×

قراءة : في خاطرة “تكلموا..” للدكتور ناصر زين الـدين / لبنان بقلم: الأديبـة النــاقـدة ســهيـلة بن حسين حرم حماد /تونس

قراءة : في خاطرة “تكلموا..” للدكتور ناصر زين الـدين / لبنان بقلم: الأديبـة النــاقـدة ســهيـلة بن حسين حرم حماد /تونس


قراءة : 
في خاطرة تكلموا.. للدكتور ناصر زين الدين

====
========

تكلموا…
******بقلم //الشاعر ناصر زين الدين

*****************************

تكلَّموا يا أحبَّتي
قبل أن يستعمروا لغتَنا العربيَّة
تكلَّموا… قبل أن يسمُّوها “لغة إرهابيَّة”
تكلَّموا قبل أن يُصبحَ الصمتُ لغةً
وقبل أن نُصبحً نكبةً
في لغةِ العالمِ بدلاً من لغةٍ عربيَّة
تكلَّموا وارفعُوا شعارَ الإنسانيَّة
لا نُريد سلاحاً
السلاحُ إرهابيّ
والإرهابُ يحاربُ الاٍرهاب 
في منطقتِنا العربيَّة
تكلَّموا
فالصمتُ جريمةٌ
وحفرةُ ظلمٍ 
وقعتْ فيها فلسطينُ
وما زلنا فيها نقع تلقائياً ،
تكلَّموا باسمِ الإنسانيَّة
&&&&&&&&الشاعر ناصر زين الدين

====
=======


القراءة:

المدخل

تكلّموا ..

خاطرة بقلم الدكتور الشاعر ناصر زين الدين، من ديوانه آدون الشاعر المغترب الصادر عن دار المختار للنشر والتوزيع لسنة ٢٠١٨ .

خاطرة استجابت لقواعد الخاطرة المتوسطة حيث أتقن صاحبها تأثيثها بعناية بدءًامن :

العنوان : تكلموا…

جاء العنوان في صيغة أمر مذيل بنقاط .
هناك شحنة قوية انفعالية، يوحي بها العنوان، تربك المتلقي، لأنه يتلقى الخاطرة أمرا موجها إلى ضمير المخاطب الجمع أنتم، إذا فهو معني بالخطاب …زد على ذلك الثلاث نقاط ،التي توحي بأن للحديث بقية.

نحن أمام( ذات الشاعر ) …+ زائد( انفعال يوحي به المعنى … و( الصّيغة)…+ زائد (حضرات لذوات مخاطبين)نعلمهم ولا نراهم ،(قراء حاضرون غائبون )*….

كما يبدو ،العنوان مسكون بفكرة الخاطرة:

الكلام أي التعبير…

مسكون أيضا بمرادفها الصمت …

مسكون إذا بالفعل و بالسّكون …

و بهاجس الفعل … والبيان …

الزمن آني حاضر، ولكن الانفعال يظهر تحسبا من قادم، نتيجة استنتاج ذهني، لما قد يكون حصل في ماضي مضى وقد يكون حاضرا استدام وطاب مقامه وطال..

الملفت للانتباه، في هاته الخاطرة هو التكرار :

تكرار لفعل الأمر، “تكلموا”، تكرر ٧ مرات / تكلموا+ تشظ مرة في العنوان، ومرة أخرى في النص / فيما جاء الفعل تكلموا، قبل الصمت بمفرده من دون هودج … وفي هذه دلالة ورمزية قوية … للمصدر مصدر الصمت….

تكرار لعبارة :

” قبل أن”:

مشفوعة ب (يستعمروا ،أن يسمّوها ،يصبح، نصبح )*
تفيد التحسّب، من غول مكسو بوشاح طاقة الإخفاء، لحقد دفين يعد له موزار من وراء البحار وعلى ما يبدو أن المعزوفة قرب وقت عرضها …أي قبل أن يصبح استعمال العربية ممنوع بحجة أنها لغة إرهاب ..وكأن ساعة المنع قد قربت ودنت…

يمكن تبويب الخاطرة كما يلي:

مقدمة

(تكلَّموا يا أحبَّتي
قبل أن يستعمروا لغتَنا العربيَّة
تكلَّموا… قبل أن يسمُّوها “لغة إرهابيَّة” “)
(قد تسلب منا لغتنا بحجة أنها رمز للإرهاب )*

عرض للموضوع

خصص أوله لشرح هدف الخطاب من فعل الأمر الرسالة …للذات الباثة

(تكلَّموا قبل أن يُصبحَ الصمتُ لغةً
وقبل أن نُصبحً نكبةً
في لغةِ العالمِ بدلاً من لغةٍ عربيَّة
تكلَّموا وارفعُوا شعارَ الإنسانيَّة
لا نُريد سلاحاً
السلاحُ إرهابيّ
والإرهابُ يحاربُ الاٍرهاب 
في منطقتِنا العربيَّة
تكلَّموا)

هناك هاجس قوي مفاده أن اللغة العربية في خطر، يجب التصدي له، قبل فوات الأوان وكأن اللغة العربية في حالة احتضار ..

