى قصيدته (ظنّوا أنّني ثائر) يصور لنا  مـن خلالها حالة  مـن النزيف الشعري وحالة انسكاب حروف حمراء  مـن دم المعاناة فيقول:

 “سأسرق بعض الحروف من لغتي وأخبئها في جرحي النازف”

كما يحدثنا في ذات النص عن عملية تلبيس لأغراض غير مشروعة فيقول:

 “وديانتي ألبسوها وجهاً مستعاراً”

 والى قصيدته (ضوضاء) يتطرق بها لحاله مـن الذوبان والحركة الهادفة داخل مشهد الدمار فيقول:

 “والباقون تسيل وجوههم كالشمع تحت لهيب النار”

 ويقول:

 “عانقت الدمار لأقفز فوقه”

 ويرسم لنا الصوت من الاعلى مروراً بالأدنى وانتهاء باليقظة فيقول:

“سمعت الإنفجارات فأيقظني ضوضاء سيارات المدينة في الغربة”

 أيضا يجعل من اللغة أداة للإنفصال عند قوله:

“وحيداً أبكي في لغة اجنبية غير معروفة”

 وعن البعد على صعيد الذهن والمكان يقول:

 “ألوطن بعيد وأخباره بعيدة”

 وإلى نص (يا آلهتي) يحدثنا فيها عن تماثل المحتوى الحركي فيقول:

 “قالت لي الحورية العواصف تضرب العواصف والامواج تكسر الامواج والحب ينجب الحب”

 وإلى نص (احاديث) يتطرق إلى ثلاثة عناوين لمضمون واحد فيقول:

 “أنا ودفتر وكلمات” فيعدد ذاته الواحدة شعراً.

وإلى نص(قصيدتي) ذلك النص الذي فيه يتحول المضمون الإنساني إلى محتوى ابداعي فيقول:

 “وهل غيرك القصيدة”

 وإلى نص(صدقيني) يتطرق بها لمعرفة وفهم الأسطورة   مـن خلال خبرات الواقع فيقول:

 “أنني لم أكن اعرف عشتار لو لم اركِ”

 وإلى نص(خاطرة) يحدثنا عن علاقة جمالية تجمع ما بين الصورة والصوت في قوله:

“عيناكِ في مرأى الوجود لحن في أوتار عود”

 وإلى نص(أحببتك) يحدثنا فيها عن غياب وضياع يقود الى الحب فيقول:

 لمَ احببتك؟ لأنني غابت عيوني عن حواء وأضعت البشر” وإلى نص(أتصفح) يتضمن مشهد لوقوع الحركة في السكون عند قوله:

 “تقع كلماتي في صمتها”

 وإلى نص(أحبكِ) النص الذي يتحول فيه ما هو صوتي الى صوري عند قوله:

 “أخط فوق القدر وفي ازقة السماء دقات قلبي”

وإلى نصه الاخير(في عينيك)حيث تكون العين مرآة للجرح في قوله:

 “في عينيك وطن جريح”

 وتكون العين مرآة للبكاء عند قوله:

“في عينيك أمة باكية تتسكع”

 وتكون العين مصدر للنجاة والغرق عند قوله:

“في عينيك سفينة بحار وبحار عاصفة”

 وتكون مصدر ملهم للإنقاذ عند قوله:

 “في عينيك يلقط الحب جريحه”

 وتكون أيضا نافذة للوطن وبوابة للدموع ومصدر للإخضرار عند قوله:

 “الوطن في عينيك أرض يابسة تنتظر دموعك لتخضر وتنبت أبناء”

 كذلك العين مصدر للحب والنهوض وللصمود بوجه عاديات الزمن عند قوله:

 “أحببت عينيك كوطن شهيد ينهض مـن جديد يعيش مـن جديد ولن يركع”

 تقييم للمجموعة وللشاعر:

إن مجموعة (آدون الشاعر المغترب) هي ملحمة تشتبك فيها الغربة مع الحنين الى الوطن ويشتبك بها العشق والفقد ويشتبك فيها الواقع والأساطير مـن أجل ترجمة وافية وفهم أشمل من خلال الأدب وبأداة الشعر لمعنى الحياة مـن وجهة نظر شاعر، ورؤية لأديب يعرف ما يقوله جيداً وينتقي ما يضفي على نصوصه بالغ الأثر.

 إن الشاعر ناصر زين الدين يجيد الإستفادة الشاملة  مـن جميع المظاهر التفسيرية لمعنى الحب والحياة لذا لم يغفل عن استخدام الأسطورة كمادة تعبيرية قابلة للإسهام في صنع معنى عميق وفائدة وإن كانت لوحدها(واعني الأسطورة) لا يمكن الإعتماد عليها منفردة دون ممازجة الواقع ودفعه إلى الحالة الأمثل والتي هي نقطه الارتكاز والمنطلق التي تقف عليه لوازم الابداع وحيز الإستقرار للمبدعين.

         6 يونيو حزيران لسنة 2021

About The Author

Contact