×

شيءٌ من اللغةِ العربيَّة ح 37 (أسلوب التعجب). بقلم أ. د. مديح الصادق… من كندا

شيءٌ من اللغةِ العربيَّة ح 37 (أسلوب التعجب). بقلم أ. د. مديح الصادق… من كندا

شيءٌ من اللغةِ العربيَّة ح 37 (أسلوب التعجب).

بقلم أ. د. مديح الصادق… من كندا

لأسلوب التعجب صيغتان أساسيتان:

أولاً-صيغة (ما أفْعَلَهُ)، نحو: (ما أجمَلَ الربيعَ).

{قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}.

للنحاة في (ما) أربعة آراء:

  • رأي سيبويه (وهو الأصوب)؛ أنَّها نكرة تامّة، مبتدأ، و(أجملَ) فعل ماض فاعله ضمير مستتر يعود على (ما)، (الربيعَ) مفعول به للفعل (أجملَ)، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ (ما).

التقدير: (شيءٌ أجملَ الربيعَ)، أي جعله جميلاً.

  • يرى الأخفش أنَّ (ما) موصولة، والجملة بعدها صلتها، وهي مبتدأ، خبره محذوف، التقدير: (الذي أجملَ الربيعَ شيءٌ رائعٌ).

ج- يرى آخرون أنّ (ما) نكرة موصوفة، والجملة بعدها صفة لها، وهي مبتدأ، خبره محذوف، التقدير: (شيءٌ أجملَ الربيعَ رائعٌ).

د- رأى غيرهم أنّ (ما) استفهامية، وهي مبتدأ، الجملة بعدها خبر للمبتدأ، التقدير: (أيُّ شيءٍ أجملَ الربيعَ؟)

………………

ثانياً- صيغة (أفعِلْ به)، نحو: (أكرِمْ بزيدٍ)

(أكرِمْ): فعل ماض جاء بصورة الأمر لمعنى التعجب، الباء: حرف جر زائد،

زيد: فاعل الفعل (أكرِمْ)، مجرور ظاهراً، مرفوع محلّاً.

……………..

ما يؤكد أنَّ (أفعلَ) في أسلوب التعجب (فِعْل) وجوب دخول (نون الوقاية) عليه في حال اتصلت به (ياء المتكلم)، وهي من علامات الفعل: (ما أسعدَني بحضورِكَ).

ما يؤكد أنَّ (أكرِمْ) في أسلوب التعجب (فِعْل) دخول (نون التوكيد) عليه، وقد استشهد النحاة ببيت مجهول شاعره:

” وَمُسْتَبْدِلٍ مِنْ بَعْدِ غَضْبى صُرَيْمَةً… فَأحْرِ بِهِ مِنْ طُوْلِ فَقْرٍ وَأَحْرِيَا”

الشاهد فيه أنه أوصل (نون التوكيد الخفيفة) بفعل التعجب (أحرِ) الأخير، وأبدل (النون) ألفاً عند الوقف، والمعلوم أنَّ التنوين من علامات الفعل.

………………………..

فعلا التعجب (أفعلَ)، و(أفعِلْ) جامدان، لا استعمال من الأول غير الماضي، ولا من الثاني غير الأمر.

شروط الفعل الذي يُصاغ منه فعلا التعجب:

  1. أن يكون ثلاثياً، فلا يُبنيان من الرباعي أو الخماسي أو السداسي، نحو: (دحرجَ، امتحنَ، استنتجَ).
  2. أن يكون متصرفا، فلا يبنيان من فعل جامد، نحو: (بِئسَ، نِعمَ، ليسَ، عسَى).
  3. أن يكون معناه قابلا للمفاضلة، فلا يبنيان مما ليس فيه تمييز لشيء على شيء آخر، نحو: (ماتَ، هلكَ، فنِيَ).
  4. أن يكون (تامّاً)، وليس من الأفعال الناقصة مثل: (كان وأخواتها).
  5. ألّا يكون منفيّاً، نحو (ما كرُمَ زيدٌ)، فلا يجوز القول: (ما ما أكرمَ زيداً)؛ لأن معنى التعجب مفقود.
  6. ألّا يكون الوصف منه على وزن (أفعَل)، مثل الأفعال التي تدل على الألوان: (حمِرَ، أحمَر. سَوِدَ، أسوَدَ)؛ أو التي تدل على العيوب مثل: (عوِرَ، أعوَر، حوِلَ، أحوَل).

لا تقل: (ما أحمرَهُ، أو أحمِرْ بهِ)، ولا (ما أعورَهُ، أو أعوِرْ بهِ).

7- ألّا يكون مبنيّاً للمفعول، أي مجهول الفاعل، نحو: (كُتِبَ الدرسُ)، فلا تقل هنا: (ما أكتبَ الدرسَ).

