×

رأي كامل (ح 9) كِلامُ الكَلام أشدُّ إيلاما من جِراحِ السِهام. بقلم الشيخ كامل العريضي/ لبنان

رأي كامل (ح 9) كِلامُ الكَلام أشدُّ إيلاما من جِراحِ السِهام. بقلم الشيخ كامل العريضي/ لبنان

( رأي كامل ) فقرة شهرية يكتبها فضيلة الشيخ كامل العريضي – مدير مدرسة الإشراق المتن – لبنان. وذلك لتوضيح بعض الامور في مجتمعاتنا الإنسانية …

كِلامُ الكَلام أشدُّ إيلاما من جِراحِ السِهام. بقلم الشيخ كامل العريضي/ لبنان

          الكلمة تعني لفظة واحدة مفهومة، وأحرف الكاف واللام والميم في اللغة تدل على أصلين: أحدهما يدل على نطق واضح معروف المعنى، والآخر على جِراح. فالأصل الأول: الكلام، تقول: كلمته أكلمه تكليمًا، وهو كليمي، إذا كلمك، أو كلمته. ثم إن العرب توسعت في هذا، سمّت اللفظة الواحدة المفهومة كلمة، والقصة كلمة، والقصيدة بطولها كلمة. وجمع الكلمة: كلمات وكَلِم.

والأصل الآخر: الكَلْم (بتسكين اللام)، وهو الجرح، والكِلام: الجراحات، وجمع الكَلْم كلوم، وكِلام. ورجل كليم وقوم كلمى، أي: جرحى، ومنه قراءة أبي زرعة بن عمرو: “أخرجنا لهم دابة من الأرض تُكْلِمُهم”(النمل:82)، أي: تجرحهم.

يمكن أن نستشف من هذه الأحرف الثلاث ( ك/ ل/م) أنها قد تكون كلاما واضحا مفهوما، أو جرحا غائرا كبيرا، ولعمري، هناك كلام يصنع كلْما غير مرئي وقد لا يندمل طول العمر.

          لذلك تعد الكلمة من أهم مسؤوليات الإنسان، وأهميتها أنها تتعلق بالآخر، وليس بالمرء نفسه فقط، وهو محاسب عليها كما قال تعالى: “مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”. كما أن ثوابها عند الله عظيم عندما تكون على القاعدة الصحيحة. لذا دعت الأديان السماوية والمبادئ الأخلاقية الصحيحة إلى ضرورة الانتباه لجارحة اللسان وما يصدر عنها من كلام قد يؤدي إلى غضب الله وسخطه، وحثت الانسان على الاستفادة منها بطلب العلم النافع والعمل الصالح، والسؤال عن المنافع والمضار.

          ولعل أكثر ما نواجهه في عصرنا الحاضر، هو سهولة الكلام وإطلاق الأحكام على الناس، بالإضافة إلى الغِيبة (ذكر الشخص بما يكره من العيوب التي فيه في غَيْبَته بلفظٍ، أو إشارةٍ، أو محاكاةٍ) والنميمة (نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد والإيقاع بينهم). أما إطلاق الشائعات بهدف تشويه سمعة شخص ما، فإثمها كبير جدا عند الله سبحانه وتعالى لأن قذف الناس بالباطل من كبائر الذنوب. وهناك من يعمل بقصد على إسماع قريبه أو صديقه كلاما مؤذيا بشكل متكرر ليؤدي ذلك إلى صدمة نفسية أو صحية له. فهنا الإثم ملازم صاحب الكلام طيلة مرض صديقه إذا كان هذا بسببه. وبعض الكلام قد يسبب موت المخاطَب بما له من وقع خطير عليه، وتفاعل هائل في داخله، وعندما يكون هذا التصرف عن قصد وتصميم في الايذاء يعد المخاطِب شريكا في موته. قد تتعجب أخي القارئ/ أختي القارئة من أن الكلمة قد تفعل كل هذا! نعم هناك من انتهت حياته العملية بسبب إشاعة غير صحيحة، وهناك من تدمرت نفسيته من جراء معلومة غير دقيقة، أو اعتلت صحته من كلام مسيء، أو تهديد أو وعيد.

ولوسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا الحاضر، الأثر البالغ في كل ما تقدم، فهي تشكل الوسيلة الأكثر رواجا واستعمالا، إذ بمجرد كتابة كلمة أو تسجيلها أو نشرها، نجدها تنتشر بسرعة فائقة، وهذا ضمن المسؤولية التي أشرنا إليها، بل تزداد عنها، نظرا لسرعة انتشارها ومداه. لذا علينا تقوى الله في كل ما نكتبه أو نسجله أو ننقله على تلك الصفحات الافتراضية الحقيقية.

          إن الكلمة الطيبة تحيي الإنسان وتنقله من مرتبة إلى أخرى، وهي قاعدة أساسية في سعادته وراحته، والكلمة الخبيثة قد تكون مدماكا قويا في تعثره وتراجعه وتعاسته. فمن هنا علينا أن نختار كلماتنا ونعمل على انتقائها عند مخاطبة الآخرين، كي لا نكون جرحا إضافيا لهم، بل بلسما وجمالا. وعندما يتشبع المرء بالقيم والإنسانية واحترام الآخر، لا بد من أن تتهذب ألفاظه وتتطهر كلماته، فلا يليق بالعاقل إلا الكلام الموزون والدقيق، وكلما ارتقى وارتفع في سلم الفضائل، رق ميزانه، فقلما يخرج من فمه قول غير مقبول حتى في أشد الأوقات صعوبة. لأن الكلمة الصادقة والمخلصة تعبر عن نفس مطمئنة هادئة وأنيقة. وأناقة الداخل تحتاج لعمل دؤوب ومسلك طاهر مبني على الإخلاص في النية والقول والعمل. جعلنا الله سبحانه وإياكم من أصحاب الأناقة تلك إنه رؤوف منان، ومتكرم بالعفو عن الزلل والخطأ بالإحسان.

About The Author

Contact