كلمة الأديبة منيرة الحاج يوسف من تونس في إحتفاء يوم العالمي للمرأة لدى منتدى ثورة قلم مدى نجاح المرأة التونسية في فرض أثرها في المنجزات الأدبية والجمعياتية للنهوض بالإنسانية، تجربتي الأدبية نموذجا
كلمة الأديبة منيرة الحاج يوسف من تونس في إحتفاء يوم العالمي للمرأة لدى منتدى ثورة قلم مدى نجاح المرأة التونسية في فرض أثرها في المنجزات الأدبية والجمعياتية للنهوض بالإنسانية، تجربتي الأدبية نموذجا
1/ تمهيد:
في عيدها أهنئك أيها الرجل، ما أوفر حظك بها! ما أسعدك، وقد نلت شرف أن أنجبتك أنثى، وسهرت على تربيتك أنثى ولم يجانب (إيديسون) الصواب عندما قال:”أمي صنعتني”. فكن يا رجل في مستوى هذا الحدث الكوني واجعلها تاج رأسك أمّا أنت سيدتي فكلّ الأيام لك، أنت العيد لكل يوم، ولكل لحظة، ولكل زمان، فأنت عشتار، وأنت فينوس، وأنت عليسة الفينيقية، وأنت بلقيس الزعيمة الحكيمة، وأنت الكاهنة البربرية ديهيا البطلة الوفية لمملكتها، وأنت أم موسى، وأخته، وأنت زوجة فرعون ،أنت مريم النقية،التقية، وأنت خديجة بنت خويلد الشريفة العربية التي اختارت محمد صلى الله عليه وسلم زوجا،… والقائمة التي تحمل أسماء نسوة مميزات تركن أثرهن على المستوى الإنساني طويلة ولا يسعني المجال لمزيد التعداد.
2/الإسهام المتنوع للمرأة التونسية في مجالات الحياة
أما المرأة التونسية فلا تخرج عن هذا التميز فقد ناضلت منذ البدايات جنبا إلى جنب مع الرجل وشاركته همومه فأضافت ملح جهدها لكل مجالات الحياة فأول طبيبة تونسية تخرجت في 1936 وكانت والدتها من سهرت عليها بعد موت الأب وأول سيدة عربية تونسية مسلمة ساقت القطار في 1958 وأول تونسية عربية مسلمة قادت الباخرة في 1960 وأول تونسية عربية مسلمة قادت الطائرة في 1960 وأول تونسية عربية مسلمة شغلت خطة وزيرة في 1983. إن مجلة الأحوال الشخصية التي صدرت فجر الاستقلال كان لها دور كبير في تعزيز دور المرأة وتوعيتها بحقوقها الإنسانية فهي لا تعد مفخرة البلاد التونسية فحسب بل يعتز بها كل الوطن العربي لأنها رسخت الشعور عند الجميع بأن المرأة كالرجل بل تفوقه، بما منحها الله من عاطفة جياشة في إحساسها بهموم الأسرة والمجتمع والوطن والإنسانية، لذلك تحول الإحساس قولا والقول فعلا وعملا
. ونماذج التونسيات اللائي كان لهن عميق الأثر في الحياة بما قمن به لا في مجال واحد وإنما في نواح عديدة، كثيرة؛ فعزيزة عثمانة مثلا وهي الأميرة بنت أبي العباس أحمد بن محمد بن عثمان داي التي نشأت في منتصف القرن الحادي عشر عرفت بأعمالها الخيرية فأنشأت المستشفيات، والصناديق المالية لعتق العبيد وأقامت موائد الإفطار وكفلت اليتامى وغير هذا كثير في مجال العمل الإنساني الخيري. أما بشيرة بن مراد(1913 -1993) فقد كانت كاتبة وصحفية ومرافعة عن قضايا المرأة في كل المحافل وكذا كانت الطبيبة توحيدة بالشيخ، فإلى جانب مهنتها التى كانت تقوم بها دون مقابل لصالح الفقراء، نشطت في الصحافة وأشرفت على أول مجلة نسائية ناطقة بالفرنسية الموسومة ب(ليلى ) كما أسست جمعية للإسعاف بعد الحرب العالمية الثانية، إن هذا التركيز على تجربة المرأة التونسية في الإسهام الثري في جوانب الحياة المتنوعة هو ترجمان لاعتزازي بالهوية التي تكشف الفهم العميق للمرأة التونسية لواجبها الإنساني ولقناعتها أن جنسها يحفزها لتضاعف الجهد وتعانق شوق الحياة بعطاء وتضحية مضاعفين.
