×

شيءٌ من اللغة العربية ح21 (الحال). بقلم د. مديح الصادق… من كندا.

شيءٌ من اللغة العربية ح21 (الحال). بقلم د. مديح الصادق… من كندا.

شيءٌ من اللغة العربية ح21 (الحال).

بقلم مديح الصادق… من كندا.

الحال في اللغة: ما عليه الإنسان من خير أو شرّ.

الحال في اصطلاح علماء النحو: الوصف، الفضلة، المُنتصب؛ للدلالة على هيئة صاحبه، نحو: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً}. {فخَرجَ على قومِهِ في زينَتِهِ} مُسرِعاً قدمتُ إليكَ.

الحال يُذكَّر ويُؤنَّث، نقول: حال، وحالة.

المقصود بالوصف: اسم الفاعل مثل: صادق، أو اسم المفعول مثل: مسرور، أو الصفة المشبهة باسم الفاعل مثل: حسَن، أو اسم التفضيل: أجمل.

المقصود بالفضلة أنه ليس عمدة كما هو المبتدأ أو الخبر، أو الفاعل، أي لا يختل تركيب الجملة في حال الاستغناء عنه.

المقصود بدلالته على هيئة صاحبه ألاّ يشمل التمييز نحو: (لله درُّهُ فارساً)،

أو نعت المنصوب نحو: (استقبلتُ ضيفاً مُثقَّفاً).

ملاحظة: تأتي الحال مفردة، أي كلمة واحدة، وتأتي جملة اسمية أو فعلية، وشبه جملة (جار ومجرور أو ظرف).

…………

الحال- على الأكثر- تكون (مُتنقلة).

معنى الانتقال ألاّ تكون صفة ملازمة للموصوف بها، مثل: قابلتُ صديقي مسروراً؛ فإنَّ حال صديقي هذه قد تتغير من وقت لآخر.

أحياناً تأتي الحال غير متنقلة، أي وصفاً لازماً، نحو: {وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً}،

{أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَالِحِين}، وقول شاعر من بني جناب:

“فجاءتْ بهِ سَبطَ العظامِ، كأنَّما… عمامتُهُ بينَ الرجالِ لواءُ”.

…………

الحال- على الأكثر- تكون مُشتقة، وقد تأتي جامدة؛ فتُؤَوَّل بمُشتق:

1- إذا دلت الحال الجامدة على سعر: اشتريتُ الأرضَ متراً بخمسينَ.

2- إذا دلت الحال الجامدة على تفاعل: صافحتُهُ يداً بيدٍ.

3- إذا دلت الحال الجامدة على تشبيه: برزَ الفارسُ أسداً.

4- إذا دلت الحال الجامدة على ترتيب: دخلوا الصفَّ فرداً فرداً.

5- إذا كانت الحال الجامدة موصوفة: {فثمثَّلَ لها بشراً سويَّاً}.

6- إذا دلت الحال الجامدة على عدد: {فتمَّ ميقاتُ ربِّهِ أربعينَ ليلةً}.

7- إذا كانت الحال الجامدة فرعا لصاحبها: {وتنحتُونَ الجبالَ بيوتاً}.

……..

الغالب في الحال- حسب جمهور النحويين- أن تكون نكرة، وما جاء منها مُعرَّفاً لفظاً فهو في المعنى نكرة. قال لبيد بن ربيعة العامري يصف حماراً وحشيّاً:

“فأرسَلَها العِراكَ، ولم يذُدْها… ولم يُشفقْ على نَغَصِ الدِّخالِ”.

العِراك حال معرفة لكن تأويلها بنكرة: معتركة، أي مزدحمة.

مثل ذلك: قدِمَ وحدَهُ، جاؤُوا الجمَّاءَ الغفيرَ، حدَّثتُهُ فاهُ إلى فيَّ.

تأويلها: مُنفرداً، جميعاً، مُشافهةً.

