×

شعر المهجر وخصائصه في القرن الحادي والعشرين، وضعية نقدية عن شعر الحنين إلى الوطن في ديوان (آدون الشاعر المغترب) للدكتور ناصر زين الدين اللبناني المغترب في كندا، بقلم الأديبة سمر الديك/ فرنسا

شعر المهجر وخصائصه في القرن الحادي والعشرين، وضعية نقدية عن شعر الحنين إلى الوطن في ديوان (آدون الشاعر المغترب) للدكتور ناصر زين الدين اللبناني المغترب في كندا، بقلم الأديبة سمر الديك/ فرنسا

شعر المهجر وخصائصه في القرن الحادي والعشرين

(وضعية نقدية عن شعر الحنين إلى الوطن في ديوان (آدون الشاعر المغترب للدكتور ناصر زين الدين اللبناني المغترب في كندا

مقدمة:

قام الشعر المهجري متمثلاً بمدرسة المهجر على أيدي الأدباء العرب المهاجرين من بلاد الشام إلى الأميركيتين ،حيث قاموا بتكوين جمعيات أدبيّة من أبرزها العصبة الأندلسيّة ،والرابطة القلميّة. لقد لعب شعراء المهجر دوراً كبيراً في نهضة الشّعر العربي، وجدّدوا فيه حيث أتاحوا للشّعر العربي الانفتاح على التجارب الأدبيّة الرياديّة فأصبح الشعر المهجري شعراً عربياً في ثوبه الجديد بعيداً عن الجمود والألفاظ المقيّدة…

ولعلّ أبرز مايميّز الشعر في وقتنا الحالي في القرن الحادي والعشرين ارتباطه بالوطن الأمّ والحبيبة، التي هي الوجه الآخر للوطن

الدراسة النقديّة:

بالعودة لمجموعتنا الشعرية (آدون الشاعر المغترب)للشاعر اللبناني المغترب الدكتور ناصر زين الدين نجد أنّ الغربة وتباريحها كانت مهمازاً لقريحة الشاعر وجناحي التحليق في سماء الشعر، بلغة صافية، رقراقة، مُتخلصةٍ من أصباغ التكلّف ،وطلاء التصنّع

وبتدقيقنا لعنوان تلك المجموعة الشعرية (آدون الشاعر المغترب) فقد ألصق الشاعر على نفسه تسمية (أدونيس)الشاعر السوري اللبناني المعروف تيمناً به وبأسطورة (أدونيس)الفينيقية التي تمثل رؤيةً ذات طابع إنساني .

سأحاول هنا كشف الشفرات لبعض نصوص تلك المجموعة مستخدمةً التحليل الأسلوبي،والكشف عن الشكل والمضمون،والمستوى المعجمي للغة،ومستوى الصورة الشعرية والمعاني …

لاشكّ أنّ الشاعر تأثّر بالمذهب الرومانسي ،وهو الشاعر المغترب منذ أعوام،لذلك اتّخذَ من المرأة رمزاً أساسياً في التعبير عن مبادئه،والتمسك بانتمائه للوطن الأُمّ…

حيث اتكأَ على ملحمة (جلجامش)لتعكس مابداخله من الحبّ ،والأمل ،والإنسانيّة فجاءت ْقصيدته الأولى في المجموعة بعنوان(لعينيكِ)فقد كتبَ لعشتار رغم الصراع ،ورغم الضّياع :

لعينيكِ أكتبُ الأحرف العظيمة ،أكتبُ عظمةَ الوجود …

وأخطُّ بلا حدود …بسمةً لعينيكِ…عشتار ورهبة الانتظار حلمٌ…لاتلقى سوى (آدون)بحّارٌ كالقبطان لكنّه دون سفينة كأُسطورة…لعينيك ياعشتار سيُكتبُ الانتظار ُدون رهبةٍ …دون وداعٍ فالبحارُ آتٍ بوجه السّندباد

وإذا ذهبنا إلى القصيدة الثانية بعنوان (بيروت مدينة عشتار )نجدُ الشاعرَ يتوقُ للحبّ والسّلام بانتظار عشتار أميرة الحب ،والجمال وببراعةٍ يُسقطُ كلَّ الحيثيات عن بيروت الجريحة (عشتار)بأسطورة جلجامش حيثُ ينزفُ الحبُّ دماءً مخاطباً عشتار :

