×

رأي كامل ( ح1) الأديان نعمة أم نقمة… بقلم فضيلة الشيخ كامل العريضي…

رأي كامل ( ح1) الأديان نعمة أم نقمة… بقلم فضيلة الشيخ كامل العريضي…

( رأي كامل ) فقرة شهرية يكتبها فضيلة الشيخ كامل العريضي – مدير مدرسة الإشراق المتن – لبنان. وذلك لتوضيح بعض الامور في مجتمعاتنا الإنسانية …

الأديان نعمة أم نقمة؟

بقلم فضيلة الشيخ كامل العريضي

إنّ البحث فى الأرقام والإحصائيّات المتعلّقة بخريطة الأديان والانتماءات الدّينيّة فى العالم تشير وفقًا للدّراسة الصّادرة عن مركز “بيو للأبحاث” Pew Research Center الأمريكى المتخصّص فى الإحصائيّات الدّيموجرافيّة، فى عام 2015، والّتى كشفت أن 84% من سكّان الكرة الأرضيّة ينتمون لأديانٍ مُختلفةٍ، و16% فقط لا ينتمون لأديان، وكشفت تلك الدّراسة أنّ عدد سكّان الكرة الأرضيّة وصل إلى 7 مليار و647 مليون نسمة، ما يعنى أنّ 6.4 مليار تقريبًا منهم ينتمون إلى أديان مختلفة، و1.2 مليار فقط لاينتمون إلى ديانات. ولا تعني تلك النّسبةُ أنّ جميعهم ملحدون، خاصة أنّ الدّراسة أكّدت أنّ كثيرًا منهم يؤمنون بوجود إله لكنّهم لا يمارسون طقوسا أو شعائر دينيّة.

على الرّغم من تلك الأرقام، فإنّنا نقرأ الكثير من المقالات شبه اليوميّة الّتي تهاجم الأديان وبشدّة، والبعض يذهب إلى اعتبارها السّبب الأساس في تعثّر البشريّة وتراجعها، وأنّها الطّامّة الكبرى في الحروب بين البشر، وتساهم في ترويض الشّعوب وتحثُّ على الخضوع للحكّام تحت عناوين دينيّة مختلفة. بالإضافة إلى الاستهزاء بالعبادات والفرائض والمقدّسات، وكما يتمّ اعتبار المحرّمات عمليّة تقييد وحجز للحريات – عند المنتقدين –   لأنّه وبحسب رأيهم يحقّ للإنسان فعل ما يشاء بجسده وماله وممتلكاته من دون أيّ قانون أو رادع. ونحن نشكر هؤلاء على ما يكتبونه لأنهم بالحقيقة يحثوننا على الكتابة ويمدننا بطاقة نحولها إيجابية، للرد عليهم بطريقة راقية وأخلاقية، وهنا يبقى على القارئ حسن الاختيار.

نحن مع حرّيّة الرّأي والتّعبير ونؤكّد عليها، على أن تكون ضمن الأصول العلميّة والأدبيّة الصّحيحة، وأن يكون النّقد بنّاء وهادفًا وواضحًا ومحدّدا.

أما ما أرغبُ في لفت نظر الاخوة المنتقدين إليه، فهو التّفريق بين رجل الدّين والدّين، أو بين المؤمن والدّين. فإذا رأيت فعلًا خاطئًا من مؤمن فهذا لا يعني أنّ الدّين خطأ بل هذا الشّخص قد أخطأ. كذلك ينبغي التّمييز بين المفسّرين والكتب المقدّسة في الأديان، لأنّ الكتب المقدّسة في الأديان السّماويّة تنزيل العزيز الحكيم. أمّا المفسّر أو الشّارح فهو إنسان يخطئ ويصيب. وهنا برأيي يكمن سبب البلاء حيث كثُر المفسّرون في كلّ الأديان، والبعض لم يكن على قدر المسؤوليّة، بل كان خادم السّلطان، وبالتّالي أتت العديد من أحكامه وفتاويه بما يتناسب مع طمع السّلطان وبطشه وحبّه للمال والسّيطرة على النّاس والممتلكات.

وهنا قد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤالٌ محقٌّ: لماذا وُجدت الأديان؟ وما الهدف من باب الحرام أو المحرّمات والتّحريم فيها؟

يمكننا القول إنّ الأديان وُجدت لخدمة الإنسانيّة، ولتزرع فيهم الأخلاق الحميدة والفضائل الكريمة، وتغرس بذور المحبّة والتّلاقي، وتُعلّم الإنسان كيف يحترم أخاه الإنسان. كما قال تعالى في كتابه العزيز: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” وجاء في الإنجيل المقدّس: “لِأَنَّ هَذَا هُوَ ٱلْخَبَرُ ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ ٱلْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا”.

إذاً هي تعمل على تعزيز ثلاثة أبعاد أساسيّة:
١- علاقة الإنسان بخالقه.
٢- علاقة الإنسان بنفسه.
٣- علاقة الإنسان بأخيه الإنسان.

فهذه المكوّنات الثلاث هي جوهر الأديان وروحها، وكلّ العبادات والتّشريعات والمستحبّات الدّينيّة تساهم بشكل أو بآخر في تنمية هذه الأبعاد الإيمانيّة.

أمّا قضيّة التّحريم فهي لخدمة الباحث عن معرفة نفسه، والعامل على تطهيرها من الشّوائب والرّذائل، والسّاعي لتطوير ذاته الإلهيّة وقدراته النّورانيّة. فكلّ شيء محرّم لا يُحرّم إلا لسبب واضح، فالتّعدّي على أملاك الغير، والإساءة إلى الآخر، وكلّ فعل أو طعام أو شراب يُفقد الإنسان عقله ووعيه، وأيّ عمل من شأنه إحداث ضرر جسديّ أو معنويّ أو نفسيّ أو روحيّ للإنسان أو لأخيه، والظّلم للحيوان والتّنكيل به أو تدمير الطّبيعة، كلّها من المحرّمات الدّينيّة وهي كما أوضحنا محرّمة لعلل معلومة جليّة. وتأتي قائمة الممنوعات كي تتلاقى مع النّقاط الثّلاث المذكورة، حتى تتكامل معها وتسمو بالنفس البشريّة إلى الأعلى حيث الشّرف والطّهارة والعفاف والرّقيّ والوعي الحقيقيّ، وعندها تتكشّفُ لها معرفة ذاتها وقُدس عنصرها وقوّة صفائها.

   بناءً على ما تقدّم، فهل تكون الأديان عبئا على الإنسانيّة وأساس الرّجعيّة؟ أم أنها نعمة روحانيّة وسرّ السّعادة الأبديّة في دار الدّنيا ودار الآخرة السّرمديّة لكلّ مَنْ سلك على نهجها بصدق والتزام وإخلاص ووعي؟

فضيلة الشيخ كامل العريضي – مدير مدرسة الإشراق المتن – لبنان.

About The Author

Contact