×

جمالية الوصف وأوجه الاختلاف بين البيئتين العربية والأوروبية من خلال السرد القصصي.في المجموعة القصصية (رائحة الأمكنة) للقاصة العراقية المغتربة في ربوع أوروبا الأستاذة ليلى عبد الواحد المرّاني. قراءة الأديبة الناقدة سمر الديك، من سوريا، فرنسا.

جمالية الوصف وأوجه الاختلاف بين البيئتين العربية والأوروبية من خلال السرد القصصي.في المجموعة القصصية (رائحة الأمكنة) للقاصة العراقية المغتربة في ربوع أوروبا الأستاذة ليلى عبد الواحد المرّاني. قراءة الأديبة الناقدة سمر الديك، من سوريا، فرنسا.

جمالية الوصف وأوجه الاختلاف بين البيئتين العربية والأوروبية من خلال السرد القصصي.

قراءة الأديبة الناقدة سمر الديك، من سوريا، فرنسا.

نحن أمام مجموعة قصصية بعنوان (رائحة الأمكنة) للقاصة العراقية المغتربة في ربوع أوروبا الأستاذة ليلى عبد الواحد المرّاني ونحن نتدارس تلك المجموعة نبدأ بالعنوان الذي يشكل عنصراً أساسياً هاماً من عناصر تشكيل تلك المجموعة ونقرأ فيها ست وعشرين قصة تحمل عتباتها: (المهرج، ضياع، طوق الياسمين،عفن،نبتة شيطانية، فرح مؤود،جروح، مطبات، وميض العتمة، قهقهة في وادي الموت، ضبع، كريستال، قد يبكي الشعراء، وفاء، الحاوي، ساقطون، نوارس تائهة، انطفاء،صرخة قدم،عيدوغربة، رقصة الحب الأخيرة، جدب، نحو الهاوية، رائحة الأمكنة، مزاد، رباط خفي).

لقد استهلت القاصة مجموعتها بالإهداء إلى أخيها طيّب الله ثراه، تبعها التقديم بقلم الدكتور العراقي وليد جاسم الزبيدي

سأتناول في قراءتي جانب السرد وجمال الوصف وأوجه الاختلاف بين البيئتين العربية والأوروبية من خلال السرد القصصي.

أولاً- لابد من التمييز بين عنصرين هامين في أية قصة هما السرد والوصف فالسرد يتناول التغييرات الملحوظة في الشخصيات والمواقف والظروف المحيطة، أمًا الوصف فيتناول الأمور التي لاتتغير أو التي يطرأ عليها تغيير طفيف ومع ذلك فالوصف والسرد وجهان لكيان القصة بل هما مثل الروح والجسد في الكيان الإنساني (أنريكي أندرسون إمبرت)، وهدف السرد صنع حبكة؛ والحبكة هي سر السرد، وعموده الفقري، والسرد التخييلي يفضي إلى معنى أو أكثر وإنّ الحوار الذي يشكّل جزءاً من السرد له وظائف متعددة فهو يُنظم الحبكة ويكشف عن الشخصية ويشرح الوقائع ويصف الملامح ويثير فضول القارئ وقد قامت معظم قصص تلك المجموعة على جمال الوصف وبهاء لغة السرد .

لقد سيطرت الكاتبة على دفّة الأحداث في تصوير الواقع العربي الذي يُعاني من التشرذم والبطالة والرشوة، والفقر المدقع ومعاناة المثقفين في الحصول على عملٍ شريف يحفظ ماء الوجه ففي قصة (مزاد)ص98 نجدُ بطل القصة ينظر إلى شهادته الجامعية وشهادة زوجته نظرة ملؤها الحزن والألم ويرميها على الأرض ،مُكتفياً بكيس النقود ثمن كليته وكلية زوجته وهذا المبلغ سيقدمه للموظف كرشوة من أجل الحصول على عمل كحارس ليلي لأحد الدوائر الحكومية يقيه الجوع وغدر الزمن.

لقد برعت القاصة، بل وأجادت في المقارنة بين البيئة العربية والبيئة الأوربية لاسيما أنّ الكاتبة ليلى المرّاني عراقية الأصل عاشت بداية حياتها في العراق وهي على علم ودراية بعادات وتقاليد المجتمعات الأوروبية حيث الكلب عندهم كفرد من أفراد الأسرة وروحه أغلى من روح البشر حيث أسقطت هذه العادةعلى الكلب (بوكسر) في قصتها (طوق الياسمين)عندما ذهبت بطلة القصة مع أخيها لتعزية (دوروثي) المرأة الإنكليزية في وفاة زوجها، التي تُعاني من الوحدة والاكتئاب فنراها تقصُّ عليهما أحزانها ،وعيناها ملأيان بالدموع عن مرض بوكسر الحبيب وأيامه الأخيرة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في حضنها، دون أن تشير إلى حزنها لفقدان زوجها شريك عمرها بل نرى صورة زوجها المرحوم الذي تُوفي قبل أسبوع على حائط ضيق خلف الباب كأنّها لاتعيره أي أهمية قياساً لكلبها بوكسرالتي تصدّرت صورته في الصالون وبأكثر من مكان.