تهدّمت الأسوارُ حول بيروت …وانقشعَ الغبارُ في بيروت مدينة عشتار …

ادخلي ياعشتار ،حبيبُكِ جريحٌ شوّهَ وجهَهُ الشّقاء…ادخلي يا عشتار …كيفَ خرجتْ (ميدوزا)من البحار …كيف هدّمتْ الأسوار؟

كيف حجّرتْ بعينيها الصغارَ ؟

(أدَد)يرحلُ مع الشّتاء ،وميدوزا تحتضرُ ،تموت،في حُرمة بيروت …العذارى يصرخنَ تعالي ،يا عشتار لابدَّ أن يعودَ(تموز)سيعودُ وبكفِهِ تُنبتُ بسمةُ الصّغار وهكذا نجد الشاعر يتوق للحبّ،والسّلام بانتظار عشتار مستخدماً الرمزَ والأسطورة بحرفيّة وتمكن الصانع .

ويتفتّحُ عنده جمالٌ آخرٌ للحبيبة ،ويزدادُ حبُّه لها في قصيدته (حينما تحزنُ عيناكِ) ولا امرأةٍ في الكون سواها ،وهو ملحدٌ بحبّها ويعترفُ بإلحادهِ لهذا الحبِّ الدائم :

ولكنَّ إلحادي إلحادُ إنسانٍ آمنَ بكِ،وأَحبَّ أُسطورةً لن تُنسى .

وفي قصيدته( وداعاً يا قلب) فقد أودعَ قلبَهُ في قلبِ حبيبته قائلاً:

صوتُها لن يرحلَ …يطرقُ بابَ جدرانِهِ،ويرسمُ رحلةَ وجدانه ،وهيامِهِ بها…

ولايزالُ متمسكاً بحبيبته بقصيدتِهِ (أنتِ الوجود ) كما الصّبُّ عاشَ بقلبٍ حنون

ثمَّ يعودُ الشاعرُ لرومانسيته مُعتذراً من حبيبته (عُذراً حبيبتي):

عُذراً حبيبتي…لم أَقصد لكنّ إيامي معدودةٌ،والموتُ لي قبلَ العودة…فوداعاً قلبي لم أَقصدْ.

ويعودُ الشاعر مغازلاً حبيبته وهو مدركٌ أنّ السّماءَ لاتسمعهُ فحبيبتهُ بعيدةٌ حتى عن قصائده ،وهو يناجيها ، ويحلم ُبليلةِ العيد ،ربّمابلقائها،لكن هيهات ،هو يبحثُ عن سرابٍ،ويقفُ فارغَ اليدين ،ويؤكّدُ حبَّهُ فقد كتب ذلك على صخور البحر في قصيدته (أنتِ القمر) حيثُ جعل َالشاعرُ الطبيعةَ وعناصرَها تُشاركُه حبَّهُ، وأحزانُهُ:

النهرُ يُكلمُني …والعينُ تُغازلُني…الصفحةُ الزّرقاءُ التي تفترشُ صدرَ السّماءِ تُعلّمهُ الشعرَ،لكنّها ماتلبثُ أنْ تحملَهُ إلى حيثُ النيران ،واحتراق قلبِهِ على حبيبته.

وتبقى بيروتُ ربيعاً في خريفنا العربي يتأرجحُ اخضراراً،حيثُ يُبدي اشتياقَهُ الدّفين لأُمّهِ بيروت بقصيدتهِ بعنوان(بيروتُ يا أُمّي)وقدسأمَ من الغربة وقلق الاغتراب حيثُ ينامُ جُثّةً هامدةً ينتظرُ غيثَ أمواجِ العودةِ إلى الوطن الأُمّ مُظهراً نفسيته الحزينة حيثُ قضّ النعاسُ مضجعَهُ فهو فتى الليل يتأوّهُ حنيناً بقصيدته تحت عنوان (هجرةُ القمر )ويعودُ بذاكرتِهِ إلى مهده الأول وطنه الأُمّ ،حيثُ الفرح ،ولعبُ الأطفالِ ،والضّحكات،والأمنُ ،والاستقرار رغمَ صوتِ الثّعالب ،وهدير الرّياح،فهو لايخافُ ،ويشعرُ بالأمنِ على الرّغم من بيته المُدمّر حيث الطفلُ يلتحفُ الغبارَ ،تحتضنُهُ الأرض.

