×

شيءٌ من اللغة العربية ح 24 (أسلوب الاستثناء)// بقلم أ. د. مديح الصادق… من كندا

شيءٌ من اللغة العربية ح 24 (أسلوب الاستثناء)// بقلم أ. د. مديح الصادق… من كندا

شيءٌ من اللغة العربية ح 24 (أسلوب الاستثناء)

بقلم أ. د. مديح الصادق… من كندا

الاستثناء: إخراج ما بعد أداة الاستثناء عن حكم ما قبلها، نحو:

(قدِمَ المدعُوُّونَ إلاّ خالداً).

هذا يعني أن المتكلم أخرج خالداً من حكم المدعوّينَ، وهو القدوم، وقد استخدم لهذا الغرض أداة الاستثناء (إلآّ) ؛ فما بعد أداة الاستثناء، (خالد) مُستثنى، وما قبلها، (المدعوّونَ) مُستثنى منه.

الاستثناء نوعان:

1- الاستثناء التام: عندما يكون الكلام تامّاً:

المقصود بالكلام التام أن أركان الاستثناء (المستثنى والمستثنى منه وأداة الاستثناء) مذكورة في الجملة، وهو نوعان:

أ- الكلام التام الموجب: إذا وقع المُستثنى ب(إلاّ) بعد كلام تام موجب (متصل أو منقطع) فإن حكمه النصب على الاستثناء:

حضرَ الطلابُ إلاّ زيداً، رأيتُ الطلابَ إلاّ زيداً، مررتُ بالطلابِ إلاّ زيداً.

{فمَا حَصَدْتُمْ فذرُوْهُ في سنبلِهِ إلَّا قليْلًا مِمَّا تأكلُونَ}.

{فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ}

إلّا: أداة استثناء، مَنْ: مُستثنى منصوب وجوباً، لأن الكلام تام موجب والاستثناء متصل.

المقصود بالاستثناء التام المتصل الموجب أن المستثنى بعض من المستثنى منه، غيرالمسبوق بنفي أو شبه النفي (النهي والاستفهام)، كما في المُثُل السابقة.

المقصود بالاستثناء التام المنقطع أن المستثنى ليس بعضاً من جنس المستثنى منه، كما في المُثُل التالية.

استقرَّ القومُ إلاّ ناقةً، رأيتُ القومَ إلاّ ناقةً، مررتُ بالقومِ إلاّ ناقةً.

{لَا يَسْمَعُونَ فِيْهَا لَغْواً إِلَّا سَلَاماً}.

………….

ب- الاستثناء التام غير الموجب ( المسبوق بنفي أو شبه النفي).

ما حضرَ أحدٌ إلاّ زيداً، أو زيدٌ. هل حضرَ أحدٌ إلاّ زيداً، أو زيدٌ؟. لا يحضرْ أحدٌ إلاّ زيداً، أو زيدٌ.

ما رأيتُ القومَ إلاّ زيداً. هل رأيتُ القومَ إلاّ زيداً؟. لا تستقبلْ القومَ إلاّ زيداً.

ما مررتُ بأحدٍ إلاّ زيداً، أو زيدٍ. هل مررتُ بأحدٍ إلاّ زيداً، أو زيدٍ. لا تمررْ بأحدٍ إلا زيداً، أو زيدٍ.

{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفسِي ضُّرَّاً ولَا نَفعَاً إلّا ما شَاءَ اللهُ}.

خلاصة ما سبق في الفقرة (ب) أنه في الاستثناء (التام، المتصل، المسبوق بنفي أو شبه النفي) يجوز نصب المستثنى على الاستثناء، أو الاتباع على البدلية، وهنا تُعرب (إلاّ) أداة حصر وليست أداة استثناء، والأخير هو المختار عند أغلب النحاة.

في المُثُل التالية الاستثناء (تام، منقطع، مسبوق بنفي أو شبه النفي)، غير موجب؛ في هذه الحال يكون حكم المستثنى النصب وجوباً، ومذهب (تميم) جواز اتباعه.

ما حضرَ أحدٌ إلاّ ناقةً، هل رأيتُ أحداً إلاّ ناقةً؟. لا تمررْ بأحدٍ إلاّ ناقةً.

………………

2- الاستثناء المُفرغ (غير التام):

ما حضرَ إلاّ زيدٌ. ما رأيتُ إلا زيداً. مامررتُ إلا بزيدٍ.

في المُثُل السابقة (المسبوقة بنفي)؛ لم يتم الكلام إلا بما بعد (إلاّ).

