شيءٌ من اللغة العربيَّة ح35 (التوكيد). بقلم الدكتور مديح الصادق… من كندا.

شيءٌ من اللغة العربيَّة ح35 (التوكيد).
الدكتور مديح الصادق… من كندا.

التوكيد أحد التوابع الأربعة: (العطف، النعت، البدل، التوكيد).
يستخدم التوكيد في التركيب لتقوية المعنى المُراد ونفي احتمال غيره، وهو قسمان:
أولاً- التوكيد المعنوي، ثانياً- التوكيد اللفظي.
أولاً- التوكيد المعنوي، وهو قسمان:
أ- التوكيد المعنوي بأحد اللفظين: (نفس، وعين)، بشرط إضافتهما إلى ضمير يطابق المؤَّكَد: (حضرَ زيدٌ نفسُهُ، حضرَتْ هِندٌ عينُها).
فائدة التوكيد بهذين اللفظين إزالة توهم أن يكون الحاضر (خبر زيد)، أو مبعوث زيد، وقد جرى الحذف من باب المجاز.
(قابلتُ زيداً نفسَهُ، أو عينَهُ). (شكرتُ ليلى نفسَها، أو عينَها).
في حال توكيد المثنى أو الجمع؛ فإن (نفس وعين) يُجمعان على صيغة (أفعُل): (نجحَ المجتهدانِ أنفُسُهما، أو أعينُهما، والمجتهدتانِ أنفُسُهما، أو أعينُهما).
(نجحَ المجتهدونَ أنفُسُهُم، أو أعينُهُم، نجحتْ المُجتهداتُ أنفسُهُنَّ، أو أعينُهُنَّ).
…………..
ب- التوكيد المعنوي بواحد من: (كلّ، جميع) للجمع، و(كِلا، كِلتا) للمثنى؛ بشرط إضافتها لضمير يناسب المؤَكَّد؛ لإفادة الشمول.
.(سارَ الموكبُ كلُّهُ، أو جميعُهُ، اجتمعتْ الجمعيةُ كلُّها، أو جميعُها)
.(قرأتْ الشواعرُ كلُّهُنَّ، أو جميعُهُنَّ)
.{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا}
.(وصَلَني الكتابانِ كِلاهُما، أعجبتْني القصيدتانِ كِلتاهُما)
………………….
استعمل بعض العرب كلمة (عامَّة) للتوكيد، وهو قليل، ولم يذكرها أغلب النحاة؛ ما عدا سيبويه الذي عدَّها من ألفاظ التوكيد: (اجتمعَ القومُ عامَّتُهم)، وقد وصفها (ابنُ مالكٍ) بالنافلة، من باب الزيادة.
………………….
تستعمل (أجمَع) بعد (كلّه)، و(جمعَاء) بعد (كلّها)، لتقوية معنى الشمول:
(سارَ الموكبُ كلُّهُ أجمَعُ)، (اجتمعتْ القبيلةُ كلُّها جمعَاءُ).
تستعمل (أجمعون) بعد (كلّهم)، و(جُمَع) بعد (كُلّهنَّ):
.{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}
.(كُرِّمَ الفائزونَ كُلُّهُم أجمعونَ، وكُرِّمتْ الفائزاتُ كلُّهُنَّ جُمَعٌ)
ملاحظة: ورد من العرب جواز استعمال (أجمَع، جمعَاء، أجمعُونَ، جُمَع) غير مسبوقة ب(كلّ): (سارَ الموكبُ أجمَعُ، اجتمعتْ القبيلةُ جمعَاءُ).
.(كُرِّمَ الفائزونَ أجمعُونَ، كُرِّمتْ الفائزاتُ جُمَعٌ)
استشهد النحاة ببيت لشاعر مجهول اسمه:
.”إذا بَكَيتُ قبَّلَتْني أربَعَا… إذاً ظلِلْتُ الدهرَ أبكي أجمَعَا”
الشاهد فيه التوكيد ب(أجمَع) ولم تُسبق ب(كلّ)، وهناك شاهد آخر في
هذا البيت؛ هو جواز الفصل بين التوكيد (أجمَع) والمؤَكَّد (الدهر)؛ بلفظ أجنبي عنهما (أبكي).
ملاحظة: تَوَابِعُ أَجْمَعَ هِيَ: (أَكْتَعُ، وَأَبْتَعُ، وَأَبْصَعُ).
………………….
يرى الكوفيون أنَّه يجوز توكيد النكرة إذا كانت محدودة، أي يكون لها أوَّل
ولها آخِر، مثل: (شهر، يوم، أسبوع، حول، ليلة)، نحو:
.(صمتُ شهراً كلَّهُ)
استشهدوا بقول شاعر مجهول اسمه:
.”يا لَيتَني كُنتُ صَبيَّاً مُرضَعَا… تَحمِلُني الذلفاءُ حَولاً أكتَعَا”
شاهد الكوفيين فيه توكيد النكرة المحدودة (حَوْل) ب(أكتع)، وهي من توابع (أجمَع)، كما ذكرنا.
أمَّا البصريون فيرون عدم جواز توكيد النكرة، سواء المحدودة أم غير المحدودة، مثل: (وقت، حين، زمن).
……………….
إذا أردت توكيد ضمير الرفع المتصل ب(نفس، أو عين)؛ فيجوز ذلك لكن بعد ضمير رفع منفصل: (احضَرُوا أنتُم أنفُسُكم، أو أنتُم أعيُنُكم).
لا تحتاج لضمير رفع منفصل إذا كان المؤكَّد ب(نفس، أو عين) ضمير نصب أو جرّ:
(قابلتُكَ نفسَكَ)، (سلَّمتُ عليها عينِها).
يجوز التوكيد بغير (نفس، وعين) بدون ضمير رفع منفصل:
(احضرُوا كلُّكُم، أو جميعُكُم). (حضرَا كِلاهُما).
………………
ثانيا- التوكيد اللفظي: يعني تكرار اللفظ أو التركيب نفسه:
{كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا}. على رأي بعض النحاة.
.{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ}
في بيت غير منسوب لقائل:
فأينَ إِلَى أيْنَ النَّجَاةُ بِبَغْلَتِي … أتَاكِ أَتَاكِ اللاَّحِقُوْنَ احْبِسِ احْبِسِ
لا يجوز تكرار لفظ الضمير المتصل إلا ومعه ما اتصل به:
(مررْتُ بِكَ بِكَ)، ولا يجوز القول: (مررْتُ بكَكَ).
كذلك إذا أردت توكيد حرف (عدا حروف الجواب)؛ يجب إعادة الحرف مع
ما يتصل به، نحو: (إنَّ أخاكَ ناجحٌ إنَّ أخاكَ ناجحٌ). (في الدارِ في الدارِ أهلُها).
لايجوز (إنَّ إنَّ أخاكَ ناجحٌ)، أو (في في الدارِ أهلُها).
.{فإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرَا، إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرَا}
لقد ورد شذوذا تكرار (لا النافية) بدون ذكر ما يتصل بها في قول جميل بثينة:

