×

شيءٌ من اللغة العربية ح11 (أفعال المقاربة) من الأفعال الناسخة. د. مديح الصادق… من كندا.

شيءٌ من اللغة العربية ح11 (أفعال المقاربة) من الأفعال الناسخة. د. مديح الصادق… من كندا.

شيءٌ من اللغة العربية ح11 (أفعال المقاربة) من الأفعال الناسخة.

د. مديح الصادق… من كندا.

سُمّيت (كادَ وأخواتها)، أو )أفعال المقاربة( من باب تسمية الكلّ باسم البعض، والواقع أنها ثلاثة أقسام:

1- ما يدلّ على المقاربة، وهي: )كادَ، كرَبَ، وأوْشَكَ(.

2- ما يدلّ على الرجاء، وهي: (عسى، حَرَى، واخلوْلَقَ).

3- ما يدلّ على الإنشاء، وهي: (جَعلَ، طفِقَ، أخذَ، علِقَ، وأنشَأَ).

……..

هي أفعال ناقصة ناسخة، تعمل عمل (كان وأخواتها) في أنها تنسخ حكم المبتدأ اسماً مرفوعاً لها، وحكم خبر المبتدأ خبراً منصوباً لها؛ لكن اختلافها في أنَّ خبرها جملة فعلية فعلها مضارع، أو يقترن فعلها ب(أنْ المصدرية)، وإن ورد في كلام العرب خبرها اسماً فهو نادر، فيه خلاف.

………

{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ، وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ}.

يكادُ: فعل مضارع ناقص ناسخ، مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

زيتُ: اسمُها، مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، مضاف. ها: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر، مضاف إليه.

يُضيءُ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، فاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره هو، يعود إلى (زيت).

جملة (يُضيءُ)، من الفعل والفاعل، في محل نصب، خبر (يكاد).

….

بعضها في خبره يقترن الفعل المضارع ب(أنْ) المصدرية، نحو:

(عسى المُحتلُّ أنْ يرحلَ).

عسى: فعل ماضٍ ناقص ناسخ، مبني على الفتح المقدَّر على الألف، منع من ظهوره التعذر.

المُحتلُّ: اسم (عسى)، مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

أنْ: حرف مصدرية ونصب للفعل المضارع، مبني على السكون، لا محل له من الإعراب.

يرحلَ: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، فاعله ضمير مستتر جوازاً، تقديره هو، يعود إلى (المحتل).

المصدر المؤوَّل من (أنْ والفعل) في محل نصب، خبر (عسى).

…..

جميعها أفعال باتّفاق النحاة؛ ما عدا (عسى)؛ فالكوفيون، وشيخهم (ثعلب)، وابن السراج؛ يرون أنها حرف، تعمل عمل (إنَّ وأخواتها)؛ لأنها تشبه الحرف (لعلَّ) في أنها تفيد الترجّي، وفي كونها لا تتصرف.

خلاف هذا يرى نحاة البصرة، وشيخ النحاة سيبويه:

1- إذا اتصل بها ضمير رفع أو اسم ظاهر؛ فهي فعل، تقول:

 عسَيْتَ، عسَيْتِ، عسَيْتُ، عسَيْتُما، عسّيْتُم، عسَيْتُنَّ…

يُعرب الضمير اسماً لها في محل رفع.

(جعلَ زيدٌ يقرأُ). زيدٌ اسمها مرفوع، وجملة (يقرأ) خبرها في محل نصب.

2- إذا اتصل بها ضمير نصب؛ فهي حرف، واستشهدوا بقول صخر بن جعد الحضرمي:

“فقلتُ عسَاها نارُ كأسٍ وعَلَّها      تَشَكَّى فآتي نحوَها فأعودُها”

عسى: حرفُ ترجٍّ تعمل عمل (إنَّ)، (ها) اسمها في محل نصب، (نارُ) خبرها مرفوع.

وهذا رأي نحاة البصرة وسيبويه.

………

مذهب سيبويه وجمهور البصريين أنّ اقتران خبر (عسى) ب(أنْ) كثير، ولم يرد في القرآن إلاّ مقترناً بها، نحو: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ}.

تقول: (عسى المُحتلُّ أنْ يرحلَ عن الوطنِ).

لا يتجرد خبرها من (أنْ)، كما يرى سيبويه، إلاّ في الشعر، واستشهد بقول هدبة بن خشرم العذري :

“عسى الكربُ الذي أمسيتُ فيهِ… يكونُ وراءَهُ فرجٌ قريبُ”.

(عسى) فعل ماضٍ ناقض ناسخ، (الكربُ) اسمه مرفوع، جملة (يكونُ وراءَهُ فرجٌ قريبُ) خبره في محل نصب.

……

اقتران (كادَ) ب(أنْ) قليل، عكس (عسى)، جاء في القرآن:

{فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ}. {يكادُ البرقُ يخطفُ أبصارَهُم}.

وفي الشعر قول شاعر يرثي مصعب بن الزبير:

“لمّا رأى طالبُوهُ مُصعباً ذُعِروا… وكادَ، لو ساعدَ المقدورُ، ينتصرُ”

لقد ورد اقتران خبر (كادَ) ب(أنْ) قليلاً في الشعر، قال أحد شعراء البصرة:

“كَادَتِ النَّفْسُ أن تَفِيْضَ عَلَيْهِ… إِذْ غَدَا حَشْوَ رَيْطَةٍ وَبُرُودِ”.

….

يجب اقتران خبر (حرَى) ب(أنْ)، في الشعر وفي غيره، نحو:

(حرَى المُتسابقُ أنْ يفوزَ). وهي تدل على الرجاء مثل (عسى).

