×

رأي كامل (ح11) السياحة الدينيّة؛ علاقة متناغمة بين الأرض والروح / بقلم الشيخ كامل العريضي / لبنان

رأي كامل (ح11) السياحة الدينيّة؛ علاقة متناغمة بين الأرض والروح / بقلم الشيخ كامل العريضي / لبنان

بسم الله الرحمن الرحيم

السياحة الدينيّة؛ علاقة متناغمة بين الأرض والروح

بقلم : الشيخ كامل العريضي / لبنان

الحمدلله خالقِ الإنسان على أحسن صورة؛ وبارئ الكون على أتم نظام، ومودع الأسرارِ في قلوب عباده الأصفياء، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى جميع الأنبياء والأولياء والقديسين الذين عرفوا الله حقَّ معرفته فتقربوا إليه بمحبة البشر وحرث التراب وصقل الحجر، وعملوا صالحا لوجهه الكريم.

جاء في الكتاب العزيز: “أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”. نستدل من هذه الآيات المباركات على أن لله عبادا ترفعوا عن شهوات الدنيا ومفاسدها وتنزهوا في رحاب الرياضات الإلهية وساحوا في العلوم الملكوتية وتنقلوا في مقامات الرضى والقرب والمعرفة، فكان سفرُهم مربحا، واستقرت رحلتُهم على تراب البشرى في وطن الفوز.

وتخليدا لرحلة هؤلاء المتقين، تمت إقامة مقامات أو مزارات تضم رفاتَهم أو أسماءَهم استئناسا بهم وحثا للناس على الاقتداء بأثرهم والامتثال بعلمهم وعملهم.

وعلى أثر زيارة هذه الأماكن أو بيوت الصالحين وخلواتهم أو دور العبادة لإقامة شعائر دينيّة، من قبل المؤمنين، برز مصطلح السياحة الدينيّة أي الانتقالِ من مكان السكن أو الإقامة إلى تلك المواقع سواء داخل البلد او خارجِه.

وللسياحة الدينيّة الأثرُ الطيبُ في القلوب والنفوس وذلك بسبب النية الطاهرة التي يبني الإنسان سياحته عليها وهو بالتالي يكون قد وجه قصده للاستفادة من هذه الزيارة وعمل جاهدا على تصفية نفسه من الشوائب، وسعى للتعلم من صاحب المقام عبر الاستماع أو القراءة عنه، وبالتالي تنعكس هذه الرحلة هدوءا في داخله وجمالا في روحه. وما يزيد الجمالَ الداخلي رقيا هو الموقعُ الجغرافي لاسيما إذا كان في طبيعة خلابة وبين أشجار وارفة مع زقزقة العصافير وخرير المياه وطهارة التراب الممزوجِ بطاقة إيجابية وتسابيحَ وتكبيراتٍ وترانيمَ إيمانيةٍ فعندها تتكامل الدوائر الروحية مع الأشكال الطبيعية فتولد في السائح سمفونيةٌ علويةٌ يعجز اللسان عن وصفها وأنّى لنا وصفُ تلك اللحظاتِ الإشراقية على القلوب الحية؟

وللسياحة الدينيّة ثمارُها الطيبةُ أيضا على مستوى التعارف والتلاقي والتواصل بين مختلف العائلات الروحية وهل أجملُ من التعرف بعضنا على البعض من خلالنا وليس من خلال ما يحكى أو يكتب عنا.

هذا بالإضافة إلى جمال الهندسة وروعة العمران والآثار، خصوصا إذا كانت تلك الأمكنةُ موغلةً في التاريخ عابرة للحضارات والأزمنة.

كل تلك الأبعاد هي من الثمار الطيبة للسياحة الدينيّة الصحيحة القائمة على معرفة الذات والأرض والهوية والآخر، كما يمكن الإشارةٌ إلى البعد الاقتصادي وأثره في تحريك العجلة المالية بين الناس حيث بعض الدول تجني أموالا كبيرة بسبب السياحة الدينيّة والتسهيلات المتبعة من قبلها لدعمها وتطويرها.

وبما أننا في لبنان نمر بأوضاع اقتصادية صعبة وبات السفر للخارج مكلفا فيمكن الاستعاضة عنه عبر تفعيل السياحة الدينيّة الداخلية في وطننا العزيز حيث تساهم في دفع العجلة الاقتصادية لابنائه وكذلك نتعرف على مناطقنا وقرانا بشكل أفضل من خلال تلك الزيارات المتبادلة. ولا يسعنا في هذا الصدد إلا شكرُ وزراة السياحة اللبنانية للإضاءة على هذا العنصر الهام جدا بأبعاده كافة. والشكر موصول للجامعة اللبنانية والأخت الكريمة د. زينة حداد واللجنة المنظمة لسعيها الدؤوب لإقامة هذا المؤتمر الافتراضي الهادف، مع تحية احترام وتقدير لجميع الأخوة والأخوات المشاركين والمشاركات والمستمعين والمستمعات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ملاحظة: ألقيت هذه الكلمة بدعوة من وزارة السياحة اللبنانية وبالشراكة مع وزارة الثقافة، وبالتعاون مع نقابة أدلاء السياحة في لبنان، و Holy Lebanon App بمؤتمر افتراضي، بعنوان: “السياحة الدينية في لبنان: الإرث الملموس وغير الملموس”. بتاريخ 26/ 3/ 2022.

About The Author

Contact