اشترط الكوفيون في هذا التأويل أن تتضمن الحال معنى الشرط، خلافاً للبغداديين ويونس، شيخ سيبويه.

…………

الغالب في الحال أن تأتي وصفاً، اسم فاعل (مُستَبشِر)، أو اسم مفعول (مَنصُور)، أو صفة مشبهة (حَسَن)، أو اسم تفضيل (أجمل)؛ لكنها قد تأتي مصدراً، نحو:

ظهرَ سعيدٌ بَغتَةً.

التقدير: ظهرَ سعيدٌ باغتاً؛ وهذا رأي سيبويه وجمهور النحاة؛ على خلاف الأخفش والمُبرِّد، والكوفيين؛ إذ يرون أنه منصوب على المصدرية، واختلفوا في العامل فيه النصب.

………

يجب أن يكون صاحب الحال معرفة، ولا يأتي نكرة إلا عند وجود واحد من المسوغات التالية:

1- أن تتقدم الحال على صاحبها النكرة، من شواهد سيبويه:

“وبالجسمِ مِنِّي بيِّناً- لو علمتِهِ- … شُحوبٌ، وإن تَستشْهِدي العينَ تَشهَدِ”

2- أن يُخصص صاحب الحال النكرة بوصف: {فيها يُفرَقُ كلُّ أمرٍ حكيمٍ أمراً مِنْ عِندَنا}.

أو يخصص بإضافة: {في أربَعةِ أيَّامٍ سَواءً للسّائلينَ}.

3- إذا وقع صاحب الحال النكرة بعد نفي أو شبه النفي، الاستفهام والنهي:

{وما أهلكْنا من قريةٍ إلاّ ولها كتابٌ معلومٌ}.

قال قطَريّ بن الفُجاءَة التميمي:

“لا يركَنَنَّ أحدٌ إلى الإحجامِ … يومَ الوَغى مُتخوِّفاً لحِمَامِ”.

4- عندما تكون الحال جملة مقترنة بالواو: {أو كالّذي مَرَّ على قريةٍ وهيَ خاويةٌ على عُروشِها}.

5- إذا كانت الحال جامدة: هذا خاتمٌ فضَّةً.

6- عندما تكون النكرة مشتركة مع صاحب الحال المعرفة:

زارنا أخي وصديقٌ مُبكِّرَينِ.

…….

يجوز تقديم الحال على صاحبها المرفوع والمنصوب، نحو:

جاءَ ضاحِكاً زيدٌ، قدمتْ سعيدةً زينبُ، قابلتُ حزينةً سعادُ.

أما صاحب الحال المجرور فلا يجوز تقديم الحال عليه؛ مع ورود السماع بذلك، وفي ذلك خلاف بين النحاة.

…..

لا يجوز مجيء الحال من المُضاف إليه إلاّ إذا كان المضاف مما يصح عمله في الحال، كاسم الفاعل والمصدر، ومثلهما مما تضمن معنى الفعل:

{إليهِ مَرجَعُكم جميعاً}. قال مالك بن الريب:

“تقولُ ابنَتي: إنَّ انطِلاقَكَ واحداً … إلى الرَّوعِ يوماً تارِكِي لا أُباليَا”.

كذلك يجوز إذا كان المضاف جزءاً من المضاف إليه في صحة الاستغناء بالمضاف إليه عنه:

{ونزَعْنا ما في صُدورِهِم مِنْ غِلٍّ إخوَانَا}، { ثُمَّ أوحَينَا إليكَ أنْ اتبَعْ مِلَّةَ إبراهيمَ حنيفاً}.

…………

يجوز تقديم الحال على ناصبها الفعل المتصرف وما يعمل عمله، إلاّ إذا كان هناك مانع.

تقول: راجلاً جاءَ عمرٌو، فرِحاً صديقي قادمٌ.

لا يجوز تقديم الحال على ناصبها إذا كان فعلاً غير متصرف، مثل فعل التعجب، فلا تقول: متفوقاً ما أحسنَ عليّاً!. الصواب: ما أحسَنَ عليّاً متفوِّقاً!

