×

رأي كامل ( ح 4 ) التكبُّر الروحي // بقلم الشيخ كامل العريضي // لبنان

رأي كامل ( ح 4 ) التكبُّر الروحي // بقلم الشيخ كامل العريضي // لبنان

التكبُّر الروحي

بقلم الشيخ كامل العريضي

التكبر هو من أعظم آفات النفس، وأكثرها بعدا عن الله سبحانه ورضاه. ويشير مفهوم التكبّر بحسب معجم ويبستر إلى صفة التفوّق والغطرسة التي يتصف بها شخص ما في أقواله، وأفعاله، وافتراضاته، وادعاءاته؛ بحيث يرى نفسه دائماً على حق، وبحسب معجم المعاني الجامع، فالتكبّر هو المعاندة، والامتناع عن قبول الحقّ، ونزعة تدلّ على العظمة التسلطيّة للسيطرة على الناس. أما أسبابه فهي متعددة ومتنوعة كالشهرة وكثرة المال والجمال الخارجي والسلطة والموقع المتقدم والتميز والتفرد، وغيرها من الأمور التي تزرع في نفس الإنسان افكارا مفادها أنه أفضل من غيره بما لديه، فتُترجم هذه الأفكار بسلوك خطأ في أفعاله وعلاقاته وأقواله وحتى في مشيته أو نظرته تجاه الآخرين. وهذا مرده إلى نقطة واحدة هي جهل الإنسان بذاته والاعتداد، والاستقواء بما ليس له، لان كل ذاك بفضل من الله وكل ما أُنعم عليه به هو ليتقرب بهذه النعم من طريق الخير والصواب، لا ليبتعد عنها ويعصي المنعم بها عليه.

هذا التكبر المعروف، وقد أُفرد له الكثير من المقالات والندوات ومع ذلك مازلنا نقع ونهبط فيه بين الحين والآخر؛ لكن عزيزي القارئ، وأنت تقرأ هذه الأسطر قد تتساءل عن معنى التكبر الروحي أو الديني، فكل ما سلف قد تكون تعرفه جيدا.

          نعم، أخي الكريم لن أطيل عليك وهيا بنا نذهب إلى معنى قد يكون جديدا عليك ألا وهو مفهوم التكبر الديني.

التكبر الروحي أو الديني أو الإيماني، هو أن يشعر الإنسان الملتزم بنهج ديني معين أنه أفضل من أخيه الملتزم بالنهج نفسه، لأنه لم يحقق ما حققه. وخصوصا، إذا كان هذا الأخ الآخر التزم قبله بفترة زمنية. فعلى سبيل المثال، قد يقرر شخص ما أن يبدأ بحفظ كتاب الله العزيز وبعد فترة من الزمن ونتيجة الاجتهاد والمثابرة ينجز حفظ نصفه أو أكثر، هنا تحدثه نفسه: أنت وخلال مدة قصيرة تمكنت من حفظ هذا الكم الجميل، أما هؤلاء الأخوة الذين يرتادون المسجد منذ عشرات السنين، فلم يحفظوا إلا النزر اليسير. أو إذا قرر الإنسان الإقلاع عن معصية ما، وبفضل الله ينجح في مسعاه، فنراه ينظر نظرة استعلاء على أخيه الذي لم يتمكن حتى الآن من الابتعاد عن هذه المعصية، ويصفه بأنه ضعيف الإدارة. أو عندما يقرر الإنسان الالتزام بمسلك أو ورد عبادي دائم كصلاة الليل مثلا، وبعد مدة من إلتزامه يتسلل إلى داخله أفكار تقلل من قيمة الشخص الذي لا يحيي هذه الصلاة، ولكن هذا الانسان نفسه لم يكن ليُوفّق ويستمر بتهجده الذي سبب له نظرة العجب تلك لولا فضل الله وتوفيقه.

هنا قد يتبادر إلى ذهن أحدهم فكرة ترك العمل العبادي خوفا من الوقوع في هذه الآفة. إعلم أخي- رعاك الله- هذا من وسوسة الشيطان؛ لأن الحل الأمثل هو الاستمرار بطاعتك ولكن مع تنقية القلب وتواضع الروح وعدم تقييم الناس بشكل غير دقيق. وما يدريك فقد يكون الآخر لديه باب كبير من مجاهدة النفس غير بابك وأنت لا تعلم. وهل نعلم أيضا أن الله تقبّل منا عملنا أم لا؟

كلما تقدم الإنسان روحيا وقربا من الله، اتسعت آفاقه وزادت محبته، وقيل من كان بين إخوانه عفوّا رحيما كان حسابه في غد على يد عفوٍّ رحيم، ومن كان بين اخوانه جبارا قهارا كان حسابه في غد على يد جبار قهار.

نتضرع إلى عفوه تعالى أن يمنّ علينا وعليكم باجتناب التكبّر، بشتى أنواعه، لاسيما الديني منه، وأن تكون كل أعمالنا الصالحة مقبولة وفي ميزان حسناتنا، وأن نحسن الظن بالآخر، ولا نميز أنفسنا عليه بطاعة هنا وعمل هناك ولا ننظر إليه نظرة استعلائية لأننا تمكنا من عمل صالح لم يقدر عليه حتى الآن. وهذا لا يتحقق إلا بدوام استشعار العبد لربه تعالى في سره وجهره، وأنه حاضر لا يغيب ومطلع على السر والنجوى.

About The Author

Contact