المستثنى منه غير مذكور، والكلام مسبوق بنفي، لذا تُعرب (إلاّ) أداة حصر.

يُعرب المستثنى حسب موقعه من الإعراب، كما في المُثُل السابقة.

(زيدٌ): مرفوع بالفاعلية، و(زيداً): منصوب بالمفعولية، و(زيدٍ): مجرور بحرف الجر.

{هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}. إلّا: أداة حصر، بشرٌ: خبر هذا.

{إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ}.إلّا: أداة حصر، رجلٌ: خبر هو.

{وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً}.

إلّا: أداة حصر، رجلاً : مفعول به.

{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}. إلّا: أداة حصر، البلاغ: مبتدأ مؤخر.

الاستثناء مفرغ، مسبوق بنفي أو شبه النفي، و(إلّا) أداة حصر.

هذا النوع من الاستثناء كثير في القرآن الكريم.

…………….

إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه ففي ذلك حالان:

1- إذا كان الكلام موجباً (وجب نصب المستثنى): حضرَ إلا زيداً الطلابُ.

ب – إذا كان الكلام غير موجب (فالمختار نصب المستثنى).

في بيت ل(الكميت بن زيد الأسدي) يقول:

“فما لِي إلاّ آلَ أحمدَ شِيعةٌ… وما لِي إلاّ مَذهَبَ الحقِّ مذهَبُ”.

نصب الشاعر (آلَ)، و(مذهبَ) لأن كلّا منهما تقدم على المستثنى منه والكلام غير موجب، وهذا (اختيار وليس واجباً).

لقد روى سيبويه عن شيخه يونس بن حبيب أنه سمع من قوم موثوق بعربيتهم الرفع في قولهم:

(ما لي إلاّ أخوكَ ناصرٌ). من هذا قول حسان بن ثابت:

“فإنّهُمْ يرجُونَ منهُ شفاعةً… إذا لمْ يكُنْ إلّا النّبيّونَ شافعُ”.‌ُ

برفع المستثنى (النبيّونَ) المتقدم على المستثنى منه (شافع).

……………….

إذا تكررت (إلّا) للتوكيد أو للعطف؛ فإنها لا تؤثر على ما دخلت عليه، ويعرب ما بعدها بدلاً أو معطوفاً:

في بيت لأبي ذؤيب الهذلي، (خويلد بن خالد):

هل الدهرُ إلّا ليلةٌ ونهارُها… وإلاّ طلوعُ الشمسِ ثمَّ غيارُها.

(طلوع) بدل من (ليلة)، الواو حرف عطف، و(إلاّ) زائدة للتوكيد.

اجتمع تكرارها في البدل والعطف في بيت من شواهد سيبويه، لم يعرف قائله:

“مالَكَ مِن شيخِكَ إلّا عملُهُ… إلّا رسيمُهُ وإلّا رملُهُ”.

(رسيمُهُ) بدل من (عمل) و(إلّا) زائدة للتوكيد، و(رملُهُ) معطوف على (رسيمُهُ) و(إلّا) زائدة كرِّرت للتوكيد.

……………….

اختلف النحاة في عامل النصب بعد (إلّا)، وأشهر مذاهبهم فيه أربعة:

1- ما منسوب إلى سيبويه: الناصب هو الفعل السابق ل(إلّا)، وهي واسطة تُعدِّيه لما بعدها.

2- الناصب له فعل محذوف بتقدير (أستَثنِي)، تدل عليه (إلّا).

3- الناصب لما بعد (إلّا) هو الفعل السابق لها مباشرة وليس بواسطتها، كما في (أولاً).

4- الناصب لما بعد (إلّا) هو (إلّا) نفسها، وهذا ما صرَّح به (ابن مالك)، في غير ألفيته، ولمّح له في الألفية.

……………….

هناك ألفاظ تستعمل بمعنى (إلّا) لتدل على الاستثناء، وهي إما أسماء، أو أفعال، أو حروف:

1- الأسماء: (غير، سُوى، سَوى، سِوى، سَواء): حكم المُستثنى بها الجرّ بعد إضافتها إليه.

حكم (غير) و(سِوى) هو نفس حكم المُستثنى ب(إلاّ) تقول:

حضرَ الطلابُ غيرَ زيدٍ. ما حضرَ أحدٌ غيرُ زيدٍ، أو غيرَ زيدٍ. ما غادرَ أحدٌ غيرَ ناقةٍ، ما نجحَ غيرُ زيدٍ..

