×

رأي كامل (ح 6) الأضحى … أمل ورجاء /بقلم الشيخ كامل العريضي /لبنان

رأي كامل (ح 6) الأضحى … أمل ورجاء /بقلم الشيخ كامل العريضي /لبنان

بسم الله الرحمن الرحيم

الأضحى … أمل ورجاء

بقلم الشيخ كامل العريضي

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين وعلى جميع انبياء الله والمرسلين لاسيما السيدُ المسيح، وعلى كل ما أتقى الله حقَّ تقاته وأحب لأخيه الإنسانِ ما أحبه لنفسه من الخير ومكارم الأخلاق.

حضرةَ الأخوة والأخوات الكرام

نلتقي وإياكم اليوم بمناسبة مقدسة ألا وهي عيدُ الأضحى المبارك، وحيث أننا في لبنان نؤمنُ بأهمية التلاقي والتواصل بين العائلاتِ الروحيةِ كافة فلا غرابةَ أن يتداعى المسيحيون لإحياء عيدٍ مكرّم عند المسلمين وكذلك المسلمون لإحياء مناسبة مقدسة عند المسحيين، أو تقوم جمعيةٌ أو رابطة أو منتدى بإقامة مناسباتٍ مشتركةٍ عابرة لحدود الأديان والمذاهب حيث الإنسانيةُ والمحبة الشاملة.

ويُعرَّف العيد بأنّه: كلُّ يوم يكون فيه اجتماعٌ، وقيل إنّه من العادة؛ لأنّ الناس اعتادته، أو ما يعود في كُل عام بفرحٍ جديد.

أمّا تسميتُه بالأضحى فهي نسبة إلى الأُضحية؛ إذ إن الناسَ تبدأ بذَبْحِ الأضاحي في هذا اليوم، ويُسمّى أيضاً بيوم النَّحر؛ لأن الهَدي والأضاحي تُنحَر فيه.

وفي هذا العيد يتم إحياءُ قصةِ نبي الله إبراهيمَ عليه السلام عندما أرادَ ذبح إبنِه اسماعيلَ عليه السلام، حيث رأى إبراهيم في منامه رُؤيا أنَّ الله تعالى يأمره بذبح ابنه إسماعيل ومن المعروف أن رُؤيا الأنبياءِ وحيٌ يجب تنفيذُه، فبعد أن استيقظ النبي إبراهيم سارع الى تنفيذ أمرِ الله تبارك وتعالى من دون تردد، ولكن اللهَ فداه بكبش فقام إبراهيم بذبح الكبشِ تقرباً إلى الله تعالى، ولإحياء هذه القصة يقوم المسلمون في اليوم العاشر من ذي الحجة من كل عام بذبح أحد الأنعام تقرباً من الله تعالى، ويتم توزيعُ لحومِ القربان على الفقراء والمحتاجين والأقارب وأهل البيت.

قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ”

وقال أيضا عز وجل: “مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً”

يتبين لنا مما سبق أن للتضحية عدةَ معانٍ منها نحرُ الأضحية وتوزيعُها على المحتاجين، وهناك التضحيةُ بالنفس، عملا بقوله تعالى:” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم”. ولكن ما المقصودُ بشراءِ اللهِ للأنفس؟ وكيف يشتريها؟ وما هي معاييرُ عمليةِ البيع هذه؟ وما هو الثمن؟ لقد وضحَ انبياءُ الله عليهم السلام في الكتبِ المقدسة الكثيرَ من القيم والفضائل والعبادات وما هو الواجبُ اتباعُه، وكذلك الوجهُ الآخرُ من أعمالٍ طالحةٍ وغيرِ مقبولة. فعلى كلِّ إنسان يرغب في بيع نفسه لله أن يتأكد من كل تلك المعاييرِ وإلا فتجارتُه خاسرة. وهنا لا مجالَ للغش والكذب والتزوير وأنّى لنا خداعُ المطلعِ على سرائر القلوب وخفايا العقول والنفوس! ويتجلى لنا البعدُ الآخر للتضحية أي نحر الإنسان للطباع الخبيثة والأخلاق الذميمة في ذاته والعاداتِ السيئة والشهواتِ المقيتة لأن الله سبحانه لا يشتري إلا البضاعةَ الصالحةَ والطهارة. وكل مَن يرغب أن يسير بهذه الطريق وإن لم يحققِ الكمالَ فيها، فهو يأملُ ويرجو أن يتقبلَها الله منه لأنه غفور رحيم وكريم.