قد يتهكم بعضكم من الأمر …..
اللغة كائن حي بدليل علم الألسنية والسمياوية….
فهي كائن، يؤثر ويتأثر يولد، يحيى، ويموت خلال كينونته، وصيرورته …كحال اللغة اللاتينية مثلا…

الشأن الذي قصده الباث هو الإعدام …
إعدام لغة، وهي لا زالت لم تكمل بعد مسيرتها… أي إعدام كائن ” ميت حي “أجل قصدت بالميت، لغة أموات . عرب ، لا يفقهون.. مغيبون، ينتظرون، مسالمون، مستسلمون، لمصير محتوم مختوم بختوم الطاعون….

والحي هي اللغة العربية الحية ..لغة الإبداع والجمال والقرآن وعنوان السلم و السلام …..والافتنان قد تتحول إلى رمز للانهزام والخذلان والإرهاب بمجرد النطق بفصيح الكلام …. 
إن لم نصحُ و ننتبه للنُّصحِ …

يكفينا أن نتذكر ما حصل للحرف العربي، للغة التركية، الذي تحول في لحظة زمنية فارقة، إلى حرف لاتيني استجمع له كمال أتاتورك، حال حصوله على الحكم، عباقرة النحو والصرف والفقه والعروض واللغة في مجمع لغوي، فأعدوا قاموسا ونواميس للغة التركية، فتجددت في حروف لاتينية، تزلفا و تقربا من غرب، إثر ثورة ونهضة حقيقية، مستديمة جلبت الاحترام. فانجر عنها اقتداء بأعداءٍ بمستعمرٍ …. بقصد الإفلات من الجهل والجهالة ..

أما الجزء الثاني، فقد خصصه صاحبه للصمت، المصدر، مصدر الخوف …..
الخوف من ضياع لغة :

لغة دالة على مدلول، كيان، وكينونة، مشحونة برموز، ودلالات، تدلنا وتدل علينا تدلِّلنا… قد نقبل بتطويرها، بإدخال مصطلحات جديدة، ولكن هيهات أن نقبل تعويضها أو التسليم فيها أوتسليمها….

لذلك نراه يعرف الصمت بالجريمة، ويقرُّها حفرة ظلم، ويذكر بما حصل في فلسطين، وأُذكّر بالمورسكيين ومحاكم التفتيش وبالمشانق …في ما كان يسمى بأندلس…

(فالصمتُ جريمةٌ
وحفرةُ ظلمٍ

وقعتْ فيها فلسطينُ)*

ما أصابنا نحن المتسببون فيه

(وما زلنا نقع تلقائيا،) *

الخاتمة

وكأنه يستجدي .. وكأنه يقول بالله عليكم… وقد آثر أن يكون النداء والاستجداء والصرخة باسم الإنسانية كلِواء وشعار حاوٍ لكل عربي متدين كان أم لائكي..

تكلَّموا باسمِ الإنسانيَّة، يبدو صاحب الخاطرة من الذين لا يملون التكرار.. لأن غايته إنسانية ونبيلة ، هدفه رسالة، تحقيق غرض و قصد وإنجاز لوعد قطعه على نفسه، لأجل إنسان عربي أفضل.. لذلك نراه يدعوهم، بيا أحبتي… إذا الغاية تحقيق ثورة قلم، بلغة عربية، تحكينا، لغة تشبهنا، تحمل ثقافتنا أفعالنا، وكياننا شمسنا وبحارنا معالمنا تقاسيمنا جيناتنا تضاريسنا ينابيعنا زادنا وزوادنا ..

الأسلوب، جاء في لغة بسيطة، شاعرية ، جميلة، سمتها التكرار وإن كان غير محبذ في الخاطرة، إلا أننا لم نمله لأن صاحبه أحسن توظيفه .
كما أحسن انتقاء واختيار كلماته..
فتمكن بذلك من السيطرة على المتلقي وشد انتباهه ..
.بتشريكه معه، في التأمل و التفكير بعمق ووعي وإدراك ، في هاجس الخوف على وضع اللغة العربية ومستقبلها . 
كل هذا ضمن أحاسيس ذاتية ذهنية لذات باثة واعية أدركت خطورة الوضع ..

جاء السرد بلغة المتكلم،الأنا، موجه إلى المخاطب الجمع أنتم ..
منسجم، متآلف، متناغم، متناسق ومناسب للخط السردي المعتمد من العنوان إلى القفلة، يسكنه تشويق ذروة، حبكة، وفك عقدة، هدف، صور و مغزى ..

