×

قراءة عن المجموعة الشعرية (خلجات) للشاعرة التونسية منيرة الحاج يوسف بقلم الأديبة الشاعرة سمر الديك

قراءة عن المجموعة الشعرية (خلجات) للشاعرة التونسية منيرة الحاج يوسف بقلم الأديبة الشاعرة سمر الديك

الديوان من عنوانه ( خلجات)عبارة عن مشاعر الشاعرة وأحاسيسها صاغتها بأسلوب يتراوح بين النثر والشعر.

وقد حظيت الشاعرة بتقديم كتابها من الأديب العراقي المقيم في كندا الناقد واللغوي الفذ الدكتور مديح الصادق وهي التي بدورها خصّته بقصيدة بعنوان(أحزان الثلج) تشير بها إلى أياديه البيضاء وإنسانيته وتظهر فيها حنينه وشوقه للعراق الجريح:

“تكتبُ بندف الثلج أمانيكَ للعام الجديد، للأطفال المزروعين على قوارع الطرقات… للجياع يقضمون رغيفَ أحزانهم… لنسوةٍ من سُوطٍ يلسعُ ظهورهنَّ… لكلِّ هؤلاء تكتبُ…تَرسلُهُ في البريد السّريع مع ريح شوقك للعراق والعمارة، للفرات، للمتنبي، للسياب، للملائكة، للديار والحجارة في مستهل العام أراكَ تركضُ، تجري، تطيرُ كالحمام، تُوزّعُ ما اختزنت في فؤادكَ من آمانٍ، تُصلّي حتى علينا يعمُّ السّلام”.

وبشكل عام الديوان عبارة عن قصائد حبٍّ كُتبتْ بمدادٍ من مشاعر َصادقةٍ في مختلف المواضيع كتبتْ عن المرأة مناصرةً لها، ولقضاياها، للأم، للصديقة ، لجزيرة جربة مَسْقَط رأسها وللحبيب وقدْ خصّته بمعظم قصائد الديوان فهو الملهمُ لها وهو شريكُ الرّوح، والعقل.

ولا أُغالي إذا ما قلتُ إنّ ديوانَ (خلجات) هو أساساً كتابٌ مُكرّسٌ للحبِّ وينضحُ حبّاً ولاتخلو صفحة من صفحات الديوان من هذه اللفظة ، بل وتكررت في بعض الصفحات مرّاتٍ عدّة، ففي قصيدة (مناجاة) تقول:

“حبيبي خُذني إليكَ، أنامُ قليلاً على كتفيك، وأَنثرُ ورداً على راحتيك، وأغفو أُغنّي قصائدَ عشقٍ تُليقُ بقلبك، أنا طوعُ أمركَ فخُذني إلى حيث أنتَ تُقيم”.

نلاحظُ أنّ القصيدةَ خاليةٌ من الغموض، والتعقيدات المعروفة أو المتوقعة في أمثال هذا الضرب من التشكيلات الشعرية، إنّها كباقي قصائد الديوان كانت رسالةً بارعةً في تخطيط ووصف حالات حبِّها، إنّها فتاةٌ جريئةٌ ، مُتحررةٌ بل ومُتحدية لجبروت وعَسْفِ مجتمعها .

منيرة السّيدة العصرية الرّاقصة: منيرة شاعرةٌ عصريّةٌ، مثقفة لذا لايحُسُّ القارئ بالدهشة حين يجدُها تتكلم عن الرّقص وتُمارسه مع مَنْ تُحب، حيث أفردتْ للرّقص قصيدةً بعنوان (رقصةُ الحب) إنّها تُعبّر عن فلسفتها في الرّقص بلغةٍ بسيطة، واضحةٍ لالَبْسَ فيها حيثُ أولى كبار مشاهير الشّعراء الموسيقا والرّقص أهميةً استثنائيّة أمثال الألماني (غوته، سأرقصُ الليلة حتى الصّباح) كذلك (زوربا) وقصته في الفيلم الذي يحملُ هذا الاسم وهل لنا أنْ نتغاضى عن (رقصة الصوفية المولوية)ومغزاها الديني والجسدي والتطهيري؟

كان أحدُ أئمة المتصوفة يَتعرّى كاملاً ويرقصُ حتى يفقدَ وعيه، ويُغمى عليه.

