×

(في كل عصر شهرزاد) د. درية كمال فرحات/لبنان… شهرزاد من هذا الجيل بقلم: الناقد رائد مهدي / العراق

(في كل عصر شهرزاد) د. درية كمال فرحات/لبنان… شهرزاد من هذا الجيل بقلم: الناقد رائد مهدي / العراق

(في كل عصر شهرزاد)

د. درية كمال فرحات شهرزاد من هذا الجيل

      بقلم: الناقد رائد مهدي / العراق

 البداية:

عندما تتحدث شهرزاد يطرب الكون لعذوبة صوتها وتنهار حصون القسوة في قلوب المتجبرين، شهرزاد امرأة تتحدّث بلسان الحياة ومن عذوبتها يلوذ الموت بالفرار ويتقهقر.

 إضاءة على الإهداء:

 عبارة أثارت انتباهي ضمن الإهداء الذي كتبته الأديبة القاصة درية كمال فرحات لمجموعتها القصصية (احكي ياشهرزاد) تقول فيها: “أهديك حكايا شهرزاد التي لن تسكت عن الكلام المباح”

أما سطح العبارة فهو إهداء ثمرة إبداعيّة تعنى بالجمال الإنسانيّ لشخص يبدو من أقرب المقربين إليها.

وأما عمق العبارة فهو معني بالهدية التي منحتها الطبيعة إلى شهرزاد وصارت جزءًا من طبيعتها الشخصيّة والنفسيّة والجماليّة، ولو تمعنّا قليلًا في الصّوت الأنثويّ فهو على الأغلب سيكون ضمن حزمة الأمواج الصوتيّة التي يستلطفها سمع الرجل وتنسجم تردداتها مع التّرددات التي تعود على دماغ الرّجل بالراحة والشعور بالحيوية فيلتفت إليها بوعيه أسرع من أي صوت بالقرب منه كما أنّ الصوت هو اتصال موجيّ بين نقطتين تقعان على حزمة تردديّة متماثلة وبذلك تكون الطبيعة على درجة عالية من دقة الانتقاء لهذا الدّور لشهرزاد وأعني دور إطلاق تلك الحزمة الصوتيّة الجماليّة لتأخذ طريقها الى وعي الرّجل والذي يمثّل الحيز الطبيعي المستلم لذلك الجمال والمؤهل لالتقاطه والتفاعل معه بالمستوى اللائق به فشهرزاد التي تحكي هي المرأة المتكاملة الذّكاء والحكمة وصاحبة الدور الفعال في تغيير المصائر وصنع الجمال وبث اللطف والمساهمة في سمفونية الحياة التي لن يكتمل عزفها من دون صوت شهرزاد ومن هنا لاينبغي لها أن تسكت عن الكلام الذي أباحته لها الطبيعة لتستعين به كأداة فاعلة لديمومة الحياة .

رؤية في مابعد التقديم:

 أما عن التّقديم للكتاب فكان بقلم الناقد الأديب (محمد حسين بزي) وقد كتب في آخر مقدمته النقديّة عبارة تقييم موجزة عن الدكتورة درية كمال فرحات قال فيها:

 “باختصار شهرزاد أديبة رؤيوية حق لنا أن نحتفل بها”

 ومن حيث انتهى الأستاذ (محمد حسين بزي) نواصل حديثنا عن شهرزاد وعن الذي تمثّله تحديدًا في عالم المرأة:

فمع أن شهرزاد تمثّل المرأة القادمة الى عالمنا من عالم الأساطير تجسدت وصارت حكاية خالدة لاتنفصل عن عالم المرأة الذي سرّ قوته وحيويته واستقراره بشهادة التاريخ الأدبي مرتبط بإبداعها الحكائيّ الصوتيّ اللفظيّ المسموع إضافة لذلك تمثّل شهرزاد حكمة المرأة في أحلك الظّروف وملهمة بالقوة للمراة في مواجهة جبروت أعتى الرجال وأشدهم فظاظة، إن شهرزاد قد روّضت الوحش البشريّ الذي كان يستبطن شهريار وسحرته بعذوبة صوتها والحكايا حتى صار عاشقًا متيمًا بها لايريد أن يعي شيئًا من الدنيا سوى ماتقوله هي.

إن شهرزاد تمثل انتصار الجمال على القبح وانتصار اللطف على القسوة فمع أنّ شهريار كان يملك كلّ شيء، لكنّ قلبه كان مملوكًا لشهرزاد، وصار طوع أمرها، إنّ شهرزاد تمثّل المعجزة التي غرستها الطّبيعة وأودعتها بين فكي ولسان كل امرأة لتنطلق منها وتصنع المعاجز من خلالها ولذلك على مر العصور يسعى الظلاميون لإخراس هذا الصّوت ووأد دوره تحت أي  ذريعة كانت من أجل الاستئثار بالحياة لشهريار ظالم دون شريك حقيقي فاعل ومؤثر.

إن انتقاء الكاتبة درية فرحات لهذا الرّمز الأنثوي الأسطوري كنقطة انطلاق كانت له عدة مسوغات منها:

1. شهرة الرمز وعالميته.

