×

صَحْوَةٌ… بقلم الشاعر محمد نعيم بربر/ لبنان

صَحْوَةٌ… بقلم الشاعر محمد نعيم بربر/ لبنان

صَحْوَةٌ

 محمد نعيم بربر                   

 ( من بحر الرمل )                   

لَمْ أَعُدْ أَمْلِكُ شَيْئًــــــا فِي يَــــدِي

كُلُّ مَا أَمْلِكُ قَدْ ضَـــــــاعَ هَبَـــاءَ

*

تَاهَ فَي غُرْبَةِ نَفْسِـــي ، كَالصَّــدَى

فَتَمَاهَــــى ، وَامَّحَى فِيهَا امِّحَـــاءَ

*

مِثْلَ نَجـــــــمٍ شَارِدٍ فِي ظُلْمَـــــةٍ

زَادَهُ الْبُعْدُ شُحُوبًـــــا وَانْطِفَــــاءَ

*

أَفْلَتَتْـــــــــــهُ مِنْ يَدِي أَقْــــــدَارُهُ

فَانْطَوَى يَخْتَزِنُ الْحُزْنَ انْطِـــوَاءَ

*

هَالَـــهُ مَا حَوْلَـــــــــــــهُ مِنْ زُمَرٍ

  نَفَثُوا الْحِقْدَ سُمُومًـــــــا وَوَبَــــاءَ

*

حَشَدُوا الدَّهْمَاءَ ، سَيْفـًـــــا قَاطِعًا

يُسْقِطُ الْعِلمَ ، وَيُعْلِــــي الْجُهَــلاءَ

*

فَتَفشَّـــى الشَّــــرُّ فِي أَخلاقِهِــــم

ذِمَمًا ، تَرخُصُ بَيْعـــًا وَشِـــرَاءَ

*

صَادَرُوا حُرِّيَّةَ الْفِكْــــرِ غَبَــــاءَ

وَاسْتَبَاحُوا حُرْمَةَ الْعَقْلِ افْتِــرَاءَ

*

واستَظَلُّوا خَيْمَةَ الْجَهْلِ سَمَــــاءَ

وَاكتَسَوْا مِن ظُلْمَةِ الْحِقدِ كِسَـاءَ

*

وَاسْتَكَانُوا حَذَرَ الْمَوتِ عَمًـــــى

سُكْنَةَ الرَّهْبَةِ ، فَازدَادُوا عَمَـــاءَ

*

ثُمَّ نَامُوا مِثْلَ أهْلِ الْكَهفِ ، مَـــا

شَهِدُوا شَمْسًا وَلا اسْتَجْلُوا فَضَـاءَ

*

إِنَّهُــــم إِرْثُ الطَّوَاغِيتِ الَّتِـــــي

شَيَّدَتْ لِلْجَهْلِ صَرْحًا وَبِنَــــــاءَ

*

أَسْقَطُوا فِي جُذْوة النَّارِ يَــــــدِي

وَلَكَــمْ كَانُوا طُغَـــــاةً أَغْبِيَـــــاءَ

*

حَسِبُوهَــــا دُمْيَـــــةً أَلْهُو بِهَـــــا

خَسِئُوا جَهْـــلًا ، وَكَانُوا بُلَهَـــاءَ

*

فَهْيَ صِنْوُ الْحَقِّ عَزمًا وَإِبَــــاءَ

حَسْبُ مَاضِيْهَا شُمُوخًا وَارْتِقَاءَ

*

مِثْلَ حَدِّ السَّيفِ كَانَتْ ، كَالْمَـدَى

تَقْطُفُ الأَنْجُمَ ، شِعْرًا وَغِنَــــاءَ

*

مِثْلَ وَجْهِ الصُّبحِ كَانَت ، كَالنَّدَى

فَوقَ خَدِّ الزَّهرِ ، عِطــرًا وَرُوَاءَ

*

مِثْلَ قَلبِ النَّوْرَسِ الْمَفتُونِ فِـــي

مَرْقَصِ الأَمْوَاجِ ، يَسْتَقْطِرُ مَــاءَ

*

هَكَــذا كَانَت يَــــــدِي مَمْــــدُودَةً

لِعُيُونِ الْكَونِ ، تَسْتَجْلِي ذُكَــاءَ (1)