كذلك إذا كان ناصب الحال صفة لا تشبه الفعل المتصرف كأفعل التفضيل:

لا يجوز القول: أحمدُ باسماً أحسنُ من سعادَ. الصواب: أحمدُ أحسنُ من سعادَ باسماً.

……

لا يجوز تقديم الحال على عاملها المعنوي، أي ما تضمن معنى الفعل دون حروفه: الجار والمجرور، الظرف، حروف التمني والتشبيه، أسماء الإشارة.

الصواب قولك: اللاعبُ في الساحة أو بين زملائِهِ؛ مزهوَّاً. ليتَ فاطمةَ ناجحةً أختُكَ، كأنَّ زيداً قادماً أسدٌ، هذا حسامٌ فائزأً.

وقد ورد خلاف ذلك نادراً: {والسَموَاتُ مطويَّاتٍ بيمينِهِ}، في قراءة من حرَّك التاء بالكسر.

…….

يجوز تعدد الحال وصاحبها مفرد.

جاء زيدٌ راكباً ضاحكاً. (راكباً وضاحكاً) حالان من زيد، والعامل فيهما جاء.

يجوز تعدد الحال وصاحبها متعدد، من الشواهد التي لا يُعرف قائلها:

“لقيَ ابنِي أخوَيهِ خائِفاً… مُنجِدَيهِ؛ فأصابُوا مغْنَما”.

(خائفاً) حال من ابني، و(مُنجدَيه) حال من أخويه، والعامل فيهما (لقي).

…..

تنقسم الحال إلى: مُؤكِّدة وغير مُؤكِّدة.

الحال المؤكدة قسمان:

أ‌- ما تؤكد عاملها إذ تدل عليه في المعنى وتخالفه في اللفظ، نحو:

{ولا تعثَوا في الأرضِ مُفسِدينَ}. {ثُمَّ ولَّيْتُم مُدبِريْنَ}.

أو ما تؤكد عاملها إذ توافقه لفظاً ومعنى، نحو: {وأرسَلنَاكَ للنَّاسِ رسَولاً}.

ب‌- ما تؤكد مضمون الجملة بشرط أن تكون الجملة اسمية، وجزآها معرفتان، جامدان، نحو:

هذا أبوكَ كريماً، أنتَ زيدٌ معروفاً.

من شواهد النحاة بيت لسالم بن دارة من قصيدة يهجو فيها فزارة:

أنا ابنُ دارةَ معروفاً بها نسَبي… وهل بدارةَ يا للناسِ مِنْ عارِ؟

(عطوفاً ومعروفاً) كل منهما حال لفعل محذوف وجوباً.

هذه الحال لا يجوز أن تتقدم على الجملة ولا تتوسط بين المبتدأ والخبر.

وما سوى ذلك فهي الحال غير المؤكدة.

…….

تأتي الحال جملة، اسمية أو فعلية، ويشترط في جملة الحال وجود:

1- رابط، وهذا الرابط إمّا:

أ‌- ضمير: وصلَ العدَّاءُ يلهثُ من التعبِ. الحال جملة فعلية لا تقترن بالواو.

ب‌- أو واو: وصلَ العدّاءُ ويدُهُ على قلبِهِ. الحال جملة اسمية اقترنت بالواو.

ج- أو الضمير والواو معاً: وصلَ العدّاءُ وهو مُتعَبٌ. الحال جملة اسمية اقترنت بالواو والضمير.

2- أن يكون صاحب الحال معرفة؛ لأن الجمل بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات.

3- أن تكون جملة الحال خبرية وليست إنشائية.

4- تجرد جملة الحال من علامات الاستقبال، السين، وسوفَ، ولنْ.

5- ألاّ تكون جملة الحال تعجبية.