ملاحظة: ورد عند العرب شذوذاً التعجب بأفعال غير مستوفية الشروط، كقولهم: (ما أخصرَهُ) من الفعل (اختصرَ) الزائد على ثلاثة أحرف، أو (ما أحمقَهُ) من الفعل (حَمِقَ) إذ الوصف منه (أحمَق) على وزن (أفعَل)، أو (ما أعساهُ) من الفعل (عسى) غير المتصرف، وهذا نادر جداً ومقتصر على السماع فقط.

……………..

في الأفعال التي لم تستكمل الشروط المشار إليها؛ يمكن التوصل للتعجب منها بإحدى الصيغتين:

  1. صيغة (ما أشدَّ)، أو شبهه؛ متبوعاً بمصدر الفعل المُفتقر للشروط (صريحاً أو مُؤوّلاً)، منصوباً على المفعولية، نقول:

(ما أشدَّ دحرجتَهُ)، (ما أقبحَ عَوَرَهُ)، (ما أجمَلَ خُضرتَهُ).

  • صيغة (أشدِدْ) أو شبهه، ويُجرّ مصدر الفعل المُفتقر للشروط (صريحاً أو مؤوّلاً) بالباء في محل رفع فاعلاً، نقول:

(أشدِدْ بدحرجتِهِ)، (أقبِحْ بعَوَرِهِ)، (أجمِلْ بخضرتِهِ).

……………..

يُمتنع تقديم معمول فعل التعجب عليه، فلا يجوز القول:

(زيداً ما أحسنَ)، أو (ما زيداً أحسنَ)، أو (بزيدٍ أحسِنْ).

كذلك يُمتنع الفصل بين فعل التعجب ومعموله بأجنبي، فلا يجوز القول: (ما أكرَمَ الجائزةَ مُهديكَ) والأصل: (ما أكرَمَ مُهديكَ الجائزةَ).

ومثله إذا كان الفاصل ظرفاً أو جاراً ومجروراً أجنبياً عن فعل التعجب، نحو: (ما أروعَ بالشِعرِ مُتيَّماً)، والأصل: (ما أروعَ مُتيَّماً بالشِعرِ).

ورد الخلاف بين النحاة في الفصل إذا كان الظرف أو الجار والمجرور معمولاً لفعل التعجب، والمشهور جواز ذلك، ومن الشواهد النثرية قول (عمرو بن معد يكرب):

“لله درُّ بني سُلَيمٍ، ما أحسنَ في الهيجاءِ لقاءَها، وأكرمَ في اللزَبَاتِ عطاءَها، وأثبتَ في المَكرماتِ بقاءَها”

ومما احتج به النحاة بيت مجهول شاعره:

“خليلَيّ ما أحْرى بذي اللُّبّ أنْ يُرى… صبُورا ولكنْ لا سبيل إلى الصّبر”

الشاهد فيه الفصل بين فعل التعجب (أحرى) ومفعوله (المصدر المؤول من أن والفعل يُرى) بالجار والمجرور المتعلق بفعل التعجب، وهذا جائز بعض النحاة.

…………………………

إذا دلّ دليل على المُتعجَّب منه يجوز حذفه، قال امرؤ القيس بن حجر الكندي:

“أَرى أُمَّ عَمْروٍ دَمعُها قَد تَحَدَّرا… بُكاءً عَلى عَمْروٍ وَما كانَ أَصبَرا”

الشاهد في قوله: (ما كانَ أصبرَا) حيث حذف المُتعجَّب منه، والتقدير (ما كانَ أصبرَها)، والضمير المحذوف (ها) في محل نصب مفعول به.

كذلك يجوز حذف الفاعل المجرور بالباء الزائدة، كما في الآية الكريمة:

{أسْمِعْ بِهِمْ وأَبْصِرْ}، التقدير: (أبصِرْ بِهِمْ).

من الشواهد بيت لعروة بن الورد، عروة الصعاليك:

“فذلكَ إنْ يَلقَ المنيَّةَ يَلقَها… حَميداً وإنْ يسْتَغْنِ يَوْماً فأَجْدِرِ”

حذف فاعل فعل التعجب (أجدِرْ) لوضوحه من فحوى الكلام.

……………………..

ملاحظة: ورد في اللغة العربية تراكيب سماعية للتعجب، أي أنها غير خاضعة لقاعدة في صياغتها، نحو:

(للّهِ درُّهُ مِن شاعرٍ)، (تباركَ اللهُ أحسنَ الخالقينَ)، (يا لَها مِن أديبةٍ مؤدَّبةٍ). {سُبحانَ رَبّي هَل كُنتُ إِلّا بَشَرًا رَسولًا}.

{قالَتْ يا وَيْلَتِي أَأَلِدُ وَأَنا عَجوزٌ وَهذا بَعلي شَيخاً؟ إِنَّ هذا لَشَيءٌ عَجيبٌ}.

……………………

عسى أنْ أكون قد وفِّقت في تقديم المحاضرة بأمانة، وبأسلوب مُبسَّط للجميع.

نلتقي في الحلقة 38 (أسلوب التفضيل) لعلاقته بأسلوب التعجب.

كندا – الأربعاء – 27 – 4- 2022

About The Author

Contact