…..

يجب اقتران خبر (اخلولَقَ) ب(أنْ)، في الشعر وفي غيره، نحو:

(اخلولقتْ السماءُ أنْ تمطرَ)، وهو من أمثلة سيبويه.

…..

يقترن خبر (أوشكَ) ب(أنْ) كثيراً، كقول الشاعر:

“ولو سُئِلَ الناسُ الترابَ لأَوْشَكُوا… -إذا قِيلَ هاتُوا- أَنْ يَمَلُّوا ويَمْنَعُوا”.

وتجرده منها قليل، كقول الشاعرأمية بن الصلت:

“يوشك مَنْ فرَّ من منيَّتِهِ… -في بعض غِرَّاتهِ- يوافقُها”

الشاهد فيه عدم اقتران خبر (يوشك) ب(أنْ)، وهو جملة (يوافقُها)، وهو قليل.

…….

يتجرد خبر (كرَبَ) من الاقتران ب(أنْ)، قال شاعر تميمي:

“كرَبَ القلبُ من جواهُ يذوبُ… حينَ قالَ الوشاةُ: هندٌ غضُوبُ”

وقلَّ اقتران خبرها ب(أنْ)، كما قيل: ” كرَبَ الفقرُ أنْ يكونَ كفراً” .

ومنه قول الشاعر :

“سقاها ذوو الأحلامِ سَجلاً على الظَما … وقد كرَبَتْ أعناقُها أنْ تُقطَّعا”

…….

لا يجوز اقتران أفعال الشروع الخمسة ب(أنْ) لدلالة (أنْ) على الاستقبال، وخبر هذه الأفعال يقترن بالحال، نحو:

(أنشأَ القارئُ يُرتِّلُ القرآنَ). (طفِقُ أحمدُ يأكلُ طعامَهُ). (جعلَ الصائمونَ يُسبِّحونَ). (أخذتْ الطالباتُ يقرأنَ). علِقَ أبوكَ يُتابعُ الأخبارَ).

……….

(كاد وأخواتها) أفعال جامدة غير متصرّفة، تلزم حالة الماضي فقط، ولا يُشتقّ منها مضارع ولا أمر، في حال كانت ناقصة، ما عدا الفعلين (كاد، وأوشك) ، فقد يردان على صيغة المضارع، ويعملان عمل الأفعال الناقصة الناسخة.

{يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}.

“يوشكُ مَنْ فرَّ من منيَّتِهِ… -في بعض غِرَّاتهِ- يوافقُها”

وقد ورد من (أوشكَ) إعمال اسم الفاعل (مُوشِك)، قال أبو سهم الهذلي:

“فَمُوْشِكَةٌ أرْضُنَا أَنْ تَعُودَا … خِلاَفَ الأنِيسِ وَحُوْشا يَبَابَا”.

موشكة خبر تقدم على المبتدأ، وهي اسم فاعل من (أوشك) تعمل عمله، اسمها ضمير مستتر، أرضنا مبتدأ متأخر ، (أن تعودا) خبر (موشكة).

…..

انفردت (عسى، اخلولقَ، أوشكَ) بأنها تأتي ناقصة، وقد تأتي تامة، فاعلها المصدر المؤول من (أنْ والفعل) في محل رفع،نحو:

{وعسَى أنْ تكرَهُوا شيئاً وهو خيرٌ لكُمْ وعسَى أنْ تُحبُّوا شيئاً وهو شرٌّ لكُمْ}.

(عسى أنْ ينجحَ سعدٌ). (اخلولَق أنْ يقدِمَ محمدٌ). (أوشكَتْ أنْ تصِلَ هندٌ).

لقد استغنت هذه الأفعال عن خبرها المنصوب واكتفت بفاعلها المرفوع، وهو المصدر المؤوَّل من (أنْ والفعل)، فهي تامة.

يتصرف ما يأتي منها تامّاً..

………

إذا اتصل ب(عسى) ضمير رفع، فيجوز فتح السين وكسرها، نحو:

(عسَيتُ، عسِيتُ)، (عسَيتِ، عسِيتِ)، (عسَيتَ، عسِيتَ)، (عسَينَ،

عسِينَ)… والفتح أكثر.

قرأ (نافع): {فَهَلْ عَسِيْتُمْ، إِنْ تَوَلَّيْتُمْ، أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ}، بكسر السين،

وقرأ باقي القرّاء بفتحها.

……..

فائدة1: (طفِقَ زيدٌ يقرأُ): خبر (طفِقَ) (الجملة الفعلية) من الفعل (يقرأُ) وفاعله الضمير المُستتر فيه جوازاً، وتقديره (هو).

هنا أخالف من يقول إنَّ خبر (كاد وأخواتها) هو (الفعل المضارع)، وهذا

أراه خطأً يُردّده كثيرون، فالفعل لا يكون خبراً، بل الجملة الفعلية.

….

فائدة 2: (أوشكَ المتسابقانِ أنْ يفوزا): خبر (أوشكَ) هو المصدر المؤوّل

من (أنْ والفعل)، في محل نصب.

هنا أخالف من يقول إنَّ خبر (كاد وأخواتها) هو (الفعل المضارع)، إذ

أرى هذا خطأً، لأن (أنْ) مصدرية، وهي والفعل في تأويل مصدر، أي

اسم.

……………

لكم التحايا مع اعتزازي.

إلى لقاء جديد في الحلقة 12، (إنَّ وأخواتها)، من النواسخ الحرفيَّة.

About The Author

Contact