3/ تجربتي الشخصية
يصعب أن أكون في نهج غير نهج من ذكرت من فضليات وطني، فأنا جربية المولد، مهووسة بوطني وقضاياه، متطرفة في عشق جزيرتي، قلبي قلب طفلة، جسدي جسد أنثى، وعقلي هو الحياة بما رحبت. عشقت الحرف صغيرة، منذ كنت في المدرسة الابتدائية في منطقتي الريفية (ربّانة) التي كثيرا ما شدتني تاء تأنيثها فالقبطان عادة من الذكور…لكن منطقتي البهية كانت أنثى وكذا جزيرتي جربة الجنة ووطني الحبيب، تونس الخضراء…ويودع الله أسراره فيما وفيمن يشاء… الغريب في الأمر هو أن لا أحد في محيطي كانت عنده اهتمامات أدبية، فإخوتي الذكور مجالاتهم، التجارة والتقنية والفيزياء…لكن والدي-رحمه الله- كان كثيرا ما يستعمل اللغة الفصحى في جمل بديعة وهو يخاطبنا وكان لي كل السحر في سماعه منه تنساب في مسمعي كموسيقا عذبة ولعل انبهاري بذلك مرده أن والدي يحب الفصحى ويتقنها رغم أنه لم يدخل المدرسة بسبب ظروفه الاجتماعية فقد ولد يتيما، فقيرا، اعتمد على نفسه صغيرا واقتحم الحياة بجرأة وشجاعة وشرف، خصال يلمسها في والدي كل من عرفه، بفضل تربيته الحسنة، فقد سافر للعمل إلى تونس العاصمة طفلا ثم إلى الجزائر وبعدها إلى فرنسا وتكلم الفرنسية ونال تقدير مشغليه وصار عونا لكل من يهاجر إلى فرنسا من أبناء جزيرته، كل هذه المناقب التي أذكرها يعود الفضل فيها إلى السيدة التي ربته، فجمعت بين تدليله فهو وحيدها والصرامة التي تقتضيها رجاحة العقل، فعودته على الاعتماد على النفس وأكسبته الثقة وعلمته حسن التصرف في المال، إن فخري بجدتي وأبي لا تقوله الكلمات، سيدة عمياء، عرجاء بلا سند مات زوجها وترك في أحشائها جنينا، فعكفت على تربيته، حتى شب صالحا، يقدر الأم ويذكرها في كل كلامه، حتى أنها صارت في عائلتنا القدوة مع أنني لم أرها في حياتي… قد تبدو الحكاية خارجة عن الموضوع لكنني أراها الموضوع كله، وهل الحياة غير أنثى صالحة تجعل الواحد كثرة والقبيح جميلا؟… هذه جذوري التي أعتز بها كل الاعتزاز ولولا تلك التربية ما كنت أنا، لا الإنسانة ولا الشاعرة ولا الناشطة في مجتمعها الغارقة في همومه. أولم يقل الشاعر الكبير حافظ إبراهيم: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق الأمّ أستاذ الأساتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق هذه أنا، بكل ببساطة وعفوية، عشقت لغتي وما اعتبرت مادة العربية مجرد حصص كبقية فروع التعلم، بل كانت أسمى، ومعلمو هذه اللغة، كادوا أن يكونوا أنبياء، مازلت أحفظ أسماءهم من الكتاب، إلى الجامعة، كنت أراهم مدرسة داخل المدرسة، وأنا أدين لهم بعد أبي بهذا العشق النقي للحرف العربي، نتاجاتي كانت متميزة ولغتي استحقت أن يعبروا عن إعجابهم بها، لسلامتها وسلاستها وجمال بساطتها، وهو ما حدا بي للكتابة، والمشاركة في بعض المسابقات التي تقام بين المعاهد في الجهة فأحصد الجوائز، وفي الجامعة شاركت في مهرجان الشعراء الطلبة، بعد الاستقرار في الجزيرة والزواج انقطعت، بسبب ظروف عدة لكن الحرف الذي كلف بي لم يتخل عني.