المغزى والرؤيا :

تأرجحت الخاطرة بين دعوة إلى أن تكلموا .. وخوف من الصمت /لم يقل تكلم لأننا نواجه قوة… إذا الحركة يجب أن تكون في شكل قوة عددية أيضا… حتى لا تكسر الأفراد منفردة …ذلك أن في الاتحاد قوة …

والكلام المقصود، هو الكلام السديد، الرصين، الحكيم الذي يتقن البيان والحسم والإقناع بالرمز والدليل والتبيين مشفوع بحسن التدبير…لا السفسطائي المشين…

تكلموا من أجل الإسراع لانقاض لغة الكلام، لغتكم . تلك اللغة العربية الأبية مهددة بنكبة، كما نكب العرب في فلسطين. عرب صاروا موصومين من العالم بالإرهاب، ضمن مخطط مدروس، للقضاء على العروبة، يخشى الدكتور زين الدين ناصر أن يطال “الإرهاب الدولي” ، اللغة العربية، فينتزعونها منا ويستعمرونها كما استعمروا أراضينا وعقولنا .. بحجة انها لغة ارهاب …

لذلك نراه من العنوان، مرورا بالاستهلال، وصولا إلى الخاتمة، يطلب بلطف يلح ويستعطف أصحاب الولاء والانتماء إلى العروبة للمقاومة الفعالة بسلاح الفكر وحسن الكلام والتبيان من أجل فك قيد أسر الحرف العربي قبل أن يقع في شراك غربي حاقد على ماضي مضى و حاضر خذله يحتضر…

الخوف أن يفرض الصمت ويصبح الكلام محال ….
يصبح الصمت لغة لا يستحمل العصيان …

قيل عن الصمت لغة ….في حضرة الكلام …هو اختيار للتعبير …
بالسكون…والسكوت ..
عندما يكون ترياقا …لتفادي السقوط في الرد عن مشين مهين …لحفظ ماء الوجه من أجل المحافظة على أخلاق في سوق اللباقة…
لذلك قيل عن الصمت هو تعبير راق …
وقيل أيضا هو غموض.. وعدم وضوح …

ولكن من يصمت؟ ومن هم مستعمليه ؟

الصمت تعريفه :

لغة الجميع ..دلالاته ورموزه تختلف باختلاف مستعمليه، فهو سلاح ذو حدين، يصعب تعريفه وتقييمه لغياب مصطلحات وضوابط متفق عليها موضوعة مسبوقة مضبوطة في قوانين مشروعة من مجمع لغوي معترف به…..

ولكن من يصمت ؟؟؟…..

يصمت القوي استكبارا واستعلاءً…
ليذل به من كان يقله جاه، معرفة، نفوذا، أدبيا أو معنويا ….
اذا يستعمل بغاية التقزيم والتنكيل …..
إذا هو سلاح فتاك على الأمد البعيد … لئن لا يسيل الدم، ولكن من يقع تحت طائلته، سوف يضل يئن إلى الأبد …. ذلك أنه سهم يخترق الجسم، ويستوطن الأوعية الدموية، ويبقى سجينا حبيس الجسم والدم، جدرانه عروق و شرايين .. فهو سم بطيء المفعول، يتلذذ سيده بتعذيب فريسته ….

يصمت جبان، رضي بالذل والهوان ….

يصمت وضيع خسيس يراود فريسة

ويصمت الضعيف، لقلة الحيلة ….
أمام جبروت ظلام … يشحذ مطواته، و يكشر عن أنيابه، في كل مرة حاول الضعيف التعبير أو المقاومة حتى بالإشارة والتلميح ….فإن لم يصمت إختيارا، فسيصمت مجبرا …
كما يصمت كل سجين بعد تعذيب وتنكيل ومهانة ….

يصمت مريض لهزال…
يصمت ميت غادرت روحه…

فالصمت قد يصير قهر الزمان للرجال، بانتزاع لغة البيان وفصيح الكلام ، وتعويضه، بسكون ساكن غامض منزوع الروح والصوت العذب والدلال ..

لذا أضم صوتي لصوت الدكتور ناصر زين الدين تكلموا

ولكن علينا أن نتحد، ونتفق ،على ميثاق نلتزم به، ليتناغم الكلام، ويعزف سنفونيات، يطرب لها السامع عدوا كان أو حبيبا، لتسكر، وتذهل، وتخمد، النيران العدوة، وحتى الصديقة ليستفيق الحق، ويزهق الباطل، وينقلب السحر على الساحر …لنسترجع عروبتنا، عزنا، ومجدنا الذي فرطنا فيه بأيدينا،بتحالفنا مع عدو ماكر، ضد مصالحنا، ضد ابن، وأخ وأبناء عمومة…لنعيد كتابة تاريخنا وتأريخنا بأحرفنا بلغتها العربية لغة أهل الجنة ….

تلك كانت صرخة فزع …من أجل استفاقة من غفوة…قبل طلسنا ….ورمينا بخزي لعنة تخرسنا إلى الأبد …
تكلموا ….اتحدوا…. تدارسوا…..اتفقوا…. لا تترددو…سدوا الفلول ….تناغموا …حتى لا يصبح الكلام غوغاء …باسم الانسانية ….اتركوا احقادكم جانبا …الحقوا أحلامكم…لتكتبوها بلغتكم العربية …حتى لا ينطق الحكم بأن اخرسوا …وتكلموا صمتا …

سهيلة بن حسين حرم حماد

الزهراء / سوسة 29/03/2019

About The Author

إرسال التعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Contact