×

قراءة نقديّة في المجموعة القصصية(احكي ياشهرزاد)للأديبة الدكتورة دريّة فرحات والتقارب بين السرد القصصي وومضة الشعر بقلم الأديبة سمر الديك

قراءة نقديّة في المجموعة القصصية(احكي ياشهرزاد)للأديبة الدكتورة دريّة فرحات والتقارب بين السرد القصصي وومضة الشعر بقلم الأديبة سمر الديك

قراءة نقديّة في المجموعة القصصية(احكي ياشهرزاد)للأديبة الدكتورة دريّة فرحات والتقارب بين السرد القصصي وومضة الشعر بقلم الأديبة سمر الديك
——————-
حقيقةً أبهرني هذا الذكاء وتلك الفطنةفي توظيف حكايا شهرزاد مع الملك شهريار لتصوير العلاقات الانسانية المتشظيّة في تلك الأونة والعالم يموج بالكثير من المتغيرات والاضطرابات على جميع الصعد الإنسانية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، مما دفعني أغوص في تلك المجموعة لأكتشف خباياهاالدلالية، والمعرفية، واللغوية
سأبدأ بالثيمة الأساسية لتلك المجموعة العنوان (احكي ياشهرزاد)اختارته القاصة بحرفنة، وتمكن حيث جسّدت شهرزاد في شخصيتها وأسقطتها على ذاتها لذلك نراها لم تناضل من أجل أن تبقى هي على قيد الحياةكجسد، كماهو معروف في شخصية شهرزاد وحكاياها للملك شهريار؛ الذي اعتاد أن يتزوج كلّ ليلة بعذراء، ثم يقتلهافي الصباح انتقاماً من خيانة زوجته…بل نرى القاصة تناضل في معظم قصصهافي تلك المجموعة لتبقى الحياة الانسانية للإنسان، الحياة العادلة،الكريمة، المليئة بالحب، والمساواة بين الجنسين الذكر والأنثى دون أن تنتظر تعويضاً لها.
في قصتها (تعويض)قدّمت للقارئ صوراً إنسانية مؤلمةللعلاقات المتشظيّة بصرخة عارمة في وجه التخبّط، والضياع الذي يعيشه لبنان، وهي تبحث عن انسجام الإنسان مع مايلائمه من جمال في زمن القهر، والموت، والخراب، والفقر؛ وقد اختلط عليها الأمر عند سماع رنين الهاتف؛ أهو رنين الهاتف، أم رنين الباب!؟
لايهمها مصدر الصوت، بقدر مايهمها أن يكون مصدر الرنين من حبيبها الذي سيوافق على عقد الشّراكة معها وتتكلل بالزواج ؛ ولم يخلّ بذلك العقد كما ذكرت (تيمناً بأحوال الوطن ) كما أنّها لاتأبه إن كان رنين الهاتف من قبل وسائل الإعلام لتجري حواراً معها على طلب التعويض الذي قدمته (عطل وضرر)على ماأصابها من حبيبها نتيجة الأوضاع السيئة والاضطرابات التي يعيشها بلدها لبنان الشقيق ؛ حيث ربطت بين نتائج الحرب الضارة، والأزمات الداخلية في بلدها بقولها: (أبناء لبنان على موعد دائم للتوجه إلى الجهات العليا للحصول على تعويض الخسائر الناتجة عن الحروب الخارجية، والأزمات الداخلية…فكم من عدوان على الوطن دمّر بيوتاً، وأتلف الأراضي الزراعية، وأعاق الأطفال، أليس من حقها أنْ تقدّم طلباً مثلهم !؟)
لكن هيهات أنْ تحصل على تعويضها من الجهات المختصة فعطلها وضررها معنوي لايُعوض …
وقد أبدعت القاصة بمشاركة الطبيعة لأحوال البلد المضطربةبقولها (عاصفة ثلجية أهلكتْ المحصول…وكلّ المناطق فيها خلافات، بيروت،صيدا،النبطية…)