ولايزالُ الشاعرُ متمسكاً بعروبته بقصيدته (عربيٌّ أنا):

عربيٌّ أنا،وهذه هويتي…ومدينتي لستُ أدري …يُقالُ ،أنّها في دمارٍ…عربيٌّ أنا ،وثوبي مُمزّقٌ…

إشارة إلى أنّ الوطنَ الجريح َلايزالُ ينزفُ،وفي جُعبتهِ حقل ٌمن الدّموع،ومغارةٌ تملؤها الشّموع ،تُحاولُ ألاّ تركعَ…

العصافيرُ نسيتْ أُغنيةَ الصّباح …

ومع ذلك لن يركعَ ،في جُعتِهِ ،وطن ٌ جريح ٌ،

حزينٌ .هكذا أخبرنا بقصيدته بعنوان (في جُعبتي) ومع ذلك نراهُ ينادي، بالسّلام ،والمحبّة وهو رجل ُ السّلام المثقّف رئيس (منتدى ثورة قلم )

وعندما نصلُ إلى قصيدته بعنوان (ظنّوا أنّني ثائر) نجدهُ رجل َ المحبة والسّلام قائلاً:

سأرفعُ علمي الأبيضَ… لكن لايستطيعُ أنْ يغسلَهُ من دماء الشّهداء،يلبسُ ثوبَهُ الأبيضَ ويضعُ عليه صفةَ نازحٍ …

هكذا جاء حنين ُ الشّاعر إلى الوطن ،وإلى الأم،وإلى الحبيبة ، والأصدقاء.

وهكذا تتشظّى روح الشّاعر فنجد ُ أشلاءها في قصائد هذا الدّيوان حيثُ الحنين إلى مراتع الصّبا ،وحضن الأُمّ ،وسماء الوطن، وذكرى البيت الذي ترعرعَ فيه .

وقد ذكرَ التحنانَ ،وقسوة وجع الغربة،وعشقه لعهد الطفولة،ويتمنى أنْ تطأَ قدمُهُ أرضَ وطنه لبنان الحبيب مع أقرانه لذلك جاء رقيقاً بألفاظه ،وعدم التكلّف في اللغة فقد كانَ راسخاً في ذهنه:أنّ الشّعرَ عبارةٌ عن فنّ الحياة ،وإنّ الرّقة والبساطة هي أصلُ الشّعرِ.

وقد أحسنَ شاعرُنا اختيار الألفاظ السلسة الملائمة للمعنى والصور الشّعرية .

وبالعودة للغة الشّاعر نجدُ لغةَ الذّات لغةٌ وجدانية نابعة من بواطن النفس ،وليست لغةً معجميّةً.فهو يغمسُ ألفاظَ قصائده في محبرةٍ وجدانيةٍ فيأتي لنا بتلك اللغة المطواعة المعنى ،رقراقة ،مُنسابةً هامسة،بعيدةً عن الفخامة،ثمّ يُفرغُ هذه اللغة الوجدانية في قالبٍ ايقاعيٍّ ،منسجمٍ مع الذّات الشّاعرة فيلجأُ إلى التكرار والترادف في معظمِ قصائد ديوانه وبالتالي أضفى جرساً موسيقيّاً،ورسّخَ بعضاً من أفكاره الذاتيّة حيث الأُمّ والحبيبة ،والوطن.

وقد أحسن الشّاعر استخدام الصور الشعريّة،التي تنوعت بين التشبيه والمجاز والاستعارات بنوعيها التصريحيّة والمكنيّة كقوله على سبيل المثال:

النهرُ يُكلمُني

العينُ تُغازلُني

الصّفحةُ الزرقاء التي تفترشُ صدر السّماء تُعلمُه الشّعر…

وكثير غيرِها لكن ّ ذلكَ كان على حساب البديع من جناسٍ ،وطباقٍ فلانجد ُمنه النذر اليسير

أمّا أُسلوب الشّاعر فقد كان خبريّاً أكثرَ منه إنشائيّاً نظراً للرغبة المُلحّة عند الشّاعر؛ في إخبار المتلقي عن مكنوناته،وأحاسيسه التي طالما عبّرَ عنها في معظم قصائد الدّيوان .

أخيراًبهذا التلاحم الداخلي بين القصائد والشّاعر أتاحتْ لنا اكتشافَ المحتوى الوجداني العاطفي في البُنى اللغويّة في قصائد هذا الديوان الرائع .

الأدبية الناقدة سمر الديك

6/6/2021

About The Author

Contact