وعدت، لأني آمنت أن الحرف أمانة والكتابة رسالة ووطني وجزيرتي والمرأة وحتى مشاعري تحتاج أن أتقلد هذه المسؤولية فكتبت بجرأة، عن الواقع وعن الرجل وعن المجتمع وعن السياسة وعن الحب وعن الحقوق، وتزامن ذلك مع نشاطي الجمعياتي، الذي اقتضاه واقع الوطن وواقع الجزيرة وشعرت أن الدورين أساسيان ولابد منهما معا حتى أكون فاعلة في الحياة. تقلدت مسؤوليات متنوعة صلب جمعيات خيرية وثقافية داخل جزيرتي فاكتشفت أكثر ما تعانيه المرأة بسبب ظروف المعيشة وفكرت بفطنة الأنثى أن العقل يحتاج غذاء وكذلك الروح، تماما كالمعدة فأدخلت نشاط الرحلات التسويقية والترفيهية الموجه أساسا للمرأة المتوسطة الدخل وأسرتها حتى ترى جمال وطنها وما ينعم به من خيرات فتحبه أكثر وتخلص في عملها لأجله، وحتى تقول لا في وجه الساسة،كما أسهمت في أنشطة التجوال داخل الجزيرة لفائدة أبنائها وكل المقيمين فيها من أجانب والغاية من ذلك بعد رياضة المشي، اكتشاف ما تزخر به الجزيرة من كنوز حقيقية على مستوى الطبيعة والحضارة والمعمار وقد لاقى هذا النشاط قبولا واسعا وحرك أقلام الكثير من الفرنسيين المبدعين المشاركين معنا لتوثيق تلك الجولات والتعبير عن تأثرهم بسحر لؤلؤة المتوسط (جربة). كما أسهمت في موائد الإفطار الموجهة للإخوة الأفارقة والأجانب وغيرهم، وتدعم هذا النشاط فترة الكوفيد ليشمل كل محتاج في الجزيرة التي تحولت بؤرة حب وتعاون إنسانيين أعجز عن وصفهما ووجدت نفسي غارقة في هموم الصحة والتعليم والحياة في مختلف جوانبها… حتى إنني نلت وجزيرتي آنذاك تكريما لن أنساه من مجموعة أدبية (لغة الضاد) اعترافا بما لمسوه في من شغف بجزيرتي ترجمته كتابات… كما شغلني وضع جزيرتي البيئي فنظمت مع زملائي أنشطة توعوية في هذا المجال موجهة أساسا للأطفال وللسيدات كالفرز من المصدر، للتقليل من النفايات وتثمينها والاستفادة من قيمتها في مجال التسميد والتنبيه إلى مخاطر البلاستيك وغير ذلك كثير.
في مجال الأدب : كتبت القصة القصيرة والقصيرة جدا والشعر ونشرت لي أعمال ورقية جماعية مشتركة في تونس وفي بلدان عربية مختلفة اذكر بعض العناوين، الثلاثية السردية، الوطن العربي، فلسطين في عيون الأدباء، كلمات فرسان الخيمة. أما ديواني (خلجات) الذي صدر عن دار الوطن بالمغرب الشقيق للأستاذ عبد النبي الشراط فما كان ليرى النور بتلك السرعة لولا تحفيز أستاذي الفاضل الدكتور مديح الصادق الذي شرفني بتقديمه، فقد رأى فيه مرآة عاكسة لهموم المرأة وجراح الوطن وقد وثقت في خلجاتي التي كتبتها بمداد من مشاعر أكثر ما هز إنسانيتي من فواجع الموت والقهر في وطني بعد الثورة خاصة. كما تضمن الديوان نصوصا وجهتها للرجل تحديدا لأنني أعتبر أن المرأة لا تتحرر فعليا إلا متى تحرر هو من أنانيته وفكره الذكوري المهيمن ورغبته في السيطرة والتنمر رغم ادعائه احترام حقوق المرأة، إن التحرر الحقيقي هو بلوغ سن الرشد التي تقتضي تناسبا بين النص القانوني الذي يمنح المرأة حقها كاملا والممارسة الاجتماعية والسلوك اليومي لكل من المرأة والرجل على السواء فالمرأة ليس ديكورا أو واجهة للزينة في المنزل أوفي البرلمان، هي شريك فاعل، بل لعلها الأهم ألم تقم الحروب لأجلها ؟ من شفى شهريار من علة نرجسيته غير ذكائها وفكرها المنير. يكفينا أن نستذكر ما قيل في المرأة حتى ندرك قيمتها فهذا عنترة يقول: مهفهفة والسحر في لحظاتها إذا كلمت ميتا يقوم من اللّحد ويقول: ولقد ذكرتك والرماح نواهل وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم أما أنا، فمثل كل امرأة في الكون أعالج عطب الأرواح… بمداد الحب أكتب حتى أشفي المرضى، وأداوي كل جراح، أنا أقود ناصية الانتصار ولا اعترف بالانكسار فقد غرستني أمي في الوجود زهرة ريحان وفل وجلنار، حتى يعبق هذا الوجود بكل طيب…