كما برعت الكاتبة بذكاء وحنكة وفطنة على توصيف المرأة الأرملة في المجتمع الأوروبي ومقارنتها مع (خيرية) المرأة الأرملة في المجتمع العربي التي فقدت زوجها بسبب إصابته بالسكتة القلبية وهي لا تزال في ريعان الشباب تُضحي بنفسها وقوتها من أجل أطفالها وتربيتهم:

“شابة لاتزال حين توفي زوجها فارعة الطول لاتفارق الضحكة فمها، ضفائرها مجدولة بسواد ليل حالك تنسدل بغنج حتى منتصف ظهرها… لم تذرف خبرية دمعة واحدة ولم تتصدر جلسات العزاء ألقت طرحتها، قصّت ضفيرتيها الطويلتين وهامت على وجهها تجوب الشوارع تعود بعد غروب الشمس تَقضم قطعة خبز صغيرة تحتضن صورة زوجها وتنام تاركة ولديها لجدتهما التي احدودب ظهرها حين هدّها الحزن والبكاء على وحيدها” ص19-20.

لقد أظهرت لنا القاصة براعتها في الوصف ودقتها في تصوير الشخصيات والأماكن:

“الشّقة صغيرة، صغيرة وأنيقة على الطراز الإنكليزي، الكنبات الجلدية السوداء، الطاولة الوسطية غامقة اللون تتوسطها فازة كريستال تكتظ بورود ملونة طازجة لارائحة لها… استقبلتنا الأرملة المسنّة بأناقتها ومكياجها الخفيف تذكرتُ نساءنا والسواد يُجللهنّ من الرأس حتى القدم” ص17.

هكذا جسدت القاصة للقارئ تضحية المرأة الأرملة بكل ماتملك من أجل أولادها وسعادتهم من خلال طوق الياسمين الرمز الذي ستهديه لخلود عروسة عماد ابن خيرية الأرملة.

لقد جسدّت لنا القاصة لحظة الاحتضار في الجنوب العراقي حيث نرى المُحتضَر يذكر بفخر أسماء ذويه الراحلين قبل مفارقته الحياة وذلك في قصة (رباط خفي) كما نلمح هذا الحب الصادق الذي يجمع بين بطل القصة المُحتضَر وبين بنت خالته بدرية التي أحبها وبقي مخلصاً لحبها وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وهكذا تركت المتلقي في حيرة من أمره هل سيفارق الحياة حقاً أو أنّ رابط الحب الخفي الذي يربطه ببنت خالته بدرية سيجدد له الحياة؟.

كما رصدت لنا القاصة الأحداث الأليمة التي عرفها الواقع العراقي بأسلوب عجائبي وتجسيد حالات الإرهاب والقتل حيث الشبيحة يتسللون إلى البيوت ويقتادون الأبرياء بمرأى من عيون النساء والأطفال كما ورد في قصة (ضياع):

“اقتحموا الدار وعتمة الليل عنوة وجوهٌ فولاذية مُصفحة صبّوا نظراتهم رصاصاً على أجساد خائفة ترتعش… مزّقوا الوسائد وحشوة الفراش ووجدوا دليل إدانته صوراً ومناشير بخطٍّ أحمر دليلٌ كافٍ على أنه يعمل بتنطيم سري…” ص15.

نقلت لنا القاصة صوراً مؤلمة تظهر القهر والظلم الذي كان يُمارَس على الشعب العراقي دون وازعٍ أخلاقي في قصة (رائحة الأمكنة) التي سُميت المجموعة باسمها:

 “المنطقة صحراوية أين نحنُ هل تعرفون؟ بناية واحدة تنتصب في ذلك الخواء المخيف يقف عند بابها أربعة عمالقة موشحين بالسواد من رقابهم حتى القدم، وثلاثة كلاب رمادية تقدح عيونها شرراً تمسك بسلاسلها امرأة متشحة هي بالسواد تضيف للمشهد رعباً جهنمياً ذكرني بأفلام (الفريد هيتشكوك)” ص 93-94.

تصل الكاتبة بالمتلقي إلى نهايات درامية في معظم قصصها حيث وفاة المرأة الحامل بعد ولادتها:

“دخل علينا عملاقان أشارا أن نصطف بطابور لنخرج من ذلك الجحر… آخر ضيف وصل الزوج يحمل رضيعاً ملتصقاً بصدره استقر بيننا ودموعه تغسل وجه الرّضيع” ص .96

لقد نجحت الكاتبة بالإيجاز الشديد والتكثيف الواضح وخبرتها المميّزة في اختيار المفردة الدالة ، وصنع القفلة المحكمة،

كما برعت في تحريك الأحداث بصورة سليمة ومشوّقة للقارئ بحيث كانت كل قصّة بمثابة فلاش باك ومرآة تعكس واقع الحياة الراهنة.

هنيئاً لها وأبارك لها هذا المنجز القيّم.

——————————————————

About The Author

Contact