لذلك لا أُبالغُ إنْ قُلتُ عن الشاعرة منيرة السّيدة العصرية الرّاقصة، ونحن شغوفون بما قالت في هذه القصيدة:

“عندما تُراقصني تُزهرُ عيونُ السّماء، ما أحلى أنْ أغرقَ في قلبك وأرقص…أرقصُ نشوى، وأغرقُ فيك، تطيرُ بي في فضاء الهوى على بساط قلبكِ، تُدغدغُني سعادةٌ كبرى ، وأُعانقك حدّ الاتحاد، بعدها مثل عصفورةٍ ننام”

هكذا بدت لنا منيرة الشاعرة العاشقة أبداً في معظم قصائدها كما في (ارتعاشة الغياب)تقول:

“غيابُكَ ارتعاشةٌ تُخلخلُ ثيابي… يا حبّ ماذا فعلتَ بي؟ أَنسيتني أنّاتي، صرتَ موسيقا حاضري ،ولحن عمري الآتي…”

وفي قصيدتها (كلام في الحب)تقول:

“كان عليّ أنْ أعرفَ أنّكَ بعيدٌ جداً… جداً تفصلُنا مُحيطاتٌ من المشاعر ،سماءٌ عاليةٌ من الإحساس ،عندما تَطلبُكَ لهفتي ،ولاتلقاكَ يعيلُ صبري ،أسرقُ من شمس الجنوب خيوطها لأنسُجَك سُجاداً أُصلّي عليه”

فشاعرتُنا عاشقةٌ أبداً تتنقلُ في حبّها بين الماء والنار وهذا ماأفضحتْ عنه بقصيدتها (أنتَ النار والماء) تقول:

“حروفُكَ نارٌ أشعلتْ فيّ الحشا ،فقلْ لي كيف أُطفئها؟ أنتَ النار والماء، أنتَ سيدُ الحرف،وأنتَ إلفي،ومَنْ خطَّ على قرطاسي عشقاً…)”

وشاعرتُنا تُكشفُ قلبَها ، ونفسها للملأ بكلّ شجاعةٍ قائلةً هأنذا امراةٌ تُعاني من تجربة حبّ لاخيار لي فيها،أنا بشرٌ كباقي البشر لي مالهم،  وعليّ ماعليهم ولاأجدُ عيباً أو غضاضةً في هذا الحب الذي تملكني وتقول في قصيدتها (أهواه):

“العشقُ ذنبي…والذنوبُ بلا عددٍ، تُهمتي أهواه ،تَيَمْتَني …أَتْلفْتَني ،هذا هواكَ مُرّهُ أحلاه…”

وهكذا عرضتْ الشاعرة حالات حبّها بكلِّ طقوسه ،وحالاته…ولم تفتْها محنةَ الأمة العربية في هذا الوقت الراهن تقولُ بقصيدتها (جنون الأمة):

“على أرصفة الجوع تنتشرُ أفواهٌ مُتيبسةٌ، بعض الوجوه عابسةٌ، الأنوفُ تزكمها رائحةُ الجثث في كلّ الأمكنة…يا أمةٌ مأساتها أبكتْ العيون بعد المجد وسواسٌ يُساورها حتى تُصابَ بالجنون)”

لقد برعتْ الشاعرة في توصيف، وتصوير أوجاع أمتها بشفافية عالية، ومشاعر ملتهبة لهذه الحال تقولُ في قصيدتها (أوجاعٌ جياع):

“على تَخوم وطنٍ منكوب أثارُ أقدامٍ مُتقرحةٍ بوقعها اكتوى الترابُ، والحجارةُ نزفتْ، وساعاتُ النهايات أُزِفَتْ، أصواتُ القنابل تترصّدُ الآذان، تثقبُها، تخترقُ القلوبَ تُمزقُها، تُدميها، والبطون الخاوية تُقرقر الأمعاء”

وقد مثّلتْ قصائد هذه المجموعة تشكيلات جماليةٍ تضجُّ بالصور، والأخيلة  لاتحتاج عناء في الوقوف عليها ولكنها مصحوبةٌ بصورٍ شعريّةٍ مكثفةٍ.

وهكذا تبدو لنا مجموعتها الشعرية (خلجات) مسندةً بروابطَ خلقت توازناً، وتوأمةً واضحة لدى أفكار المتلقي والقصيدة، والشاعرة أيضاً. إضافة إلى أنّ مستوى الإيقاع رَصّنَ من بنائها لقصائدها لأنّ القصيدة َإيقاعٌ لفكرةٍ تُولَد في لحظةٍ بعيداً عن نمطية الافتراض، والتهيؤ ثمّ تأتي مرةً واحدةً على شكل تجلياتٍ، أو توهجاتٍ أكثر شفافية من إسقاطٍ مُفترضٍ، أو إرهاصة ما.

—————————————————-

الأديبة الناقدة سمر الديك

About The Author

Contact