2. يعدّ الرمز أسلوبًا لمواجهة الطّغيان والتّحجر بالمرونة واللين.

3. يمثّل هذا الرمز أنموذجًا للتملّك المعنوي الذي قد يكون هو المتحكم والفاعل لكل تملّك مادي، فحين يملك شخص قلب آخر فقد تملكه بما ملك.

 4. يجسّد هذا الرّمز عملية الانطلاق من الضعف الى القوة أو بصورة أوضح يجسّد المواجهة بين الضعيف والقوي بأدوات غير قتالية وماعجز عن فعله ملوك وجيوش يحققه لسان امرأة وصوتها وخيالها.

 5. يحثّ هذا الرمز على الاستخدام الأمثل للخيال الأنثوي تحقيقًا للمكاسب العظيمة لقضاياها.

 6. يحدّثنا هذا الرمز بأنّ امرأة عادية من المجتمع قد تنتصر وتطيح بأشدّ الرجال عظمة واستثنائية وتمثل شهرزاد سحر الأنوثة الخالد في كل الأجيال.

 7. يصرح لنا هذا الرّمز بأنّ العقل الأنثوي ولاد على شاكلة الرحم وما استعانت بها على الطّاغوت  سوى بنات أفكارها بعد أن أخذت طريقها من ساحة الذهن إلى ساحة الواقع والحياة.

أسئلة إعجازيّة في النصوص:

بعد المسوغات التي ذكرناها يمكننا أيضا التّطرق إلى أسئلة إعجازيّة ولا أقول تعجيزيّة طرحتها الكاتبة في مجموعتها القصصية احكي ياشهرزاد منها مثلا في قصة (تعويض) تقول: “فماذا تنتظر تعويضا عن شريك حياة أخل بعقد الشراكة؟”

وبالفعل هو سؤال ذكي يثبت أنّ هناك ما لايمكن تعويضه!

أو بطريقة أخرى يضع الجميع على طاولة العجز عن الرّد وبذلك يكون التعاطف مع الطرف المتضرر بلا حدود على شاكلة الجواب الذي لاحدود لوصفه.

وفي قصة (الكمبيوتر والحب) تقول: “فقد انشغل بحيث لم يمنح لنفسه وقتا لمعرفة مايحدث في الخارج، ويعرف أخبار العالم السياسية، وأخبار الثقافة والأدب، فلم تكن هذه الأنباء مهمة في نظره فهذا العصر هو عصر التكنولوجيا عصر الكمبيوتر عصر العمل لاوقت للراحة والتأمل والتمعن والخيال الكاذب”، هنا يكون أيضا جوهر السؤال هو: هل يمكن أن يحظى إنسان بمتعة الحياة ولذاتها واستقرارها في الوقت الذي يتجرّد عن محيطه وينفصل عنه؟

إنّ النتيجة المطلوبة ثابتة هنا لكن الخطوات التي تقود الى تلك النتيجة هي إعجازيّة أو شبه مستحيلة!

أيضا في قصتها (في الأربعين) تقول: “مابالي أنجرف الى هذا الإحساس المميت ماذنب عمر الأربعين؟ إن الحياة تبدأ مع الأربعين…تبدأ مع الأربعين…”

عادة الرجال الشّرقيون يتصورون أن زهرة الحياة تبدأ بالذبول في سن الأربعين لاسيما للمرأة، وفي الوقت ذاته يرى الرّجل الأربعيني الشّرقي أنّه في ريعان شبابه. في هذا المشهد تحديدًا تتحدّى شهرزاد الكاتبة رجال الشّرق إن كان باستطاعتهم تصور أن حياة المرأة الشرقيّة يمكن أن تبدأ من الأربعين وليس العكس، ولأنّ تصوّر وتصديق حصول هكذا أمر غير مألوف للأغلبية الساحقة منهم، بذلك يكمن إعجاز الفكرة المطروحة بالقصة.

 الآن أود تقييم الكاتبة ومجموعتها القصصية في سطور وجيزة: 

عند هذه المجموعة القصصية تتبنى الكاتبة دور النّضال لاستعادة الدور الحقيقي لشهرزاد فاعلة على ساحة الحياة، كما وتسعى إلى ردّ الاعتبار المعنوي لها، لاسيما المتعلّق في سن الأربعين، وقبل ذلك كله إيمان الجميع بإنسانية شهرزاد وأنها الإنسانة الأروع والأعظم من كل الحكايات.

أيضا أقول عن الأديبة الدكتورة درية كمال فرحات إنّها تجيد استمالة رأي القارئ نحو آرائها والتّعاطف مع قضاياها التي تطرحها عبر حقل الأدب، لذا فهي تمتلك قوة التأثير والأدوات الذكية لصياغة أفكار القصص وبناء مواضيعها ولذا فهي جديرة أن تكون امتدادًا لشهرزاد متحدثة بلسانها الى هذا الجيل.

د. درية فرحات

About The Author

Contact