وهناك التضحيةُ بالمال، والمثل الدارج يقول: “الرزق عوض الروح” وعندما نريد أن نعبر عن حبنا الشديد لولدنا نقول له: يا رزقاتي، وقال تعالى: “الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا” تأملوا معي أيها الأخوة والأخوات لقد قدمتِ الآية الكريمة المالَ على الأبناء، وهو يدل على مركزية الأموالِ في حياة الإنسان. ومن هنا عندما يقدم الإنسان ويضحي بماله لمساعدة الآخرين فإن له عند الله أجرا عظيما وفي قلوب الناس محبةً كبيرة. وهنا يتمظهر قوله تعالى: “مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً”، ومن مصاديق هذا القرضِ الرباني مضاعفةُ الرزقِ في الدنيا والثواب في الآخرة.

أما النتيجة النهائية لعقد البيع هذا الخالي من عيوبِ الرضى (وهي الخداع والغلط والإكراه والغبن “المواد 202 الى 214 موجبات وعقود)، فهي الظفر بمحبة الله وعفوه ونيل رضاه وتحقيق السعادة في دار الدنيا قبل الآخرة.

وهذه الأبعادُ التي ذكرتها تشرح وتفسر عنوان لقائنا اليوم “الأضحى… أمل ورجاء” رجاء وخضوع لله أن يعيننا على القوى المظلمة في نفوسنا عبر العلمِ النافع والعمل الصالح، وكذلك أمل ودعاء أن يتقبل منا أعمالنا ويجعلها عنده محفوظة ويضاعفها بكرمه ولطفه.

كلنا أمل ورجاء أن يهدي الله المسؤولين في وطننا العزيز إلى الخير والفضيلة، ويقدر الكثير منهم على نحر الطمع وحب المراكز والجاه، والتضحية بالمواقع في سبيل تسهيل حياة الناس، فالتضحية هنا عظيمةٌ وأجرها كبير لأن فيها كرامةَ مواطنٍ يئنُّ تحت خطِّ الفقر والعوز، وشبهَ انعدامٍ لمقومات العيشِ الكريم، فالمواطن بات يحلم بأدنى حقوقِه من ماء وكهرباء وانترنت وطرقات سليمة. ولعلنا نحن وهم نقتدي ونتعلم من السيد المسيح عندما قال: “مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا” ويقول أيضا عليه السلام: “مَن أراد أن يكون فيكم كبيرًا فليكن لكم خادمًا، ومَن أراد أن يكون فيكم أوّلَ فليكن للجميع عبدًا. فإنّ ابنَ البشر لم يأتِ ليُخدمَ بل ليخدم وليبذل نفسَه فداءً عن كثيرين”. وقال أيضا:” وأَبذِلُ نَفْسي في سَبيلِ الخِراف”. أيُّ راعٍ وأي مسؤول وأي ملك هو عليه السلام يفدي الناسَ نفسَه تكفيرا عن خطاياهم! فلا عحب، أليس هو الفادي؟

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ونسأله تعالى أن يُعاد هذا العيدُ عليكم جميعا وعلى الوطن بالازدهار والاطمئنان وراحة البال، صحيا واقتصاديا، واجتماعيا وأمنا وسلاما.

ملاحظة: كلمة ألقيتها بمناسبة عيد الأضحى المبارك بعنوان: “الأضحى أمل ورجاء” بدعوة مشكورة من جمعية “حركة لبنان الشباب” ممثلة بشخص رئيسها الأستاذ وديع حنا التي نسأل الله لهم أن تبقى حركتُهم الخيّرةُ شابةً ومتألقة ومندفعةً في خدمة لبنانَ البلدِ الذي نحب، لبنانَ التنوعِ لبنانَ العيشِ الواحد لبنان الرسالة.

About The Author

Contact