*

وَيَرَاعِــي رِيشَـــــــــــةٌ تَرسُمُهَــا

لَوْحَـــــــةً بَيْضَاءَ ، كَالثَّلجِ نَقَــــاءَ

*

لَمْ أَكُــــنْ أمْلِكُ فِيهَــــــا ثَـــــرْوَةً

ثَرْوَتِي فِكْرِي ، سَيَكْفِيْنِي عَطَـاءَ

*

غَيْرَ أَنِّـــي رَغْمَ مَا قَد سَامَنِــــي

مِنْ جَنَى الْغُربَةِ ، بُؤْسًا وَشَقَـــاءَ

*

لَم يَزَلْ فِكْــــــــرِي بِمَا يَمْلِكُــــهُ

شُعلَـــةً تُومِضُ أَرضًا وَسَمَــــاءَ

*

إِنَّ بُــــــؤْسَ الْعَبْقَرِيِّيـــــــــنَ إِذَا

مَا طَغَى ، أَشْعَلَ فِينَا الْكِبرِيَـــاءَ

*

وَكَذَا فِكْـــرِي إِذَا مَا طَافَ بِـــي

عَبْقَرُ الشِّعْرِ ، عَلَى الدُّنْيَا أَفَـــاءَ

*

فَهْــوَ مِثْلَ النَّبعِ لا يُنْضِبُـــــــــهُ

عَطَشُ الصَّحْرَاءِ سُقْيًا وَارْتِــوَاءَ

*

وَهْوَ مُلْكٌ لا يُوَازِيهِ سَنـًـــــــــى

أَيُّ عَرْشٍ وَهْوَ كَالرُّوحِ سَنَــــاءَ

*

جُمِعَتْ فِيهِ هِبَــــاتُ اللهِ لِـــــي

فَاسْتَظَلَّتْ تَحْتَهُ الأَرضُ رُخَــاءَ

*

قَد تَجَلَّتْ صَحْوَتِي فِيهِ ، وَقَـــــدْ

كَشَفَتْ عَنِّي مِنَ النَّاسِ الْغِطَــاءَ

*

لَم يَعُدْ فِكْرِي حَبِيْسًا ، لَمْ يَعُــــدْ

يَأسِرُنِــي قَيْدٌ ، أُسَمِّيـــــهِ وَلاءَ

*

إِنَّ قَيْدَ الأَسْرِ  أَدْمَـــى مُهْجَتِي

فَاسْتَحَالَ الْقَيْدُ فِي كَفِّي دِمَـــاءَ

*

أَتُـــــرَى كَانَ وَفَاءً مُفْرِطـــــًـا

حُبُّ قَيْدِي أَمْ تُرَى كَانَ عَـزَاءَ؟!

*

أَتْعَبَتْني قَسْوَةُ النَّــاسِ عَيَـــــاءَ

وَكَفَانِــي غَدْرُهُمْ سُقْمــًـا وَدَاءَ

*

أَقْعَدُونِي عَنْ طِلابِ الْمَجْدِ فِي

قِمَّـــةِ الْعَلْيَاءِ ، هَمًّا وَانْكِفَــــاءَ

*

وَأَضَاعُوا فِي قِوَى عَزْمِي عُلًى                                                                                           كَانَ أَوْلَى أَنْ يَفِي عَزْمِي عَلاءَ