كماأنّ المتظاهرين لم ينالوا مطالبهم من التظاهر وهنا تشير إلى جمعية حقوق الإنسان؛ وضرورة أن تتحرك وتدافع عن حقوق الإنسان التي شرّعتها الأمم المتحدة وحقوق المرأة بشكل خاص لأنّ القاصة متحررة من عقد التخلّف، ومتجاوزة للأعراف والتقاليد الباليةكما جاء في سياق القصة تقول القاصة :(الرجل يبحث عن حضنٍ دافئ يمنحه الحنان…يفخرُ بها وسط المجتمع الفكري،والثقافي، والعلمي؛ كماحاجة المرأة إلى رجلٍ يدركُ عملَها، وعلمَها لاعلى أساس أنّه رجلٌ كمالي…)
كأنّهاتشير بأصبعها إلى كل النساء مخاطبةً إياهنّ :هكذا سيكون الزواج ولو كانا من مذهبين مختلفين ؛ طالما نبيهما واحدٌ، وقرأنهما واحد والقاسم المشترك بينهما وطن ٌ واحدٌ؛ ولو اختلفا بالأفكار فعلينا تقبّل الرأي الآخر .
أبدعت القاصة أيضاً في توظيف نتائج استخدام التكنولوجيا في وقتنا الحالي بقصتها (الكمبيوتر) فعلى الرغم من نضال بطل القصة للحصول على براءة اختراع من خلال تعامله مع شاشة الكمبيوتر ، وتذكره لفتاة أحلامه من خلال تلك الشاشة حيث خسرها ولم يجتمع بهاوكانت أحلامه (أضغاث أحلام)
وهكذا نسجت لنا الكاتبة حالة ثورية من أجل تحرير نفسها والمرأة بشكل عام ؛ وكانت واقعية عكست لنا الحياة الإجتماعية بصدق ومافيها من بؤس،وشقاء،وتعاسة،وفوضى والبحث عن الإنسانيةفي تلك الحياة الإجتماعيةالمنهكة بالحزن، وغياب الضمير الحي،وكأنّ لسان حالها يقول: الإنسانية موجودة على الرغم من كل شيئ .
وقد لمسنا كل ذلك من خلال سرد أنيق،وحصيف، متصاعدنلمسُ عندها قوة اللغة وأناقتها، والقافيةمدهشة عميقة المدلول والمعنى.
كمالجأتْ إلى الترميز حيناً والتضمين حيناً آخر (أضغاث أحلامٍ)
(براءة قميص يوسف)خلعت السواد عليه، وارتدت السواد على كرامتها…
وقد اعتمدتْ في كل ذلك على ثقافتها؛ وهي تتمنى أنْ تعيد العالم إلى إنسانيتهم المغيّبة.
كما نلاحظ في أواخر قصصها أنّها قاربت الشعر حيث جمعت بين القصة وقصيدة النثر -إنْ صحّ التعبير -وذلك من خلال الاختصار، والإيجاز، والتكثيف وتحديداً في نصوصها الأخيرةمن مجموعتها القصصية حتى لنخال أنفسنا أمام قصة الومضة وذلك في نصوصها (خيبة، غريبة، تكنولوجيا، صوت، كرامة، لذة،عرس، لقاء ثانٍ مثقف، شرنقة)
إلى أنْ نصل إلى آخر نص في مجموعتها بعنوان(منتدون)تقول: أضواءٌ تلألأت…
طبولٌ قُرعتْ…
أفواهٌ تحدّثت…
خوانٌ امتدّ
تحلّقَ المنتدون في قاعة الملوك
تناقشوا في قضايا الفقر والفقراء
وهذا الجمع بين القصة والقصيدةيشير إلى أنّ القاصة الأديبةدريّة فرحات لها خبرة في قصيدة التفعيلة والقصة بأنواعها المختلفة؛ ولذلك أراها مبدعة في الإثنتين الساردة والشاعرة متمكنة بحرفنة، وعمق في الثقافة؛ حيث استمتعنا بتلك النصوص، التي جمعت بين الساردة، والشاعرة لمواكبة التغيرات السياسية، والإقتصادية، والدينية، والاجتماعية، وحتى العلمية وبذلك أستطيع أنْ أقول عنها:
قاصة حداثوية بامتياز
———————-
الأدبية الناقدة سمر الديك

About The Author

Contact