.”لاَلاَ أَبُوحُ بِحُبِّ بَثْنَةَ إِنَّهَا… أَخَذَتْ عَلَيَّ مَواثِقًا وعُهُودَا”

كان الواجبُ أن يقول: (لا أبوحُ لا أبوحُ).
………….

يؤكَّد حرفُ الجواب توكيداً لفظيّاً بإعادته وحدَهُ:
.(أحضَرَ أخوكَ؟. نعم، نعم)
.(ألم تأكلْ؟. بلى، بلى)
حروف الجواب (نعَمْ، جَيْرِ، أجَلْ، إيْ): تقع بعد الإيجاب والنفي.
(لا): لا تقع إلا بعد الإيجاب.
(بَلى): لا تقع إلا بعد النفي.
………………..
يجوز توكيد الضمير المتصل (ضمير الرفع، أو النصب، أو الجرّ)؛ بضمير رفع منفصل: (فازُوا هُمْ، كرَّمناهُم هُمْ، فرِحْنا بِهِم هُمْ).
.(فزْتَ أنتَ، كرَّمْناكَ أنتَ، فرِحْنا بِكَ أنتَ)
……………………
التوكيد يتبع المؤكَّد في إعرابه:
(فازتْ الشواعرُ كلُّهُنَّ جُمَعٌ). (استقبلْنا الشواعرَ كلَّهُنَّ جُمَعاً).
.(رحَّبْنا بالشواعرِ كلِّهِنَّ جُمَعٍ)
(أخوكَ أخوكَ فائزٌ). (شاهدنا أخاكَ أخاكَ). (رحَّبْنا بأخيكَ بأخيكَ).
………………..
أتمنّى أنْ تكون المحاضرة ُمُتاحة لمن يودّ الاستفادة منها بيُسر.
نلتقي في الحلقة 36 (أسلوب المَدْح وأسلوب الذَمّ).