×

مداخلة د. درية فرحات في ندوة يوم المرأة العالمي (المرأة بين سندان التقاليد والبحث عن دورها في المجتمع)

مداخلة د. درية فرحات في ندوة يوم المرأة العالمي (المرأة بين سندان التقاليد والبحث عن دورها في المجتمع)

مداخلة د. درية فرحات في ندوة يوم المرأة العالمي

المرأة بين سندان التقاليد والبحث عن دورها في المجتمع

أ.د درية فرحات

كلّ كاتب يحمل موروثات تسهم في صنع شخصيّته وتؤثّر في نمط كتابته، ويمكنني القول بأنّ أهم ما صنع شخصيّتي هي التّربيّة التي قامت على القراءة والمطالعة، وعلى القدرة على التّعبير عن الرّأي مع ضرورة الحفاظ على القيم الإيجابيّة، ولا أستطيع ان أقول كيف كانت اللحظة الأولى، لأنني لم أتقصد الكتابة، إنّما هو فعل عفوي لما أشعر به ويمكن القول إنّه لكل فعل ردة فعل (بحسب القانون الفيزيائي)، أي بحسب انعكاس المواقف والتّجارب عليّ فإن الكتابة رد فعل مع الأخذ بعين الحسبان أن الامر ليس قانونًا أو عملية حسابيّة إنّما انعكاس للشّعور والوجدان، فالحرف هو مرآة لخواطر القلب ومنطق العقل عند الأديب، فلا يمكن أن أحدد الطريقة، فما يحرّض قلمي هو ما تفرضه الحالة الشعورية وسيطرة الفكرة، وقد تكون حالة العشق بيني وبين الحرف فينطلق مزغردًا على الورق، معبّرًا عن الوجدان فيكون في لحظة ابداع تدخل معه الفكرة، فما يشد القاص هو احتكاكه بقضايا مجتمعه وأيضا تأثير الحياة عليه فينطلق قلمه معبرا عمّا يختلج في أحاسيسه وفكره، وهكذا  ينطلق قلمي ولا يتوقف وفي أحيان اخرى تأخذ القصة أكثر من جلسة، وحكما أعود الى القصة التي كتبتها لاحقًا فيعمل يراعي بها تشذيبا وتعديلا وهنا أكون قد خرجت من حالتي الشعورية فأقراها من بعيد. وطبعا هذا لا ينطبق على القصة القصيرة جدا التي تأتي بلحظتها، فتكون كاللمعة التي تضيء وتنطلق فعندما يخاطب الحرف الإحساس فإنه يجيبه ببسط مداده فيخرج من قوقعته ويعلن عن الخبايا.  قد تكون اللحظة الاولى هي الأصعب لكن ما إن ينطلق حتى تكرّ سبحة الأحاسيس.

        وعليه فإنّ الإحساس بقضايا المرأة كان انطلاقًا من التّمازج بما تفرضه قضايا المجتمع ومنها ما له علاقة بفرض بعض العادات والتّقاليد على المرأة التي رفضتها، وعادة للمجتمعات تقاليد وعادات ونظم تلتزم بها، وتسير وفقها، وتعكس هذه التّقاليد والعادات حقيقة المجتمعات وما رسخ فيها من قيم اجتماعيّة وإنسانيّة وفكريّة وثقافيّة. والتّقاليد هي طرائق جمعيّة للسّلوك مستقلة في وجودها عن الفرد، تفرض نفسها عليه وتعين على تقوية الشّعور الجمعيّ، وتحقيق الإندماج التّام بين عناصر المجتمع. هي صنع الماضي ودعامة الحاضر، فهي حصيلة التّجربة العمليّة للمجتمع ومقياس مهم للنّظم الاجتماعيّة.  

        والتقاليد والعادات هي سلوكيات يلتزم بها المرء في المجتمع، وتتوارثها الأجيال، وتتمسّك بها متجنّبة الخروج عنها أو تغييرها سواء أرادت هذا بقناعتها أو بتلقائيتها، فهذه العادات والتّقاليد تنشأ في البداية لأغراض معينة للمجتمع لكن هذه الأغراض، تزول مع الوقت وتبقى العادات والتّقاليد كأنماط سلوكيّة يزاولها الأفراد.  

        من هنا جاءت كتابتي تصويرًا وانتقادًا لبعض العادات والتّقاليد التي تحوّل المرأة إمّا إلى سلعة تُستغل بشكلها الخارجيّ، أو إلى قمعها بسلطة ذكوريّة، فتكون مهمّشة في المجتمع، تابعة لغيرها.

ويمكن القول إنّ في قصصي تبرز القضية الاجتماعيّة، وفيها أرفض بعض العادات التي تصوّر المرأة سلعة أو كماليّة من كماليات البيت، امّا التّوعية فهي عند وصول النّص إلى المتلقي، فالنصّ يُصبح ملكًا له، يتناغم ويتماهى معه وفق إحساسه وتجربته وفكره. ولحظة الكتابة هي لحظة عفوية، فتأتي ولادة الكلمات مرتبطة بالأحاسيس والمشاعر، ومن خلال انصهار الكاتب مع تجربته، والإنغماس فيها، لهذا لا أرى أنّني أتقصد من الكتابة أن أقدّم التّوعية الثّقافيّة والاجتماعيّة، ومن جهة أخرى فإنّ كتاباتي ليست عبثيّة وفوضويّة، إنما تنطلق من تجربة تمتزج بالنّضج والمبادئ التي اعتنقها.