*

فَوَلائِــــي كَانَ سِجْنًا مُظْلِمـــًـا

وَوَفَائِـــي خَالَهُ النَّاسُ ادِّعَــــاءَ

*

حَسِبُــوهُ فَرْضَ عَيْنٍ وَاتِّقَـــــاءَ

مِنْ أَذَى النَّاسِ وَظَنُّوهُ رِيَـــــاءَ

*

وَأَشَـــاعُوهُ كَمَـــا لا أَشْتَهِـــــي

رُبَّ قَوْلٍ شَــــامَ فِكْرِي فَأسَــاءَ

*

زادَهُم صِدْقِي غُرُورًا وَجَفَــاءَ

لَعْنَــــةُ اللهِ عَلَيْهِــم أَشْقِيَــــــاءَ

*

خِلْتُهُـــمْ مِثْلِي أُنَاسًا شُرَفَـــــاءَ

وَحَسِبْتُ الصَّحْبَ فِيْهِم أَوْفِيَـاءَ

*

غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكُن إِلَّا ” أَنَــــا “

شَاعِرًا ، قَدْ زَادَهُ النَّاسُ ابْتِلاءَ

*

إِنَّ قَلْبِي مِثْلَ نُوْرِ الشَّمْــسِ لا

يَدَّعِي فَضْلًا ، وَلا يَرْجُو ثَنَاءَ

*

وَسَنَى شِعْرِي  كَقَلْبِي شُعْلَـــةٌ

نَارُهَا نُوْرٌ ، تَجَلَّى فَأَضَـــــاءَ

*

وَأَنَا كَالزَّهْرِ ، رُوْحِي نَسْمَــةٌ

تَنْفُثُ الْعِطْرَ ، جَمَالًا وَبَهَـــاءَ

*

غَيْرَ أَنِّـي مَا تَنَدَّمْتُ عَلَــــــى

سِيْرَتِي فِي النَّاسِ صِدْقًا وَوَفَاءَ

*

أَيْقَظَتْنِي صَحْوَتِي مِنْ غَفْلَـــةٍ

أَزْهَقَتْ رُوْحِي هُمُوْمًا وَبَــلاءَ

*

كَمْ شَهِيْدٍ كَانَ فِيْهِمْ شَاعِـــــرًا

عَبْقَرِيًّا ، يُشْبِهُ السَّيْفَ مَضَاءَ

*

وَغَرِيبٍ فِي عُيُونِ النَّاسِ كَمْ

قَارَعَ الْعِلْمَ ، وَبَزَّ الْعُلَمَــــاءَ

*

فَدُعَاةُ الْفِكْرِ ، كَانُوا عُظَمَــاءَ

وَهُدَاةُ الْحَقِّ ، كَانُوا أَنْبِيَــــاءَ

*

غَايَتِي فِي النَّاسِ أَنْ أَسْمُو بِهِم

وَأُشِيْعَ الْحَقَّ نُبْــلًا وَإِبَــــــــاءَ

*

وَ تَرَانِي أَقْرَبَ النَّاسِ هَــــوًى

لِلأُلَى كَانُوا ضِعَافًا بُسَطَــــاءَ

*

فَهُمُ بالرُّوْحِ ، نَجْوَى خَاطِرِي

وَبِهِمْ عَيْنُ ضَمِيْرِي تَتَــرَاءَى

*

عَشِقَتْ رُوْحِي جَمَالَ الْكَونِ مَا

خَفَقَتْ فِيْهِ ، صَبَاحًـا وَمَسَـــاءَ

*

وَجَمَـــالُ الْمُبْدِعِ الْفَرْدِ بِـــــهِ

يُلْهِمُ الْفِكْرَ وَيُغْرِي الشُّــعَرَاءَ

*

يُوْقِظُ الْغَافِيْنَ عَنْ أَحْلامِهِـــم

كُلَّمَا نَامُوا ، اسْتَزَادُوا خُيَلاءَ

*

وَيَرُدُّ الرُّوْحَ فِي أَجْسَــادِهِـم

وَيَبُثُّ الدِّفْءَ فِيهِمْ وَالضِّيَـــاءَ

*

حَسْبُ رَبِّي مُلْهِمًا أَهْفُو لَــــهُ

حَسْبُهُ ذُخْرًا لِقَلْبِي وَرَجَــــاءَ

*

مَا عَدَاهُ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ قَـــــــذًى

خَادِعًا يَذْهَبُ فِي الأَرْضِ جُفَاءَ

*

كُلُّ قَوْلي شَاهِدٌ فِي دَفْتَــــرِي

نَاطِقٌ عَنِّي بِمَا شِئْتُ وَشَــــاءَ

*

صَحْوَتِي كَفَّارَةٌ عَنْ نَدَمِــــي

كُنْتُ ذَا حِلْمٍ وَكَانُوا سُفَهَـــاءَ!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ـ ذُكَاء : مِنْ أسْمَاءِ الشَّمْسِ 

About The Author

Contact