ملاحظة1- أحيانا تدخل (إنْ) الشرطية على جملة الحال المسبوقة بالواو، نحو:

وفيتُ بعهدي ، وإن تحملتُ جفاءَها.

ملاحظة 2- تُعرب جملة الحال في محل نصب.

أمثلة عن الحال الجملة يقاس عليها:

حضر زيدٌ وعمرٌو غائبٌ. الحال جملة اسمية مقترنة بواو الحال.

حضرَ زيدٌ وجهُهُ متورِّدٌ. الحال جملة اسمية غير مقترنة بالواو

حضرَ زيدٌ وهو يضحكُ. الحال جملة اسمية مقترنة بالواو والضمير.

دخلَ سعدٌ يضحكُ. الحال جملة فعلية، فعلها مضارع مثبت لا تقترن بالواو.

دخلَ أحمدُ لم يضحكْ. دخلَ أحمدُ ولم يضحكْ. الحال جملة فعلية فعلها مضارع منفي، يجوز اقترانها بالواو، أو عدم اقترانها.

دخلَ أخوكَ وقد غادرَ صديقُكَ. الحال جملة فعلية فعلها ماض مثبت مسبوق ب(قد)، اقترنت بالواو.

سارتْ القافلةُ ما همَّها قطاعُ الطرقِ. الحال جملة فعلية فعلها ماض منفي جاز عدم اقترانها بالواو.

سارتْ القافلةُ وما همَّها قطاعُ الطرقِ. الحال جملة فعلية فعلها ماض جاز اقترانها بالواو.

…………

يحذف العامل في الحال جوازا إذا دل عليه دليل، نحو:

كيفَ استقبلتَ ضيفَكَ؟ الجواب: مسروراً. التقدير استقبلتُهُ مسروراً.

ألم تشاهدْ المباراةَ؟ الجواب: بلى، مُتلهفاً. التقدير شاهدتُها متلهفاً.

{أيحسبُ الإنسانُ أنْ لنْ نجمعَ عظامَهُ؟ بلى قادرينَ على أنْ نُسوِّي بَنانَهُ}.

التقدير نجمعُها قادرينَ…

يحذف العامل في الحال وجوبا إذا كانت الحال مؤكدة لمضمون الجملة، كما ذكرنا ذلك في حال كانت الجملة اسمية اشترط في جزأيها المعرفة والجمود:

أنتَ زيدٌ معروفاً. العامل في الحال )(معروفاً) فعل محذوف وجوبا تقديره:

أُحقُّهُ معروفاً.

يحذف العامل في الحال وجوبا في مثل قولك:

بعتُ الدارَ بمائةٍ فصاعداً. التقدير: فذهبَ الثمنُ صاعداً.

……………………..

كما أنَّ الحال تأتي اسماً مفرداً، أو جملة اسمية أو فعلية؛ فإنها قد تأتي شبه جملة، جاراً ومجروراً، أو ظرفاً، نحو:

تركتُ سيارَتِي في الساحةِ. (في الساحةِ): شبه الجملة، الجار والمجرور، مُتعلق بمحذوف، حال، في محل نصب، التقدير: تركتُ سيارتي مستقرةً في الساحةِ.

قابلتُها فوقَ القطارِ. شبه الجملة (الظرف فوقَ) مُتعلق بمحذوف، حال، التقدير: راكبةً فوقَ القطارِ.

……..

ملاحظة: وردت ألفاظ سماعية مركبة، منها ما هو مركب كما هي الأعداد، نحو: لقد فرَّقناهُم شذَرَ مذَرَ. زرتُ جيراني بيتَ بيتَ، أو تركيباً إضافياً، نحو: نصحتُ طلابي بادئَ بدءٍ.

…………

موضوع الحال من المواضيع الطويلة في النحو، أتمنى أن أكون قد وفقت

في تقريبه لأذهان المتلقين، المتخصصين وغير المتخصصين.

نلتقي في الحلقة 22 (التمييز)، وأنتم طيبون.

About The Author

Contact