لهذا أرى أنّ على المرأة أن تنشل نفسها من هذا الانكسار، فالمرأة التي قيل فيها إنّها نصف المجتمع، والمرأة التي دعت الدّيانات إلى تمجيدها، والمرأة التي أنجبت العظماء، ليس عليها أن تخضع لذكورية المجتمع، ولرغباته ونزواته، وألّا تكتفي بكونها لوحة جميلة تزدان بالألوان البهية التي تجذب ذكورية الرّجل، بل عليها أن تقتنع بعقلها وحسنها. وكلّما انزوت في قيود المجتمع غير السّليمة، دمّرت المجتمع، وأوصلته إلى الانكسار، وفي الحقيقة هي رسالة إلى الرّجل أيضًا، لأنّه إذا إراد بناء مجتمع سليم فلن يكون ذلك بمفرده.

        لهذا اخترت “احكي يا شهرزاد” عنوانًا لمجموعتي لرمزية اسم شهرزاد، فهي المرأة التي كان عليها أن تسكت عن الكلام المباح كلّ صباح، واستطاعت أن تنقذ بني جنسها من الموت، لكن شهرزاد اليوم عليها أن تحكي في الصّباح والمساء، في الخفاء والعلن، في ريعان شبابها وفي أرذل العمر، فالحياة ملك يديها، والوقت حان أن تعبّر عمّا في خاطرها وما في قلبها من شجون.

        وانطلاقًا من هذا الدّور الذي تؤدّيه المرأة فإنّ سبل بناء مجتمع إنسانيّ يقرّ بأهميّة دور المرأة بعيدًا عن التّقاليد المكبّلة لها يكون من خلال الإيمان بدور المرأة، وألّا يغفل أحدٌ أهميةَ دورِها في المجتمعِ، ويُقالُ إنّ المرأةَ هي نصفُ المجتمعِ، لكنّني أقولُ إنّ المرأةَ هي كلُّ المجتمعِ ، فهي الزوجةُ التي تساندُ زوجَهَا … وهي البنتُ التي يزدانُ بها البيتُ… وهي الأمُّ التي تحضنُ الأبناءَ، وتربّيهم التربيةَ الحسنةَ… وهي الأختُ التي تسندُ أخوتَها وهي مخزنُ الأسرارِ. والمرأةُ تنبري للقيامِ بدورها في المجتمعِ بكلِّ قوّةٍ وعزمٍ. وتمتلكُ صفاتٍ تجعلُهَا قادرةً على  تقديمِ معاني الرّحمةِ والحنانِ.

وإذا تحدّثنا عن المرأة الأديبة، فيمكن القول إنّها أدت دورًا مهمًّا في عالم الأدب، وإن كان دخولها هذا المجال متأخرًّا عن الأديب الرّجل، وهذا حكمًا يعود لأنّها في عصر انبعاث النّهضة تأخرت في تعلّمها عن الرّجل، أو لم تعطَ لها الفرصة كما أُعطيت للرّجل، وقد وقعت المرأة تحت سيطرة الرّجل، مع الإشارة إلى أنّه هو أيضًا في تلك الحقبة قد وقع تحت سيطرة سلطة الانتداب، ما انعكس على المرأة أيضًا، لكنّ الدّعوة إلى التّحرير السياسي قادت إلى التّحرير الاجتماعي، وإن ظلّت تأثيرات ذلك على دور المرأة الإبداعي، وظلّت متّهمة دائمًا أنّ هناك من يكتب لها، لذلك عندما نبغت أديبات في ذلك الزّمن كان أمرًا مهمًّا فسمعنا بمي زيادة وزينب فوّاز كأديبات رائدات، لذلك الشّعور بالتّمييز ضد المرأة  نابع من مقاييس المجتمع الذي يفرض على المرأة صورة نمطيّة ويحصرها في وظيفة محدّدة.

ولم تكن المرأة العربيّة يومًا متقاعسة أو متخاذلة؛ فقد سطَّرت صفحات ناصعة بيضاء على امتداد التّاريخ، وأثبتت قدرتها على مشاركة الرّجل في الحياة العامة، وهي في تاريخنا العربيّ لها دورها المشهود في مجالات عديدة، وأدّت بكلّ جدارة دورها الفاعل.

        وفي ختام حديثي أقول إنّني أرى نفسي في كلّ شهقة من شهقات الحرف، في كلّ همسة من همسات الكلام في قصصي، هي تعبير عن الذات، وعن الأنا عندي، لكن ما إن تنطلق هذه الأنا معبّرة عن مكنوناتها وما يختلج فيها من مشاعر، فتصل إلى أنا الآخر فيقرأ ما كتبته الأنا عندي، أي يحدث التّداخل بين الأنا / والنّحن، فعندها أخرج من قصصي ولا أعود فيها كمنتجة للنّصّ، إنّما كقارئة له.

الأسئلة التي طُرحت :

كلّ كاتب يحمل موروثات تسهم في صنع شخصيّته، وتلك الشّخصيّة تؤثّر في نمط كتابته، والأستاذة درية فرحات في قصصك تصورين انتقادًا وتمرّدًا على العادات والتّقاليد، فما الذي أردت قوله من كلامك (تمرّد على العادات يجعل منها كبش محرقة) / كيف ترين سبل بناء مجتمع إنسانيّ يقرّ بأهمية دور المرأة على التقايد المكبلة لها؟

About The Author

Contact