الشائع في (سِوى) كسر السين والقصر، وهناك من يضمّ السين ويقصرها، وغيرهم يفتح السين ويمدها.

(سِوى) عند (سيبويه والفرّاء) لا تكون إلا ظرفاً، فإذا قلت: (دخلَ الحاضرونَ سِوى زيدٍ)؛ فإن (سِوى) منصوبة على الظرفية، وإن كانت تُشعر بالاستثناء، فهي لا تخرج عن الظرفية إلا لضرورة الشعر.

(سِوى) مثل (غير) تأتي في مواضع رفع أو نصب أو جرّ؛ من شواهد سيبويه بيت (المرار بن سلامة العقيلي):

“ولا ينطِقُ الفحشاءَ مَنْ كانَ مِنهُمُ… إذا جلسُوا مِنَّا أو مِن سِوائِنا”.

خرجت عن الظرفية وجاءت مجرورة بحرف الجرّ.

من شواهد استعمالها مرفوعة بيت (محمد بن عبد الله المدني):

“وإذا تُباعُ كريمةٌ أو تُشترى… فسِواكَ بائِعُها وأنتَ المُشتري”.

خرجت عن الظرفية وجاءت مرفوعة بالابتداء.

من شواهد خروج (سوى) عن الظرفية منصوبة بوقوعها اسم (إنَّ)؛ بيت لشاعر مجهول:

“لديكَ كفيلٌ بالمُنى لمؤَمِّلٍ… وإنَّ سِواكَ مَنْ يؤمِّلُهُ يَشقَى”.

……………….

2- الأفعال: (ليسَ، لا يكونُ، خَلا، عَدا، حَاشا):

نجحَ الطلابُ ليسَ زيداً. (زيداً) خبر ليس منصوب واسمها ضمير مستتر وجوباً.

نجحَ الطلابُ لا يكونُ زيداً. (زيداً) خبر (لا يكونُ) منصوب، واسمها ضمير مستتر وجوباً.

نجحَ الطلابُ خلا زيداً. (زيداً) مفعول به للفعل (خلا)، منصوب.

نجحَ الطلابُ عدا زيداً. (زيداً) مفعول به للفعل (عدا).

ملاحظة: إذا سبقت (ما) المصدرية (خلا) و(عدا)؛ يتوجب كونهما فعلين ناصبين لما بعدهما على المفعولية:

نجحَ الطلابُ ما خلا زيداً. نجح الطلابُ ما عدا زيداً.

على خلاف ما رأي الكسائي (شيخ المدرسة الكوفية) أنَّ (ما) زائدة وما بعد (خلا، وعدا) مجرور بهما.

قال الفرزدق، همام بن غالب:

“حاشا قريشاً فإنَّ اللهَ فضَّلَهُم… على البَريَّةِ بالإسلامِ والدينِ”.

قريشا مفعول به للفعل حاشا، ويقال: (حاشَ، وحَشَا).

لا نقول: (ما حاشا) بأن تسبقها (ما) المصدرية، وإنْ ورَدَ خلافه فإنه نادر في كلام العرب.

ملاحظة: فاعل الأفعال (خلا، عدا، وحاشا) ضمير مستتر وجوباً.

………………..

3- الحروف: (خلا، عدا، حاشا).

ذكرنا أن الكلمات الثلاث تأتي في الاستثناء أفعالاً، تنصب مفاعيل، وفاعل كل منها ضمير مستتر وجوباً، وأن (خلا، وعدا) يتوجب أن يكونا فعلين إذا سبقتهما (ما) المصدرية؛ والآن نتحدث عنهما حينما يأتي الاسم بعدهما مجروراً؛ فذلك يستوجب أن يكونا حرفين، أما (حاشا)؛ فمثلهما، تأتي فعلاً إذا نصبت ما بعدها بدون شرط سبقِها ب(ما) المصدرية)، وحرفاً إذا جرّت ما بعدها:

فازَ المتسابقونَ خلا واحدٍ. فازت المتسابقاتُ عدا واحدةٍ. كافأْنا المتخرِّجينَ حاشَا المهملينَ.

……………….

نتمنى أن نكون قد وفقنا في تقديم المادة بأسلوب سلس يستفيد منها الجميع.

نلتقي وإيّاكم في الحلقة القادمة 25 (حروف الجرّ).

كندا 18 – 12 – 2021

يوم اللغة العربية العالمي

About The Author

Contact